قال المدير العام لمؤسسة الحق الفلسطينية لحقوق الإنسان، شعوان جبارين، إن عملهم الحقوقي والإنساني لم ولن يتوقف رغم أنف الاحتلال.
وأوضح أن الإجراءات الإسرائيلية التعسفية التي اتخذت ضدهم كانت بمثابة "فرصة للتواصل بشكل أوسع وأكثر ديناميكية مع المجتمع الدولي، وتضاعف عملنا بشكل أكبر مما كان عليه في السابق".
جاء ذلك في مقابلة مصورة أجرتها "عربي21" مع جبارين أثناء تواجده داخل مقر مؤسسة "الحق" في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة.
ولفت جبارين (62 عاما) إلى أنه "في حال قيام إسرائيل بإغلاق مقراتهم فسيواصلون أعمالهم بطرق أخرى وبأشكال مختلفة، مُشدّدا على أن البدائل والخيارات الأخرى متوفرة، خاصة أن عمر مؤسستهم يبلغ 43 عاما".
وبشأن احتمال قيام الاحتلال باعتقاله خاصة أنه تعرض مؤخرا لتهديدات من جهاز "الشاباك" الإسرائيلي، أضاف: "كل شيء وارد، وفي أي لحظة. ولكن هذا ليس الهاجس الذي يحول دون أن نقوم بعملنا".
وأشاد بالموقف الأوروبي مما جرى مع المؤسسات الفلسطينية، مؤكدا أنه "كان أكثر وضوحا، وبعث رسائل هامة جدا، ولم يعبأ مطلقا بالرواية الإسرائيلية، ولأول مرة منذ عام 1948 وحتى اليوم يرفض العالم بضاعة إسرائيل المزيفة والفاسدة ويُشكّك فيها".
اقرأ أيضا: رفض أوروبي وأمريكي لإغلاق الاحتلال 7 مؤسسات فلسطينية
لكن جبارين أكد في الوقت ذاته، أن "المجتمع الدولي ينقصه إرادة سياسية دولية قوية لمواجهة جرائم وانتهاكات الاحتلال، بخلاف ما نشهده في أوكرانيا، بسبب سياسة الكيل بمكيالين، لأن إسرائيل فوق القانون، والجميع يخطب ودها، وهذا الأمر سيستمر بكل أسف، إلا إذا تغيرت موازين القوى؛ فعندما تتغير موازين القوى سيتحدث العالم بلغة أخرى ومختلفة".
وخلال شهر آب/ أغسطس الماضي، أغلق جيش الاحتلال 7 مؤسسات أهلية فلسطينية بعد اقتحام مقراتها في مدينة رام الله (وسط).
والمنظمات هي: الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، والقانون من أجل حقوق الإنسان "الحق"، ومركز بيسان للبحوث والإنماء، واتحاد لجان المرأة، ومؤسسة لجان العمل الصحي، واتحاد لجان العمل الزراعي، والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال-فرع فلسطين.
وكانت السلطات الإسرائيلية قد قررت العام الماضي، إغلاق 6 من هذه المؤسسات بدعوى أنها "منظمات إرهابية"، وعادت وأغلقتها من جديد بعد إضافة مؤسسة سابعة لها، وهي لجان العمل الصحي.
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف تأثر عمل مؤسسة "الحق" بالإجراءات الإسرائيلية الأخيرة ضدكم؟
بالتأكيد أي إجراء تعسفي بحق شخص أو مؤسسة سيكون له آثاره السلبية، ونحن نواجه محاولة إنهاء أو اقتلاع المؤسسة، وبالتالي سيؤثر هذا على مواردنا وتركيزنا وأولوياتنا ووقتنا، ولذلك هناك تأثير سلبي علينا، لكن ليس إلى الحد الذي يمنعنا من أداء رسالتنا الأساسية، وهي التوثيق والمناصرة والمتابعة وإبقاء العلاقة قائمة مع الجمهور والمحكمة الجنائية الدولية، وأحيانا تكون مثل هذه الإجراءات التعسفية بمثابة فرصة للتواصل بشكل أوسع وأكثر ديناميكية مع البعثات الدبلوماسية ومع المجتمع الدولي كالأمم المتحدة وغيرها، وهذا ما تم بالفعل؛ فنحن مستمرون في عملنا الذي لم يصل إلى حد الإرباك أو التوقف، بل على العكس تضاعف العمل بشكل أكبر مما كان عليه في السابق.
