نشرت
صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحفية جين عراف قالت فيه إن السياسيين العراقيين
فشلوا في تشكيل حكومة جديدة بعد ما يقرب من العام من الانتخابات الأخيرة. وشهدت بغداد
للتو أسوأ اشتباكات بين المليشيات منذ سنوات. وعلى الرغم من الثروة النفطية الهائلة،
فإن الدولة لا تستطيع توفير الخدمات الأساسية.
في معظم
الأيام في العاصمة العراقية، توفر آلات ثقب الصخور والمثاقب الكهربائية الموسيقى التصويرية
لطفرة البناء، حيث تتشكل مطاعم متعددة الطوابق ومبنى جديد للبنك المركزي بقيمة 800
مليون دولار يرتفع فوق أفق العاصمة.
لكن
هذا الازدهار الظاهر في أجزاء من بغداد يتناقض مع ما يراه العديد من المسؤولين والمواطنين
العراقيين على أنه الأساس المتداعي للدولة - وهي دولة شرق أوسطية غنية بالنفط كانت
تريدها الولايات المتحدة أن تكون حرة وديمقراطية عندما قادت غزوا قبل 19 عاما لإسقاط
الديكتاتور صدام حسين.
بعد
الغزو، هيمنت الأغلبية الشيعية في العراق على الحكومة، وأدى الصراع على السلطة بين
الجماعات السياسية الشيعية والسنية إلى إشعال حرب طائفية. الآن، في تهديد خطير لاستقرار
البلاد الهش أصلا، تقتتل الجماعات المسلحة الشيعية المتنافسة فيما بينها، والأقوى من
بينها تلك المرتبطة بإيران المجاورة، وهي خارجة عن سيطرة الحكومة المركزية.
قال
سعد إسكندر، المؤرخ العراقي: "داخليا وخارجيا وعلى المستوى السياسي وعلى المستوى
الأمني، العراق الآن دولة فاشلة.. لا يمكن للدولة العراقية أن تبسط سلطتها على أراضيها
أو على شعبها".
ظهرت
نقاط الضعف في العراق مرة أخرى بشكل حاد الأسبوع الماضي عندما انفجر الجمود بشأن تشكيل
حكومة جديدة - بعد ما يقرب من عام من الانتخابات الأخيرة - إلى أعمال عنف في قلب العاصمة.
اقتحم
أتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر المنطقة الخضراء شديدة الحراسة في احتجاج مناهض
للحكومة بعد أن أعلن الصدر انسحابه من السياسة. ثم بدأ مقاتلون شيعة منافسون موالون
لإيران يتقاضون الرواتب من الحكومة بإطلاق النار على المتظاهرين، وظهر أعضاء مسلحون
من مليشيا الصدر لقتالهم.
اقرأ أيضا: حراك أمريكي مكثف تجاه الأزمة السياسية بالعراق.. ما وراءه؟
بأمر
من رئيس الوزراء بعدم إطلاق النار على المتظاهرين، تم تهميش قوات الأمن الحكومية إلى
حد كبير بينما اقتتلت المليشيات المتنافسة فيما بينها. بعد يومين من القتال أسفرا
عن مقتل 34 شخصا، أمر الصدر أتباعه بالانسحاب من المنطقة الخضراء، ما أعاد الهدوء
الحذر.
ترجع
جذور العنف إلى حالة من الجمود بشأن تشكيل حكومة استمرت منذ انتخابات تشرين الأول/
أكتوبر 2021.
وفاز
أتباع الصدر بأكبر كتلة مقاعد في البرلمان، رغم أن ذلك لم يكن كافيا لتشكيل حكومة بدون
شركاء ائتلافيين. عندما فشل في تشكيل ائتلاف حاكم، تدخلت الأحزاب الرئيسية المدعومة
من إيران ذات الأجنحة شبه العسكرية - المنافسون السياسيون الشيعة للصدر - وحاولت تهميشه.
ثم تحول
الصدر إلى سلطته في الشارع بدلا من الجلوس على طاولة المفاوضات، وأمر أتباعه بإقامة
معسكر احتجاجي في البرلمان - وهو تكتيك استخدمه في الماضي.
