تناول تقرير لمركز دراسات تساؤلا عما إذا كان السلام في البوسنة والهرسك دائما، أم أن هناك مؤشرات لعودة الحرب إليها وأسباب ودوافع ذلك.
وأشار إلى أنه لا يزال مصير السلام هشّا في البوسنة والهرسك؛ حيث لم تتمكن "الاتفاقية العامة للسلام في البوسنة والهرسك"، أو ما تسمى باتفاقية "دايتون" للسلام، التي أنهت الحرب الدموية في البوسنة والهرسك عام 1995، من خلق بيئة سلام دائم منذ ذلك اليوم.
ونشر "مركز أنقرة للدراسات" تقريرا، ترجمته ''عربي21''، قال فيه معده مصطفى جوخدار، إن اتفاقية ''دايتون للسلام''، التي أنهت الحرب الدموية في البوسنة والهرسك التي حدثت بين عامي 1992 و1995؛ لم تتمكن من خلق بيئة سلام دائم منذ يوم توقيعها؛ حيث إن التطورات في البوسنة والهرسك لم تستطع خلق بيئة لحل المشاكل بين المجتمعات التي كانت طرفاً في الحرب؛ بل إنها -على العكس تماما- حولت المناطق المشتعلة إلى مناطق حرب باردة.
والسبب الرئيسي لذلك؛ وفق تقديره، "أن النزاعات في المنطقة تقوم على أسس عرقية ودينية، وكل هذه الاتفاقات بعيدة كل البعد عن الوصول إلى جذور المشكلة، بل تركت البوسنة بهيكل اجتماعي غير متجانس، ونظام سياسي معقد".
وتاليا النص الكامل للتقرير كما ترجمته "عربي21":
البوسنة في قبضة القومية
البوسنة والهرسك كانت ميدان الحروب والصراعات عبر تاريخها، ومما لا شك فيه أن أحد أكبر أسباب هذه الصراعات هو القومية، فقد تعرضت البوسنة والهرسك على وجه الخصوص، والتي أصبحت هدفًا للقوميين الكرواتيين والصرب، لبيئة عدم استقرار عميقة، فبعد إعلان استقلال كرواتيا وسلوفينيا عام 1991، تحركت البوسنة والهرسك، وأعلنت استقلالها في عام 1992، وعلى الرغم من الاعتراف بهذا الاستقلال من قبل المجموعة الأوروبية، والأمم المتحدة في ذلك الوقت؛ شن القوميون الصرب، من خلال رؤية "مشروع صربيا الكبرى"، هجومًا على البوسنة والهرسك.
البوسنة والهرسك شهدت صراعات دامية، ومآسي بشرية بين عامي 1992 و1995، وكان التوصل إلى وقف إطلاق النار، من خلال التدخل الدولي، والتوقيع على اتفاقيتين مختلفتين، طريقًا لإنهاء الحرب بين الطرفين، فكانت أول اتفاقية؛ ''معاهدة واشنطن''، الموقعة بين البوسنة والهرسك وكرواتيا في 1 آذار/مارس عام 1994. وبهذا الاتفاق انتهى الصراع بين البوسنيين الكروات والبوسنيين، وتأسس اتحاد البوسنة والهرسك الذي شكله الشعبان.
وظهرت الاتفاقية الثانية، مع مبادرات الولايات المتحدة الأمريكية، في 21 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1995، بين رئيس البوسنة والهرسك ''علي عزت بيغوفيتش''، ورئيس جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية ''سلوبودان ميلوسيفيتش''، ورئيس كرواتيا السابق ''فرانيو توجمان'' معًا، وكانت الخطوة الأولى لاتفاقية ''دايتون للسلام''، وأصبح الاتفاق المعني احتفالًا رسميًّا في باريس في 14 كانون الأول/ديسمبر عام 1995، وبهذه المناسبة انتهت حرب البوسنة.
اتفاقية ''دايتون للسلام''، من الماضي إلى الحاضر
قبل معالجة المشاكل العامة لاتفاقية دايتون للسلام؛ فمن الضروري الإشارة بإيجاز إلى النتائج الإيجابية للاتفاقية؛ حيث مهدت الاتفاقية الطريق لتهيئة بيئة سلام، من خلال إنهاء الحرب، كما مكن الاتفاق الطرفين من العيش معًا مرة أخرى، بعد حربٍ قتل فيها الجار جاره.