لكن كيف تعمل مؤسسة "الحق" الآن بعدما تم إغلاق مقرها؟
لقد قمنا بفتح مقر المؤسسة في ذات اللحظة التي أصدروا فيها قرارهم الباطل، وأنا أتحدث إليك اليوم من مقر المؤسسة، وبالتالي لم تتأثر المؤسسة من حيث المركز والموقع دقيقة واحدة. ولا أكشف سرا إذا قلت لك إنه حتى لو أُغلق المركز سنكون على الهواء مباشرة ونتابع أعمالنا بطرق أخرى وبشكل مختلف؛ فالبدائل لدينا متوفرة، وعمر مؤسستنا يبلغ 43 عاما، وإذا لم يكن لديها البديل جاهزا في ذات اللحظة لأسوأ احتمال ممكن فيجب ألا تعمل من الأساس، ونحن نستطيع مواصلة عملنا ونأخذ بعين الاعتبار أننا نعيش في ظل احتلال يستهدف المؤسسة بشكل متواصل منذ 15 عاما على الأقل، ولذلك قمنا بكل ما يلزم كي نكمل المشوار.
ما هي الإجراءات التي اتخذتها مؤسسة "الحق" ضد إسرائيل حتى الآن؟
سنظل نواصل عملنا الذي لا يروق للمسؤولين الإسرائيليين ولا لمنظومتهم الأمنية والسياسية، وسنستمر في عملنا ليس أكثر؛ فلا يوجد هناك أي قضاء عادل يمكن أن نلجأ إليه؛ وليس هناك إنصاف أو عدالة في هذا الجانب. ولذا، نحن مستمرون في عملنا الذي لم ولن يتوقف رغم أنف الاحتلال.
كيف تعاملتم مع التهديدات التي تلقيتها مؤخرا من جهاز "الشاباك" الإسرائيلي؟
تعاملنا معها بروية وحكمة وهدوء أعصاب ودقة عالية للغاية، وهي تؤشر إلى أننا نسير في الطريق الصحيح. عندما يرد خصمك وعدوك بردود أفعال قاسية، ويحاول أن يُهدد ويتوعد، فهذا مؤشر حقيقي على أنك تمضي في الاتجاه الصحيح، ولدينا إصرار كبير على إكمال مشوارنا ومسيرتنا.
لماذا تسعى إسرائيل للتهديد والضغط على المؤسسات الحقوقية الفلسطينية المستقلة؟
لأن مضمون عمل هذه المؤسسات يتناقض بشكل كلي مع ما يقوم به الاحتلال من انتهاكات وجرائم. أولا على صعيد كشف الوجه الحقيقي لجرائم الاحتلال وبشاعة ما يقوم به بشكل يومي كمستعمر، خاصة على المستوى الدولي، لأننا نخاطب المجتمع الدولي ونميط اللثام عن وجه هذا الاحتلال الذي يدعي أنه يُمثل الديمقراطية الوحيدة في غابة الشرق الأوسط، ويزعم أنه يتشارك مع الغرب، كحلفاء وأصدقاء، بمنظومة القيم والديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما هو أبعد ما يكون عن ذلك فهو مجرم شديد الإجرام، وهو معاد تماما لكل منظومة حقوق الإنسان ولكل القيم الإنسانية.
والنقطة الثانية تتمثل في مسألة الخطاب؛ فالاحتلال يحاول أن يُسوّق لنفسه كما يشاء، بينما نقوم نحن بتفنيد خطابه بشكل علمي وواقعي، ونقول إن هذا الاحتلال ليس احتلالا عاديا، وإنما هو بمضمون عنصري وأبارتايد واستعماري. واليوم أصبح المجتمع الحقوقي العالمي يردد العبارات ذاتها ووصل إلى الاستنتاجات ذاتها، وهذا بالطبع يُقلق الاحتلال.
والنقطة الثالثة هي مطالبتنا بملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، والتعاون بشكل دائم ومستمر مع مؤسسات العدالة الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية، فضلا عن محاولة ملاحقة الشركات التي تُعزّز وتعمّق الاحتلال في الأرض المحتلة، خصوصا الشركات الدولية التي تتعاون مع الاحتلال وأجهزته بأشكال مختلفة، سواء في إطار البنية التحتية أو في موضوع الاتصالات والمواصلات وأشكال أخرى عديدة.
