كشف موقع "
بلومبيرغ" في تقرير أعدته كلارا فيرييرا
ماركوس، أن
الصين هي الرابح في لعبة ما بعد أوكرانيا وعلى حساب
روسيا، مضيفة أن التقدم
السريع للقوات الأوكرانية في ساحة المعركة ترك كلا من فلاديمير بوتين والرئيس الصيني
شي جينبينغ في وضع غير مريح قبل قمة وسط آسيا هذا الأسبوع.
وقالت إن شي أراد أن تكون عودته للجبهة الجيوسياسية بعد ثلاث
سنوات من العزلة بسبب كوفيد-19 بمثابة قفزة انتصار. ومن المتوقع أن يزور شي كازخستان،
الأربعاء، ثم السفر إلى أوزبكستان للمشاركة في قمة منظمة شنغهاي للتعاون.
وهناك سيقابل بوتين، في أول لقاء بينهما منذ سفر الرئيس الروسي
لحضور حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية وإعلان "صداقة بلا حدود"
وبعد ذلك شن عمليته العسكرية في أوكرانيا.
وسيكون أسبوعا من المسرح السياسي، لكن على موسكو تخفيض سقف
توقعاتها والمكاسب التي ستحصل عليها منه.
وترى الكاتبة أن جدول أعمال الرئيس شي لم يتم ترتيبه بالصدفة.
فالغزو الروسي للجارة الواقعة في الغرب والدافع
وراءه الذي حدده بوتين في خطابه غير المريح قبل الهجوم، والتدخل الذي رفض فيه حق أوكرانيا في الوجود وواقع ما بعد الاتحاد السوفييتي، كله أثار القشعريرة في المنطقة الواقعة جنوب
روسيا الفيدرالية حيث تعيش أقليات روسية.
ولم يفت الأداء غير الجيد للقوات الروسية في المعارك على
الجبهة الأوكرانية انتباه الدول التي تلعب موسكو دور الضامن لأمنها. بل وتمت إعادة رسم
الخطوط الحمر في منطقة وسط آسيا بشكل أعاد تشكيل مجال تأثير روسيا السياسي، وفي الوقت
الحالي لا ترغب الصين بتحديد الخطوط وهي تحضر لمؤتمر الحزب الشيوعي.
فقد بدأ العام بشكل سيئ لبكين في هذه المنطقة، وأخذ المسؤولون
الصينيون على حين غرة بالاضطرابات في كازاخستان وتعاملوا في البداية معها على أنها
"شأن داخلي"، لكن بوتين كان سريعا في الاستجابة لدعوة قاسم غومارت توكاييف
للدعم العسكري بناء على ترتيبات منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي مجموعة غير محددة
تقودها روسيا. وأسهمت القوات الروسية في إعادة الأمن وإنقاذ النظام وأكدت دور الكرملين
كضامن للأمن في المنطقة.
ورغم حديث الصين عن التأثير في المنطقة فإن موسكو هي التي
حركت الأحداث في كانون الثاني/ يناير وأظهرت فهما حقيقيا للوضع، كما يقول تيمور عمروف، من وقفية كارنيغي للسلام العالمي.
وفهمت الصين من الأحداث أن عليها أن تركز انتباهها.
ثم جاءت الحرب والتهديدات الضمنية، وفي آب/ أغسطس، كتب الرئيس
السابق الذي تحول إلى صقر، ديمتري ميدفيدف، تغريدة حذفت لاحقا وصف فيها أوزبكستان بـ"الدولة
المصطنعة".
وكان وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوبيلا واضحا في حديث
مع صحيفة أوزبكية في الأسبوع الماضي: "أريد أن يفهم الجميع.. إن خسرنا فالدور عليكم".
وظلت كازاخستان مترددة في دعم الغزو الروسي وأرسلت مساعدات
إنسانية إلى أوكرانيا وحافظت على صلاتها مع كييف.
وفي لقاء مع بوتين في حزيران/ يونيو قال توكاييف إن بلاده
لن تعترف بالجمهوريتين في دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا. وتريد بلاده طرقا بديلة
لتصدير النفط ووافقت على التعاون الأمني والعسكري مع تركيا، عضو الناتو.