وقالت
ماريا فانتابي من مركز الحوار الإنساني، وهي منظمة لإدارة النزاعات مقرها سويسرا:
"إذا ناقشنا عراق ما بعد عام 2003، فعلينا أن نقول إنه لم يكن في الواقع دولة
فاعلة.. لم يكن لدينا رئيس وزراء له سيطرة كاملة على قوات الأمن أو على الحدود".
يعود
الفضل في عدم انهيار العراق إلى حد كبير إلى الثروة النفطية الهائلة للبلاد. لكن معظم
المواطنين لا يرون أبدا فائدة هذه الثروة، ويعانون من انقطاع التيار الكهربائي اليومي،
والمدارس المتهالكة، ونقص الرعاية الصحية أو حتى المياه النظيفة.
في الشهر
الماضي، استقال وزير المالية العراقي علي علاوي الذي يحظى باحترام مع تحذير صارخ من
أن المستويات المذهلة للفساد تستنزف الموارد العراقية وتشكل تهديدا وجوديا.
كتب
علاوي في خطاب استقالته إلى رئيس الوزراء: "تعمل شبكات سرية واسعة من كبار المسؤولين
ورجال الأعمال والسياسيين الفاسدين في الظل للسيطرة على قطاعات كاملة من الاقتصاد وسحب
مليارات الدولارات من الخزانة العامة.. لقد وصل هذا الأخطبوط الضخم من الفساد والخداع
إلى كل قطاع من قطاعات الاقتصاد والمؤسسات في البلاد: يجب تفكيكه بأي ثمن إذا كان لهذا
البلد البقاء على قيد الحياة".
وقال
علاوي، الذي شغل منصب وزير المالية في عام 2006، إنه صُدم عندما عاد من "مدى تدهور
آليات الحكومة" في ظل سيطرة مجموعات المصالح الخاصة المرتبطة ببلدان مختلفة في
المنطقة.
وقال
في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" في حزيران/ يونيو: "لديك الأشخاص
الذين يسافرون إلى طهران، ويسافرون إلى عمّان، ويسافرون إلى أنقرة، ويسافرون إلى الإمارات،
ويسافرون إلى قطر.. من قبل، كانوا يسافرون إلى واشنطن، لكنهم لم يعودوا يفعلون ذلك
بعد".
في غضون
ذلك، ابتعدت الولايات المتحدة بشكل متزايد عن العالم العربي، وركزت بشكل أساسي على
احتواء إيران وتعزيز التطبيع مع إسرائيل. ولسنوات، كانت (الولايات المتحدة) هدف العداء
بسبب احتلال العراق، يبدو الآن أنها تفقد أهميتها بينما تقتتل المليشيات الشيعية من
أجل السيادة.
يحتل
العراق رابع أكبر احتياطي نفطي في العالم، وقد غذت عائدات النفط الفساد ودعمت الاقتصاد.
ووفقا
لمسؤولين حكوميين ومحليين، فإن المليشيات والجماعات القبلية تستحوذ على عائدات الجمارك
من ميناء أم قصر العراقي على الخليج. المعابر على طول 1000 ميل من الحدود مع إيران
هي مصدر آخر للدخل غير المشروع. وتسيطر المليشيات المدعومة من إيران في العراق على
قطاعات مثل الخردة المعدنية، وتبتز الأموال من الشركات مقابل الحماية.
العقود
الحكومية هي مصدر رئيسي آخر للفساد.
وزارة
الصحة العراقية، التي يديرها تقليديا مسؤولون موالون للصدر، هي المشتري المحتكر لما
يقرب من نصف الأدوية المستوردة إلى العراق وتعتبر واحدة من أكثر الوزارات فسادا، وفقا
لمسؤولين عراقيين وخبراء خارجيين.
قبل
ثلاث سنوات، استقال علاء علوان، المسؤول السابق في منظمة الصحة العالمية، من منصب وزير
الصحة، قائلا إنه لم يعد بإمكانه محاربة الفساد في الوزارة أو درء التهديدات.