كما أن هناك بعض المؤسسات تقوم بتثبيت وتصميد المزارعين والفلسطينيين على أرضهم أو كسكان في مناطق هي مُستهدفة لغايات الاستيطان، وبالتالي هذا لا يروق للاحتلال الذي يرغب في تنفيذ إجراءاته بسهولة وأن ينصاع الجميع له دون ضجيج، ويريد أن يقول للناس إننا نعيش تحت "احتلال 5 نجوم"، لكننا لا نقول ذلك، بل نقول الحقيقة ولن نتراجع عن قولها.
هل من المحتمل أن تقوم إسرائيل باعتقال شعوان جبارين؟
كل شيء وارد، وفي أي لحظة وارد. ولكن هذا ليس الهاجس الذي يحول دون أن نقوم بعملنا.
ما تقييمكم لموقف السلطة الفلسطينية مما جرى معكم؟
السلطة أخذت الموقف بالمعنى السياسي، وهي سلطة تحت الاحتلال، وبشكل واقعي جدا لا تستطيع السلطة أن تحمي نفسها فكيف يمكنها حماية الآخرين. الاحتلال لم يترك مجالا لا للسلطة أو غيرها. وعلى المستوى السياسي والمعنوي كانت السلطة تقف إلى جانب المؤسسات الحقوقية بشكل واضح، لأن المُستهدف ليس المؤسسات فقط، بل سلطة السلطة، والقانون الفلسطيني، والمعنويات والكرامة الفلسطينية بشكل عام. عندما يأتي القائد العسكري الإسرائيلي ويقول: أنا أدخل إلى المنطقة (أ) التي يحكمها القانون الفلسطيني، وأدخل إلى المؤسسات المُجازة من قِبل الداخلية الفلسطينية بموجب القانون الفلسطيني، ثم أغلق هذه المؤسسات، معنى ذلك أنه الآمر الناهي ولا توجد هناك سلطة لأي جهة فلسطينية تعلو فوق سلطته الغاشمة. وحديث الرئيس محمود عباس لنا كان واضحا بخصوص هذا الأمر.
كيف ترى موقف إدارة بايدن من الإجراءات الإسرائيلية ضدكم؟
إدارة بايدن لم تتبن الموقف الإسرائيلي ولم تردده أو تتحدث فيه، ولكنها لم تقم بأي فعل للضغط على إسرائيل للتراجع عن موقفها التعسفي، وقالت منذ البداية إنه لم يتم التنسيق معها ولم نصل إلى الاستنتاجات ذاتها، والـ CIA سرّب لاحقا حديثه مع صحيفة الغارديان، وقال إن هذه المعطيات غير دقيقة وادعاءات إسرائيل غير حقيقية. ولكن بالمقابل لم يأخذ موقفا واضحا علنيا ضاغطا على الاحتلال للتراجع، رغم ثقتنا الكاملة أن إسرائيل حتما ستتراجع في حال أخذت أمريكا موقفا واضحا من هذه القضية.
لماذا لم نجد تدخلا أوروبيا واضحا ضد إسرائيل إزاء خطوة غلق المؤسسات الحقوقية؟
بصراحة الموقف الأوروبي كان أكثر وضوحا. لا تستطيع القول إن هناك موقفا أوروبيا موحدا، ولكن هناك موقف عالمي موحد، لأنه لم تشترِ أي دولة بضاعة الاحتلال الفاسدة من حيث المعلومات. والدول الوازنة في الاتحاد الأوروبي قالت كلمات واضحة، في بيانها المشترك الذي أصدرته خلال شهر تموز/ يوليو الماضي، بالإضافة إلى حضور 17 دبلوماسيا أوروبيا إلى مكاتب المؤسسة في اليوم ذاته الذي أُغلقت فيه مكاتب المؤسسة بشكل رسمي بموجب أمر عسكري؛ إذ اجتمعوا معنا لمدة ساعتين تقريبا بصفتهم الدبلوماسية كممثلين للاتحاد الأوروبي، وكانت هذه رسالة بالغة الأهمية.
