قبل أقل من أسبوع عن الموعد المفترض لإصدار الرئيس التونسي قيس سعيّد مرسوما جديدا حول القانون الانتخابي، عبر مهتمون بالمسار الديمقراطي في البلاد عن تخوفات وقلق بسبب غموض ملامح القانون الجديد، وتقرير نشرته وكالة تونس أفريقيا للأنباء.
وحسب القانون التونسي، فإن موعد 17 أيلول/ سبتمبر الجاري، هو التاريخ الأقصى المفترض لإصدار المرسوم الانتخابي، باعتبار أن الأمر الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين إلى الانتخابات التشريعية المقررة يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، يجب أن يصدر قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات.
وفي 5 أيلول/سبتمبر، قال الرئيس سعيّد خلال لقائه برئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر "إنه سيتم وضع مشروع نص للانتخابات مع اعتبار الملاحظات والمقترحات التي سيتقدم بها الذين دعموا المسار الإصلاحي ليوم 25 جويلية وانخرطوا في عملية التأسيس الجديد".
وعمقت هذه التصريحات من المخاوف، خاصة مع إصرار سعيّد على التوجه نحو بناء مسار كامل استنادا على فئة واحدة وإقصاء المخالفين لها.
ونبه المدير التنفيذي لمرصد "شاهد" ناصر الهرابي، في تصريح لوكالة أنباء تونس أفريقيا للأنباء، الأحد، من أن ضيق الوقت وإصرار رئيس الدولة على الاستماع إلى جهة واحدة وهي الفئة "المساندة لمسار 25 تموز/يوليو"، "لن يساهم في بناء ديمقراطية سليمة، وسيؤدي إلى مقاطعة جهة هامة من الطيف السياسي للانتخابات القادمة، وعزوف عدد كبير من المواطنين عن المشاركة في هذا الاستحقاق"، وفق تقديره.
وقال إن تصريح سعيّد "دليل على أن المسار سيسير في اتجاه واحد كما وقع في الدستور والاستفتاء"، معتبرا أن "القانون الانتخابي هو الأهم في المنظومة التشريعية بعد الدستور لأنه ينظم الحياة السياسية".
وينوي سعيّد اعتماد نظام اقتراع جديد في الانتخابات التشريعية القادمة قائم على الأفراد وفي دورتين، وهو نظام له من الإيجابيات والسلبيات مثل غيره من أنظمة الاقتراع في العالم، إلا أن التركيز في تنقيح القانون الانتخابي على نظام الاقتراع فقط لا يعتبر كافيا لضمان مشهد برلماني مختلف عن 2014 و2019، وفق ما ذكرته الوكالة.
لا تمثيل للفئات.. ولا استقرار سياسيا
وحول نظام الاقتراع على الأفراد، أوضح الهرابي أنه لا يوجد نظام اقتراع مثالي وأن لكل نظام إيجابياته وسلبياته، معتبرا أن نظام الاقتراع على الأفراد لا يضمن تمثيلية المرأة والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة، خلافا لنظام الاقتراع على القائمات مع أكبر البقايا، فضلا عن أن المترشحين كأفراد يمكن أن يكونوا من "النزهاء المعروفين في جهاتهم" كما يمكن أن يكونوا من "أصحاب النفوذ والمال الذين يترشحون لخدمة مصالحهم الخاصة."
وقال: "ليس لدينا فكرة واضحة حول نظام الاقتراع على الأفراد، الذي يمكن أن يفرز بدوره فسيفساء غير متجانسة من الأفراد في البرلمان القادم، وقد يتسبب في مشاكل كبيرة"، وفق تقديره.
من جهتها، أفادت رئيسة شبكة "مراقبون" رجاء الجبري في تصريح للوكالة التونسية، بأن نظام الاقتراع على الأفراد يحتاج عملا كبيرا على مستوى تقسيم الدوائر، وأن الوقت لا يسمح بذلك، بما قد يدفع نحو اعتماد تقسيم إداري لا يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الاجتماعية لكل منطقة.
ونبهت الجبري من أن نظام الاقتراع على الأفراد لا يمكن أن يضمن وجود كتلة أغلبية في المجلس تحكم وتحاسب، ذلك أن النواب القادمين من نفس الأحزاب تجمعهم ضوابط محددة، في المقابل لا يمكن تجميع الأفراد بسهولة ضمن كتل، بما قد يحول دون ضمان الاستقرار البرلماني المنشود، حسب تقديرها.
هل يكفي تعديل نظام الاقتراع؟
وفي وقت سابق، قال الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، المساند لمسار سعيّد، إنه لا يمكن اختزال القانون الانتخابي في نظام الاقتراع على الأفراد أو على القائمات، وأن تغيير النظام الانتخابي وحده لن يحل المشكلة، والأهم من ذلك هو التركيز على إصلاح الجوانب المتعلقة بتنقية المناخ الانتخابي التي تسببت في ترذيل الانتخابات وإفسادها خلال السنوات الفارطة، وفق تعبيره.
وحسب الوكالة التونسية، فإن أغلب المنظمات والجمعيات المهتمة بالشأن الانتخابي، تجمع على أن الأهم من نظام الاقتراع هو المنظومة المحيطة به، وأن ضمان انتخابات نزيهة وشفافة يحتاج عملا متواصلا على مراقبة الأحزاب والجمعيات وتمويلها، وليس الاقتصار على فترة الحملات الانتخابية.
ورأى المدير التنفيذي لمرصد "شاهد"، أنه لا بد من الاهتمام بالقضاء الانتخابي، والتوسيع في آجال الطعن وتوحيد قضاء النزاع الانتخابي في المحكمة الإدارية باعتبارها الجهة المختصة.
