فرقت الشرطة مئات المتظاهرين السودانيين، الثلاثاء، في احتجاجات مطالبين فيها بعودة الحكم المدني، في مدن عدة منها الخرطوم وأم درمان وبحري، في فعاليات أطلقوا عليها "مليونية 13 سبتمبر".
وشهد الشارع السوداني مظاهرات عدة منذ
انقلاب 25 تشرين أول/أكتوبر 2021، ويطالب المتظاهرون فيها دائما بعودة الحكم
المدني ومحاكمة العسكر.
وجاءت المظاهرات بعد أيام من دعوة
وجهتها تسع دول غربية لجميع الأطراف السودانية، طالبتهم فيها بضرورة الدخول في
عملية سياسية لاستعادة الانتقال الديمقراطي تحت قيادة مدنية وبمشاركة الجميع بمن
فيهم الجيش.
وأكدت الدول في بيان مشترك لها على
ضرورة مشاركة جميع الأطراف السودانية، بما في ذلك الجيش، بشكل بناء في عملية
سياسية لاستعادة الانتقال إلى الديمقراطية بقيادة مدنية.
وأشارت إلى "أنها تدعم جهود
الآلية الثلاثية للأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية الدولية
المعنية بالتنمية (إيغاد)، للمساعدة في سد الخلافات بين الأطراف وتيسير استعادة
الانتقال بقيادة مدنية إلى الديمقراطية".
مبادرات متكررة.. ولكن!
ولم تكن هذه الدعوة التي وجهتها الدول
التسع هي الأولى، حيث سبقتها دعوات عدة من دول أخرى منها الترويكا "المملكة
المتحدة والولايات المتحدة والنرويج"، ولكن لم تجد الدعوات السابقة استجابة،
فهل يستجيب الفرقاء السودانيون لهذه المبادرة الجديدة، وكيف ستكون نتيجتها؟
يرى كاميرون هدسون، المدير السابق
لمكتب المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان، أنه "من المبكر تحديد نتيجة هذه
الدعوة الغربية، وفي ذات الوقت لا يرى إلى الآن أي استعداد من جانب العسكر
للانخراط في المحادثات السياسية، حيث يبدو أنه جزء من استراتيجيتهم للحفاظ على
سيطرتهم على الأمن والاقتصاد، وعدم التنازل عن أي شيء".
وتابع هدسون في حديث لـ"عربي21":
"السؤال المهم هو ما إذا كان بإمكان المجتمع الدولي استخدام أي نفوذ لديه
لإجبار الجيش على إجراء محادثات سياسية، بحيث يوافقون على انتقال سياسي جديد
وترتيبات مستقبلية يتخلون فيها عن بعض سيطرتهم، وسيتطلب ذلك تحذيرات وضغوطًا من
هذه السفارات والتي لم أرها تحدث بعد".
اقرأ أيضا: تفريق مظاهرات تطالب بعودة الحكم المدني بالسودان (شاهد)
وتوقع أنه "قد يخلق العسكر صراعات جديدة في مناطق أطراف السودان، وهذا ما يفعلونه دائمًا لتبرير قبضتهم على السلطة ولصرف الانتباه عن القضايا السياسية الأكبر، حيث كلما زاد التركيز على ما يحدث في دارفور أو النيل الأزرق أو القضارف، قل التركيز على المحادثات السياسية في الخرطوم".
وأعرب عن "خشيته من حدوث سوء فهم
بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وبالتالي ما هي الشرارة التي
ستجبرهم على توجيه بنادقهم إلى بعضهم البعض؟ هذا هو مصدر قلق الجميع".
من ناحيته أكد رئيس تحرير صحيفة التيار
عثمان ميرغني، أن "مثل هذه الدعوات من أطراف عدة في المجتمع الدولي المهتم
بالشأن السوداني كثيرة ومتواترة، وللأسف يستخدمها الفرقاء السودانيون كأداة في
خلافاتهم وتشاكسهم السياسي، فكلما صدر بيان من الترويكا أو من الاتحاد الأوروبي
سارع كل طرف سوداني إلى تفسيرها انتصارا ودعما لموقفه".
وأوضح ميرغني خلال حديثه
لـ"عربي21"، أن "طرفي الأزمة السودانية استثمرا البيان الأخير كل
وفق ما يناسبه، فمثلا قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي أخذت منه فقرة امتداحه
لمشروع الدستور الذي تقدمت به نقابة المحامين، التي تتشكل من أحزاب هذا
التحالف".
وأضاف: "لكن بالمقابل الطرف الآخر
اقتطع من البيان إشارته الصريحة إلى أن صياغة الدستور لا يمكن أن تستأثر بها
مجموعة أو قوى بعيدا عن التوافق أو الإجماع الوطني".
