رمت المحكمة الاتحادية العراقية، كرة حلّ البرلمان في ملعبه، وذلك بعدما ردّت الدعوى المقامة لديها لحله كونه خارج صلاحياتها القانونية، مؤكدة في الوقت ذاته أن تجاوز المدد الدستورية يعد مخالفة واضحة، وأن جزاء ذلك هو أن يحل البرلمان نفسه لعدم القيام بواجباته.
وقالت المحكمة في قرارها، الأربعاء، إن استقرار العملية السياسية بالعراق يفرض على الجميع الالتزام بأحكام الدستور وعدم تجاوزه ولا يجوز لأي سلطة الاستمرار في تجاوز المدد الدستورية إلى ما لا نهاية، لأن في ذلك مخالفة للدستور وهدما للعملية السياسية بالكامل وتهديداً لأمن البلد والمواطنين.
وأشارت إلى أن "الجزاء الذي يُفرض على البرلمان لعدم قيامه بواجباته الدستورية هو حل المجلس عند وجود مبرراته"، لافتة إلى أن "دستور جمهورية العراق لعام 2005 قد رسم الآلية الدستورية لحل مجلس النواب وفقا لأحكام المادة (64/ أولا) منه".
وأكدت المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة قضائية في العراق) أن "اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا محددة بموجب المادة (93) من الدستور والمادة (4) من قانون المحكمة الاتحادية العليا، وليس من ضمنها حل البرلمان".
دفع نحو الحلّ
وفي هذا الصدد، قال أستاذ العلوم السياسية في العراق، عصام الفيلي لـ"عربي21" إن "المحكمة أشارت في قرارها إلى أن حل البرلمان يأتي بناء على الفقرة 64 المادة ثانيا، التي تنص على أن يذهب النواب إلى حل البرلمان بأغلبية النصف زائد واحد من عدد الحضور".
ولفت الفيلي إلى أن "المحكمة أكدت في بيان آخر أعقب قرارها الأخير، أن العراق يشهد انحدارا واضح المعالم من خلال تفشي الفساد والمحسوبية وغيرها من المشاكل، وهذا يعني أن المحكمة تقول للنواب العراقيين إن عليكم الشعور بالمسؤولية وحلّ البرلمان"، لافتا إلى أن "القانون العراقي لو كانت فيه فقرة تعطي الحق للمحكمة الاتحادية أن تحل البرلمان، لذهبت إلى ذلك".
ومن الناحية العملية، فقد أضاف الفيلي، أن "البرلمان اليوم فيه خندقين، الأول يريد تشكيل الحكومة وعدم الاكتراث لأي جهة أخرى، وبهذا فهو لا يقدر ظروف الخندق الآخر الذي يؤمن تماما بأنه لا انعقاد لأي جلسة للبرلمان، وهنا أقصد بهم التيار الصدري وتحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني".
وأشار إلى أن "التيار الصدري يستخدم الحراك الجماهيري، أما السيادة والديمقراطي الكردستاني اللذان لا يزال لديهما تمثيل في البرلمان حتى الآن، فيقولون دائما إنه لا مفاوضات إلا بحضور الجميع، وطالما أن المفاوضات لا يحضرها التيار الصدر، فهذا يعني -من وجهة نظر القوى الأخرى- أنه لا يمكن حل البرلمان دون شروط وتفاوض".
أزمة جديدة
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي علي البيدر لـ"عربي21" إنه "حتى الآن لم تشر المحكمة الاتحادية إلى حل البرلمان، رغم أنه كان الأجدر بها أن تصدر قرارا بذلك بسبب تأخر الاستحقاقات الدستورية والانتخابية، ولديها كل ما يدعم ذلك، لكن بقرارها اليوم فتحت الباب أمام سجالات سياسية جديدة وتفسيرات أخرى".
ولفت البيدر إلى أن "المحكمة لم تقدم على حل البرلمان، وبالتالي فإن الأخير لا يزال لديه كامل الشرعية والأهلية لأداء المهام التشريعية والرقابية، وهذا التفسير ربما يجعل زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، يتجه إلى خيار تجديد المظاهرات ويمنع عقد جلسات البرلمان".
وأشار إلى أن "هذه الخطوة إذا حصلت من الصدر فربما تجعل المحكمة الاتحادية تعيد النظر في القرار المتخذ، وتوجه بأن يحل البرلمان من خلال الفقرة التي أوردتها بخصوص تجاوز البرلمان على المدد الدستورية، ربما تكون من خلالها شكوى جديدة وعلى إثر ذلك يمكن أن يصار إلى حل البرلمان".
وعلى المستوى السياسي، رأى الخبير في الشأن العراقي أن "الأمور تعقدت أكثر بعد القرار الأخير للمحكمة الاتحادية العليا، ونحن قد نكون قبال أزمة جديدة ربما تنتقل من حلبة القضاء إلى المجال السياسي ومنها إلى الشارع العراقي مجددا، لتحدث حالة من الصراع الجديد".
"قرار بالحل"
وفي السياق ذاته، قال عضو التيار الصدري، عصام حسين، عبر "تويتر" إن "المحكمة الاتحادية في الفقرة الثالثة ألزمت البرلمان بحل نفسه مع وجود المبررات التي تستدعي الحل من خلال خرق المدد الدستورية، لذلك فإن البرلمان الآن غير دستوري بحسب قرار المحكمة الاتحادية، وعلى الحلبوسي (رئيس البرلمان) دعوة البرلمان بحل نفسه".
وعلى الوتيرة ذاتها، قال رئيس حركة "وعي" العراقية، صلاح العرباوي، على "تويتر" إن "القرار الدقيق للمحكمة أنها أدانت البرلمان بانتهاك المدد الدستورية وتعطيل حياة الناس، وأن جزاء ذلك هو الحل".
وتابع العرباوي، قائلا: "لكنها (المحكمة الاتحادية) قالت إن الحل ليس من اختصاصها أيضا"، لافتا إلى أن "المحكمة هدمت أساس البرلمان (شرعيته) ولكنها لم تهدّ بناءه! مسك العصا من الوسط".
من جانبه، قال الإعلامي والقانوني العراقي، عدنان الطائي، على "تويتر" إن "المحكمة نزعت الشرعية عن البرلمان، وقالت إن عقوبة تجاوز المدد الدستورية أن يحلّ البرلمان نفسه، نقطة راس السطر"، مؤكدا أن "المحكمة لا تستطيع أن تحله لأنه ليس من اختصاصها، لكن البرلمان غير شرعي ويجب حل نفسه.. هذا التوصيف القانوني للقرار".
وجاءت الجلسة النهائية للمحكمة بعد تأجيل عقد جلساتها أكثر من مرة، كان آخرها الجلسة المقررة، الأربعاء، وتأجلت بعد تدهور الأوضاع الأمنية وفرض حظر تجوال في عموم العراق بعد أن اقتحم مسلحون تابعون للتيار الصدري المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد.
اقرأ أيضا: ائتلاف العبادي يدعو لحل البرلمان وانتخابات مبكرة بالعراق
ومنتصف آب/ أغسطس الماضي، رد مجلس القضاء الأعلى على طلب رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر حل البرلمان، قائلا: "إنه لا يمتلك هذه الصلاحية"، مشيرا إلى أن مهامه "ليس من بينها صلاحية تجيز التدخل في أمور السلطتين التشريعية والتنفيذية، تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات".
المحكمة الاتحادية في العراق تؤجل البت بدعوى حل البرلمان
وزير عراقي يتهم إيران بزيادة ملوحة مياه شط العرب