بخلاف ذلك، كان هناك أكثر من خطاب وإعلان لأكثر من دولة أوروبية أمام مجلس الأمن الدولي تضامنا مع المؤسسات الفلسطينية، وهذه مسألة مهمة أيضا، ولأول مرة منذ 1948 وحتى اليوم تحاول إسرائيل تسويق بضاعة مزيفة وفاسدة بينما يقول العالم لها: لا نشتري بضاعتكم الفاسدة، ودائما ما كانت إسرائيل متغطرسة وتقول إن أمنها عندما يقول شيء يجب تصديقه وأن يؤخذ بشكل مباشر، لأنهم الأقوى والأفهم والأدرى، لكن لأول مرة يرفض العالم بضاعتهم المزيفة ويُشكّك فيها.
هل من الوارد أن تقوم إسرائيل بقرصنة أموال المؤسسات الحقوقية؟
الذي يقتل البشر يقدر على فعل كل شيء، ويجعلهم يقرصنون كل ما يشاءون، لكن ما نؤكده لك نقطة واحدة نستطيع ضمانها، وهي أننا سنستمر في عملنا دون أي توقف سواء توفرت لنا أموال أم لا.
السلطات الفلسطينية طالبت الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي بتوفير "الحماية الدولية" للشعب الفلسطيني.. ما فرص تحقيق هذا المطلب؟
المجتمع الدولي ينقصه إرادة سياسية دولية قوية، وبدون هذه الإرادة ستبقى مواقفه أشبه بالجمل العامة والنظرية التي تُطلق في الهواء وللإعلام؛ فالمجتمع الدولي بإمكانه فعل الكثير والكثير سواء بشكل جماعي أو إقليمي أو حتى فردي، لكن بشرط توفر الإرادة السياسية. وما ينقص هذا الصراع وما ينقص لحماية الفلسطينيين في أرضهم وحقوقهم الأساسية -خاصة حق تقرير المصير- هي الإرادة السياسية.
في أوكرانيا شاهدنا أن المجتمع الدولي يستطيع أن يتحرك ويفعل الكثير من الأمور خلال 5 دقائق فقط، ولكن عندما يتعلق الأمر بفلسطين المُحتلة تتعطل تحركاتهم بسبب سياسة الكيل بمكيالين، لأن إسرائيل فوق القانون، والجميع يخطب ودها، وليس هناك استعداد لإغضاب تل أبيب، وهذا الأمر سيستمر بكل أسف، إلا إذا تغيرت موازين القوى؛ فعندما تتغير موازين القوى سيتحدث العالم بلغة أخرى ومختلفة.
شعوان جبارين في سطور
هو المدير العام لمؤسسة الحق (أول مؤسسة حقوق إنسان في الشرق الأوسط)، والأمين العام للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان.
يحمل شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة بيرزيت الفلسطينية، ودرجة الماجستير في القانون الدولي من جامعة جولواي في إيرلندا.
بدأ عمله في تسعينيات القرن الماضي كباحث ميداني في "الحق"، إذ كان يعمل على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة، ثم أضاف لمساره المهني توجه البحث القانوني لا سيما في مجال المناصرة الدولية.
في العام 2006، أصبح مديرا لمؤسسة "الحق"، وقاد حملة لوسم معاملة إسرائيل للفلسطينيين بأنها تمثل نظاما "للفصل العنصري".
وفي العام 2011 اُنتخب عضوا في المجلس الاستشاري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمنظمة هيومان رايتس ووتش، وفي عام 2013 اُنتخب كمفوض للجنة الحقوقيين الدوليين التي تتخذ من جنيف مقرا لها. ويضطلع اليوم بعضوية اللجنة التنفيذية للجنة الحقوقيين الدوليين- جنيف. وفي شهر شباط/ فبراير 2022 تم انتخابه عضوا محكّما في المحكمة الدائمة للتحكيم في لاهاي.
يعد شعوان أول سجين رأي فلسطيني بحسب قرار منظمة العفو الدولية، بعد أن أمضى سنوات عدة في الاعتقال الإداري التعسفي، وكان قد عمل لسنوات لتعزيز حقوق الإنسان في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. كما حصل على جائزة "ريبوك" لحقوق الإنسان في العام 1990، تقديرا لعمله في الدفاع عن حقوق الإنسان والمدافعين/ات عنها.
البحيري لـ"عربي21": "النهضة" مستعدة للانسحاب لإنهاء الأزمة