وبصرف النظر عن الأمور الأخرى، فالاقتصاد الروسي يواجه طريقا
مسدودا، ما يجعل تحويلات المهاجرين القزق أقل موثوقية مما كانت عليه. وفي الوقت الذي
لا تعتبر فيه زيارة شي استفزازا، فإن كازاخستان هي المكان الذي اختاره للإعلان عن مبادرة الحزام
والطريق عام 2013، وطالما وازنت كازاخستان علاقاتها مع روسيا والصين والولايات المتحدة،
التي تقدم الدعم الواضح لتوكاييف.
وتذكّر زيارة شي لموسكو أن دول وسط آسيا الغنية بالمصادر الطبيعية
لديها جيران آخرون. لكل هذا فإن لدى بوتين الباحث
عن أصدقاء في المنطقة جولة أخرى مختلفة. وفي النهاية فإن "الصديق وقت الضيق"
ولن يتخلى شي عن بوتين في الوقت الحالي. فالاثنان مستبدان يجمعهما العداء لواشنطن، وقد أنهيا
مناورات عسكرية قريبة، والزيارة هي مناسبة لهما للاستعراض الجيوسياسي. وأعلن عنها بعد
زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لتايوان.
وتكافح موسكو لصد الهجوم الأوكراني، فهل سيخرج من المحادثات
غير الرسمية شيء؟ وتعلق الكاتبة بأن اللقاء بين الزعيمين على أرض محايدة وليس موسكو،
والحديث هو على هامش اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون، بشكل يقترح من جانب شنغهاي أن التوقعات
يجب أن تكون متدنية.
وتعتبر منظمة شنغهاي للتعاون مجموعة واسعة وتمثل ثلثي سكان
العالم بعد انضمام الهند وباكستان، لكن أهميتها لا تتماثل مع حجمها.
وكما يقول جيكوب جاكوفسكي، الباحث في السياسة الصينية الخارجية
والاقتصادية بمعهد الدراسات الشرقية في وارسو، فإن منظمة شنغهاي ليست قادرة على تقديم
رد متماسك على التطورات الدولية، لكنها تظل مسرح أداء للدول الصديقة ودعاية يتردد صداها في عالم الجنوب.
وهذا لا يعني فقط التزامات جوهرية اقتصادية وعسكرية، فالتقدم
السريع للقوات الأوكرانية ترك الصين في وضع غير مريح. فقد تردد شي بالمخاطرة واتخاذ
خطوات لدعم بوتين، لكن بكين لا تريد هزيمة مخجلة للكرملين والتي قد تنعكس سلبا على
شي وتكون مصدر عدم استقرار لا يريده.
لكن روسيا خسرت وهي لم تخرج من الحرب بعد، وفي الوقت الحالي فإن
علينا التوقع من بكين عمل ما عملته منذ شباط/ فبراير، والتفكير بما هو نافع لها.
ففي الأشهر الأخيرة زادت من خطاب الدعم ولكنها حدت من المقابلات
الدبلوماسية بين المسؤولين البارزين وأرسلت مسؤولا من الدرجة الثالثة للمنبر الاقتصادي
الشرقي في فلاديفستوك. ولم تتحدّ الإجراءات الغربية التكنولوجية والعسكرية بشكل أجبر
موسكو على البحث عن مصادر للسلاح من كوريا الشمالية وإيران.
وبدلا من ذلك اشترت المواد الخام الرخيصة، تماما كما فعلت
الهند. وفي عطاء تم الأسبوع الماضي باعت محطة سخالين-2 للغاز المسال عددا من الشحنات
إلى الصين بنصف سعرها تقريبا، حيث كانت تحاول بيعه إلى كوريا الجنوبية واليابان.
كل هذا يؤكد على الربح وتدفق البضائع الرخيصة من الشركات الروسية العملاقة، ولكنها تسهم في الحفاظ
على الاقتصاد الروسي في حالة من العمل وبثمن الاعتماد المتزايد على الصين التي تملك
كل الأوراق.
فقد زادت معدلات التصدير للصين بنسبة 50% في الأشهر الثمانية
الأولى من العام، بحسب صحيفة "كوميرسانت" مع زيادة الاستيراد الروسي من هناك
بنسبة 8.5%.
ويحضر شي إلى أوزبكستان تحت الضغط، ولعبة التوازن بالنسبة
للزعيم الصيني غير مريحة أكثر من أي وقت مضى، لكن اللعبة لم تنته، لأن بكين تعرف أن
بوتين لا مكان له ليتجه إليه غيرها.