كما نبه الهرابي إلى أن آلية سحب الوكالة التي سيتم تضمينها في المرسوم الانتخابي، يمكن أن تكون بناء على مسائل سياسية أو موقف من رئاسة الجمهورية، مبرزا ضرورة أن يتم ضبطها بشروط قانونية معينة معروفة سلفا، مثل الأخطاء الجزائية أو أحكام مخلة بالشرف أو خيانة مؤتمن، وفق تعبيره.
واعتبرت رئيسة شبكة "مراقبون" أن نجاعة نظام الاقتراع مرتبطة بكامل المنظومة المحيطة به، مبينة أن تنقيح القانون الانتخابي وإصلاحه يفرض وضع كل الإشكاليات المتعلقة بالنظام السابق على الطاولة، في ما يتعلق بتقسيم الدوائر والعقوبات وشروط الترشح التي يجب مراجعتها، وغيرها من المسائل التي يجب الإصلاح على أساسها.
وأكدت ضرورة مراقبة تمويل الأحزاب وشفافيتها بصفة منتظمة وليس فقط خلال السنوات الانتخابية، لضمان انتخابات نزيهة ومناخ انتخابي نقي، مشددة على ضرورة ضمان تطبيق العقوبات الانتخابية من قبل "قضاء ناجز وسريع في المادة الانتخابية".
وتساءلت عن كيفية تقسيم الدوائر الانتخابية وفق نظام الاقتراع الجديد، مبينة أن هذا التقسيم يحتاج إلى دراسة سوسيولوجية كبيرة لضمان أن تكون الدوائر الانتخابية متقاربة من حيث عدد السكان، وفق المعايير الدولية.
وقالت في هذا الصدد، "سنمر إلى دوائر انتخابية أصغر، ولا نعلم إن كان سيعتمد فيها البلديات أو المعتمديات كمعيار، إضافة إلى العامل السوسيولوجي، فهناك "عروشات" (العشائرية) وجهات لا يمكن جمعها في دائرة واحدة"، مذكّرة بأن هذه العوامل تفرض عدم المساس بالقانون الانتخابي أو بالدوائر الانتخابية سنة قبل الاستحقاق الانتخابي، وفق ما هو معمول به دوليا.
اقرأ أيضا: "الخلاص" تعلن مقاطعة الانتخابات وتحذر من انهيار تونس
مقاطعة للانتخابات.. ورفض للنظام
وفي انتظار المرسوم الانتخابي، تتواتر بوادر مقاطعة لتشكيلات سياسية وازنة للانتخابات التشريعية المنتظر تنظيمها في 17 كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
وأعلنت جبهة الخلاص الوطني المعارضة بتونس، عن مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة المزمع عقدها في 17 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، محذرة من "خطر الانهيار الشامل والقريب الذي بات يهدد البلاد".
وأكد رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي، "إجماع مختلف الأحزاب المكونة للجبهة على رفض المشاركة في انتخابات تحت إشراف لجنة غير محايدة وموالية للسلطة"، على حد تعبيره.
وفي وقت سابق، قالت رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، إن حزبها لن يعترف بالانتخابات التشريعية ونتائجها في صورة قيام الرئيس قيس سعيّد بخرق المعايير الدولية وتغيير القانون الانتخابي.
وأعلنت موسي أنها ستقوم بتحركات في الساعات القادمة لأجل المطالبة باحترام معايير قانون الانتخابات، مطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة وعرض الرئيس نفسه من جديد على الشعب حتى يحصل على الثقة للمواصلة أو الانسحاب.
ما هو نظام سعيّد؟
ومنتصف آب/أغسطس الماضي، كشف رئيس تونس، عقب إقرار الدستور الجديد للبلاد، عن عزمه على وضع قانون انتخابي جديد خلال أيام، مشيرا إلى أنّه سيتم إرساء المحكمة الدستورية، منتقدا دستور 2014 الذي وقع إقراره عقب ثورة 2011.
وأكد الرئيس سعيّد في كلمة توجّه بها إلى الشعب التونسي بمناسبة ختم الدستور الجديد أنّه سيتم في الفترة القادمة وضع قانون انتخابي جديد.
وقال سعيّد: "سيقع في الفترة القادمة وضع قانون انتخابي جديد وإرساء المحكمة الدستورية للحفاظ على الدستور ومن أجل حماية الحقوق والحريات التي جاءت في الدستور الجديد".
وينصّ الفصل 81 من الدستور الجديد، على أن المجلس الوطني للجهات والأقاليم يتكوّن من نواب منتخبين عن الجهات والأقاليم.
ونصّ الفصل 85 على أن مجلس الجهات والأقاليم يمارس صلاحيات الرقابة والمساءلة في مختلف المسائل المتعلقة بتنفيذ الميزانية ومخططات التنمية.
وتشهد تونس، منذ 25 تموز/ يوليو 2021، أزمة سياسية عاصفة عقب قرار الرئيس سعيّد حل البرلمان وإقالة الحكومة ثم تلاها صراع مع السلطة القضائية.
وبإقرار الدستور الجديد، دخلت البلاد مرحلة نظام سياسي جديد، حيث يستحوذ الرئيس على السلطة التنفيذية، وهو ما يعتبره معارضون تفردا بالسلطة وعودة لمربع الديكتاتورية الذي تخلصت منه تونس عبر ثورة شعبية في 2011.
حراك "25 يوليو" بتونس يدعو لإقحام العسكر بحكومة إنقاذ
سعيّد يلتقي وفدا من الكونغرس ويهاجم مسؤولين أمريكيين