علاوي،
في مقابلة في حزيران/ يونيو عندما كان لا يزال وزيرا للمالية، وصف دولة أصبحت في الأساس
غير قابلة للحكم.
وقال:
"لا يمكنك فعل أي شيء سوى إدارة الشؤون اليومية، بالنظر إلى أنه في هذا البلد،
هناك أزمة كل يوم".
مع ارتفاع
أسعار النفط بسبب الحرب في أوكرانيا، جاءت إيرادات الدولة مؤخرا من صادرات النفط -
نقص التنويع الذي قد يكون كارثيا حيث يتجه العالم بشكل متزايد إلى مصادر الطاقة البديلة.
ولكن
في ظل وجود وزارات مختلة وحكومة مركزية ضعيفة، لا توجد جهود حقيقية لتحسين الخدمات
العامة أو الحياة لربع السكان الذين تقدر الحكومة أنهم يعيشون في فقر.
وتعاني
أجزاء كبيرة من البلاد من نقص في الكهرباء أو المياه النظيفة - وهي أزمة مستمرة أججت
احتجاجات واسعة النطاق قبل ثلاث سنوات، ما أدى إلى سقوط الحكومة.
هناك
قطاعات قليلة تعاني من خلل وظيفي صارخ مثل النظام التعليمي الذي كان يحظى بالاحترام
في الدولة. منذ ما يقرب من سبع سنوات، عمل الآلاف من المعلمين المؤقتين بدون أجر، في
انتظار فرصة تعيينهم من قبل وزارة التعليم. وبدأت الوزارة الآن في سداد المدفوعات.
المدارس
مكتظة للغاية لدرجة أنها تعمل في نوبات، ولا تقدم سوى نصف يوم من الدروس للطلاب. تفتقر
العديد من المدارس إلى المياه الجارية أو المراحيض الكافية.
أكثر
من نصف الطلاب العراقيين يتركون الدراسة قبل المدرسة الثانوية. في بغداد ومدن أخرى،
يدفع الأطفال الذين تركوا المدرسة عربات خشبية في الأسواق الخارجية أو يبيعون زجاجات
المياه للسائقين في حركة المرور.
قالت
أم زهرة، وهي معلمة ابتدائية كانت تقوم بتقديم الطلبات في وزارة التربية هذا الأسبوع:
"لم نتلق كتبا مدرسية جديدة هذا العام". وأضافت: "نحاول استخدام القديم".
قالت
أم زهرة إن حيها في بغداد، ثاني أكبر مدينة في الشرق الأوسط، لا تتوفر فيه مياه جارية
منتظمة منذ 2014.
هناك
القليل من الثقة في النظام السياسي لدرجة أن إقبال الناخبين في بغداد كان حوالي
30% في الانتخابات الأخيرة. ويتوقع الكثيرون بقاء نفس السياسيين الفاسدين في السلطة
بفضل نظام ما بعد عام 2003 الذي يضمن مناصب رئيسية لمجموعات دينية وعرقية محددة.
مع انتهاك
كل من إيران وتركيا للسيادة العراقية بشكل متكرر، يشكل ضعف الحكومة العراقية ومؤسسات
الدولة تهديدا للاستقرار الإقليمي - كما حدث في عام 2014 عندما انهار الجيش العراقي
في مواجهة هجوم تنظيم الدولة الذي سيطر على أجزاء كبيرة من العراق.
وقال
المؤرخ إسكندر إن عدم الاستقرار في العراق يمكن إرجاعه إلى ما قبل الإطاحة بصدام، عندما
فقد السيطرة على بعض حدوده وأراضيه في الحرب العراقية الإيرانية. لكنه قال إنه لا يزال
لديه أمل في بقاء البلاد.
قال
إسكندر: "إن تغيير القادة - تغيير الأجيال - هو السبيل الوحيد".
إيكونوميست: ما هو الثمن الذي حصل عليه الصدر من "التنسيقي"؟
ناشيونال إنترست: ماذا يريد مقتدى الصدر حقا في العراق؟
موقع: "ميتا" تتغاضى عن المحتوى الأوكراني وتعاقب الفلسطينيين