ووفقًا للاتفاقية المذكورة؛ تتكون البوسنة والهرسك من كيانين، اتحاد البوسنة والهرسك، الذي يشكل 51 بالمئة من البلاد، وجمهورية الصرب التي تشكل 48 بالمئة. ويقع 1 بالمئة، من أراضي الدولة في منطقة ''برتشكو''، التي تتمتع بحكومة وشرطة مستقلة، غير تابعة لأي كيان، أو أجهزة تنفيذية، أو قضائية.
للتلخيص بإيجاز، أنشأت اتفاقية ''دايتون للسلام''، نظامًا يهدف إلى ضمان تعاون الشعوب التي تشكل الدولة، وتتقاسم السلطة في البلاد. لكن بينما تتمتع جمهورية الصرب، ببنية أكثر وحدة؛ ينقسم اتحاد البوسنة والهرسك إلى عشرة أقاليم. لكل من هذه الأقاليم فروعها التنفيذية، والقضائية، والتشريعية المنفصلة. ويكون مكتب الممثل السامي، الذي أنشأه المجلس التنفيذي للسلام، مزودا بصلاحيات واسعة للإشراف على تنفيذ هذا النظام، والحفاظ على السلام.
وبحسب النظام المعني؛ هناك أيضًا رئاسة الجمهورية، حيث يتم تمثيل المجموعات العرقية الثلاث، ويتم انتخاب كل منها لمدة أربع سنوات، وتعمل بالتناوب لمدة ثمانية أشهر. لكن حماية كل رئيس مصالح مجموعته العرقية، تمنع إجراء العديد من الإصلاحات.
هناك مشكلة أخرى وهي القومية، ففي الواقع؛ ربما تكون هذه القضية هي أهم مشكلة في البلاد، لأنه حتى بعد الحرب؛ نرى أن الاستقطاب العرقي يستمر في تأثيره، كما أن نظام التعليم في البلاد مهم جدًا أيضًا؛ حيث يتلقى البوسنيون تعليمًا يضع تاريخهم الخاص في المركز، بينما يضع الكروات والصرب تاريخهم في مركز آخر، كل هذا يحدث في نفس المدرسة.
بعبارة أخرى، لا يمكن تشكيل هوية فوقية في البوسنة، ولا يبدو أنه من الممكن تحقيق النجاح في هذا الصدد. لأن الأحزاب السياسية التي تأسست على أساس القومية، والسياسات التي تطبقها، والخطابات التي تستخدمها، تخلق بيئة متوترة داخل البلاد، وتهدد سلامة الدولة. لذلك عدم اتفاق الطرفين على فكرة الوحدة، يجعل من الصعب تحقيق سلام دائم.
الأحداث الأخيرة أثبتت مرة أخرى هشاشة البوسنة والهرسك. خاصّةً أن الخطاب الانفصالي المتزايد لزعيم جمهورية الصرب ''ميلوراد دوديك''، ومطالبته بإنشاء هيكل مستقل يتضمن إداريين كروات للبوسنة؛ أدى إلى زيادة التوترات العرقية، كما أن اتخاذ الممثل السامي ''كريستيان شميدت''، خطوات لتعديل قانون الانتخابات، قبل فترة وجيزة من الانتخابات المقرر إجراؤها في 2 تشرين الأول/أكتوبر عام 2022، يزيد التوتر في المنطقة.
يمكن التكهن بأن قادة الأحزاب سيحاولون جمع الأصوات من خلال الخطابات القومية للانتخابات المقبلة. وفي مثل هذا السيناريو، يمكن توقع زيادة التوتر داخل البلاد.
البوسنة والهرسك، ستواجه مناخًا انتخابيًّا أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى منذ اتفاقية دايتون للسلام، ويفيد صعود الميول القومية، وأخطاء السياسيين الذين يستخدمون الخطاب الانفصالي؛ بأنه ستكون هناك انتخابات مضطربة.
وعلى الرغم من صعوبة التنبؤ بالخطوات التي يتعين اتخاذها فيما يتعلق بقانون الانتخابات ونتائج الانتخابات المقبلة؛ يمكن الادعاء بأن البوسنة والهرسك ستواجه أزمات جديدة، خصوصًا في هذه الفترة الهشة التي تتزامن مع الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يجعل أي أزمة قد تندلع في البوسنة، قد يكون لها عواقب وخيمة، وأكثر خطورة مما كان متوقعًا.
"CIA" ترى أن القاعدة لم تُعد تجميع صفوفها في أفغانستان
"ذا هيل": هل فقدان الذاكرة التاريخي في أمريكا قابل للشفاء؟
حفتر يصفي ممتلكاته في أمريكا خشية الملاحقة ودفع تعويضات