ونبه إلى أن "البيان بشكل عام أكد
أن صبر المجتمع الدولي على الأزمة السياسية السودانية بدأ يتحول إلى تقديم
الاستقرار والأمن على الاعتبارات السياسية".
وحول إمكانية استجابة الأحزاب
والمدنيين لهذه الدعوة الغربية قال الكاتب عثمان ميرغني: "الأحزاب منقسمة إلى
تحالفات سياسية هي التي أشرت لها، ولكن بصورة مستقلة الحزب الاتحادي الديمقراطي
اعترض على الدستور وكذلك الشيوعي وهما حزبان من أقدم الأحزاب عمرا، ومشروع الدستور
يمدد الفترة الانتقالية لحوالي ٤ سنوات إضافية".
بدوره قال المحلل السياسي ومدير المركز
السوداني لحقوق الإنسان وحرية الإعلام "أمية"، يوسف أبو فداية، إن
"دعوة الدول التسع ليست المبادرة الغربية الأولى ولن تكون الأخيرة، لكنها جاءت
بعد وصول السفير الأمريكي جون غودفري وتحركاته المكثفة داخل البلاد ولقائه
بالأطراف السودانية، والذي أراد منها إثبات الجدية في إيجاد حل للأزمة السودانية".
وأكد أبو فداية خلال حديثه
لـ"عربي21"، أنه "في ظل التعقيد الحاصل في الوضع السياسي العام في
السودان، من الصعب القول إن هذه الدعوة يمكنها تقديم حل عملي للأزمة، خاصة أن
تفاصيلها غير واضحة، حيث لم تضع جدولا لعملها أو رؤى ونقاطا تنطلق منها لبدء العمل
على التقريب بين الأطراف السودانية جميعها".
وحول احتمالية استجابة القوى العسكرية
والمدنية لهذه الدعوة، توقع أن تجد هذه الدعوة الجديدة نفس الصدى والرد على
المبادرات السابقة، حيث ستلقى اهتمام البعض، وعدم اكتراث ورفض من البعض الآخر، و"هذه
هي الإشكالية في الاتفاقيات والمبادرات بشكل عام".
وتابع، "يناسب العسكر أن تطول
الفترة الانتقالية، لأنه إذا حصل اتفاق ستبدأ مرحلة جديدة يكونون فيها شركاء بشكل
أو بآخر، كذلك بقاء الخلافات يعني عدم تحديد نهاية الفترة الانتقالية، ولن يُحدد من
سيكون شريكا لهم في الحكم".
وأضاف: "بالمقابل في الجانب
المدني هناك إشكالية حول من يمثل المدنيين، فهناك أربعة أجسام سياسية مختلفة تدعي
تمثيلها للمكون المدني، لم تستطع إلى الآن الجلوس سوية والاتفاق على
تحديد ممثلين عن هذه الكتل جميعها، وبالتالي أي تحرك من أي جزء من المدنيين تجاه
هذه الدعوة سيقابله رفض من الأطراف الأخرى".
مشروع دستور جديد
وكان هذا الأسبوع حافلا بالمبادرات،
حيث تزامن مع الدعوة الغربية لبدء الانتقال الديمقراطي، صدور مشروع دستور أعدته
ونشرته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين.
وكان من بنود الوثيقة التأكيد على
ضرورة إسقاط الانقلاب العسكري والقضاء بشكل تام على الانقلابات العسكرية وحكم
القائد الفرد وعنف الدولة.
واستلهم معدو الوثيقة مشروعهم من جميع
مبادرات قوى الثورة ومواثيق لجان المقاومة الشعبية، مؤكدين أن المواطنة أساس
للحقوق والواجبات، وأن ذلك يشرعن الحكم المدني الديمقراطي، مع الالتزام بتفكيك
نظام الرئيس السابق عمر البشير.
ورحبت جهات عدة بمشروع الدستور الذي
تقدمت به النقابة، حيث وجدت الوثيقة ترحيبا من قبل نائب رئيس مجلس السيادة محمد
حمدان دقلو "حميدتي"، وكان ترحيبه أول رد فعل من المكون العسكري.
كذلك رحبت بالوثيقة الدول التسع التي
وجهت دعوات للحوار بين الفرقاء، واعتبرت أن "أي اتفاق سياسي لن يحمل أي
مصداقية إن لم يكن شاملا أو يلقى ترحيبا وتأييدا من قاعدة شعبية واسعة".
مدنيا ووفقا لوسائل إعلام سودانية رحبت
قوى سياسية بالمشروع الدستوري الجديد، وخاصة الأحزاب الرافضة لمشاركة الجيش في
الحكم، حيث دعت قوى الحرية والتغيير جميع القوى السياسية للمشاركة في النقاش حول
الوثيقة.
ووقع أيضا الحزب الاتحادي الديمقراطي
الأصل على الوثيقة التي شارك في إعدادها، لكنه أبدى بعض الملاحظات على المشروع،
الذي رحب به أيضا رئيس الجبهة الثورية، الهادي إدريس، وقادة الحركات المسلحة التي
لم توقع على اتفاق سلام جوبا، عبد العزيز الحلو وعبد الواحد نور.
بالمقابل رفض تجمع المهنيين السودانيين
والحزب الشيوعي السوداني مشروع الدستور الجديد، وأبديا مخاوف من أن يكون وسيلة
تعيد الشراكة مع الانقلاب وقائده عبد الفتاح البرهان.
من جهتها اعتبرت مديرة مركز "Confluence Advisor" للأبحاث، خلود
خير، أن "مشروع الدستور الذي وضعته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين أنجح
مبادرة حتى الآن، حيث وجد دعما من قوى شتى".
واستدركت خير بالقول
لـ"عربي21": "لكن هذه عملية دستورية وليست تحالفًا سياسيًا، لذا
هناك جهود لضمان أن الزخم لعملية مشروع الدستور يمكّن من التلاقي السياسي للقوى
المتباينة المؤيدة للديمقراطية".
وأكدت أن "المشروع سيشكل حافزا للجيش لتسليم السلطة، لكن ما لم يكن لديهم تأكيدات بشأن مخاوفهم بما يتعلق بحياتهم
وجيوبهم وقواتهم، فمن غير المرجح أن يسلموا السلطة إلى القوى الديمقراطية
المدنية".
ونبهت خير إلى أن "الاتفاق حول
هذه القضايا سيتطلب أيضًا ضمانات دولية للتغلب على نقص الثقة بين الأطراف
السودانية".
وأضافت: "من المهم ملاحظة أن
الجماعات المؤيدة للديمقراطية لا تستجيب فقط لضغوط المجتمع الدولي، بل للظروف
الحياتية في البلاد، حيث أن ضغط أزمة المعيشة، وتأثير 10 أشهر بدون حكومة، يؤدي
إلى اضطرابات وإضرابات في مختلف القطاعات العامة، وهذا يعني أن هناك ضغطًا داخليًا
كبيرًا على الفاعلين السياسيين، المؤيدين والمعارضين للانقلاب، لتلبية احتياجات
الجمهور المنخرط في السياسة".
وأشارت إلى أن "المبادرات بشكل
عام مستمرة، لكن ضغوط الظروف المعيشية الناجمة عن تأثيرات الانقلاب على الحياة
اليومية، دفعت الجهات السياسية إلى التحرك".
واستدركت بالقول: "لكن لا يزال
هناك بطء في تعيين رئيس وزراء من قبل الجماعات المؤيدة للديمقراطية، كما أن
البرهان لم يفعل ذلك لأنه سيجدد غضب الرأي العام الشديد تجاهه، ولكن مع تزايد
الفقر والاقتصاد المتردي لن يساعد البرهان والجميع تهاون الفاعلين السياسيين
معهم".
الدبلوماسي الأمريكي السابق كاميرون
هدسون، عبر عن اعتقاده "بأن مشروع الدستور الذي لقي قبولا واسعا يمكن أن يكون
نقطة انطلاق مفيدة لمزيد من المفاوضات ووسيلة للمساعدة في توحيد المدنيين، لكن
علينا أن نتذكر أيضًا أن الانقسام بين القادة المدنيين هو جزء من أي عملية
ديمقراطية ونظام سياسي مفتوح".
وأضاف: "لا ينبغي أن يكون هناك
توقع بأن يوافق مدنيون من مختلف الأحزاب والفلسفات السياسية تلقائيًا على مثل هذه
القضايا الأساسية، وليس من العدل مقارنتها بالجيش الذي يعتبر بطبيعته نظامًا
هرميًا حيث لا يُسمح بالاعتراض إلى حد كبير".
بالمقابل كان المحلل السوداني عثمان
ميرغني أكثر تشاؤما، حيث لا يعتقد أن مسودة مشروع الدستور ستنجح، فهي احتوت على
أخطاء واضحة، لكن من الممكن التعامل معها على أساس أنها مجرد مقترح من أحد أطراف
الأزمة قابل للتعديل والتطوير، وبالنسبة لترحيب الدعم السريع بها هو مجرد موقف
تكتيكي".
المحلل السياسي أمية أبو فداية يرى
"أن مشروع الدستور سيتم التعامل معه كما يتم التعامل مع جميع المبادرات
والاتفاقات الأخرى، حيث إذا تم إعداده من قبل مجموعة ستعارضه الأخرى، ولهذا رفضت
بعض القوى هذا المشروع لأنه أتى من الجهة التي يخالفونها ويعارضونها".
الأمم المتحدة لـ "البرهان وحميدتي": انسحبا من السياسة
السودان يستدعي سفير إثيوبيا لحديثه عن طائرة أسقطتها بلاده
دبلوماسي أمريكي يدافع عن حق إثيوبيا بسد النهضة ويهاجم مصر