يواصل الشيخ يوسف التساؤل حول أسرار الفتنتين (غزو الكويت 2 أغسطس 90 والهجوم الإرهابي على البرجين 11 سبتمبر 2001) ولا نعرف إلى حد اليوم ماهو دور المخابرات الأمريكية في هاتين الفتنتين و كيف انجر إليهما كل من صدام حسين وأسامة بن لادن؟ ثم إني دائم الإعتقاد أن سوء التفاهم (أو الحرب الباردة) بين الإسلام و الغرب المسيحي ليس تصادما بين حضارتين كلاهما ذات شأن وتأثير وإنما حرب بين أصوليتين إسلامية و مسيحية تطرفت كل منهما وتمترست وراء أكوام من التفسيرات الخاطئة والتبريرات العقائدية لتعويض الحوار السلمي والتلاقح العلمي والحضاري بالحروب ثم بالإرهاب و إرادة إلغاء الأخر حتى بالقتل والتهجير والمذابح".. وهنا قال (جيل كيبيل) أنه خصص لهذه الصدامات عشرين كتابا وقلت أنا لهما: "كتبت كتابا بعنوان (الإسلام و صراع الحضارات) صدر في الدوحة عام 1995 رددت فيه بالحجة على أطروحة صدام الحضارات للأستاذ الأمريكي صامويل هنتنغتن وزبدة كتابي هذا هي أن الحرب القائمة ليست بين ديانتين بل بين تطرفين".
أضاف الشيخ يوسف: "نتيجة هاتين الفتنتين أن الغرب بجناحيه الأمريكي والأوروبي وضع تضييقات على الحقوق والحريات التي تضمنها دساتيره وأصبح المسلمون المقيمون في هذه الدول يتعرضون يوميا إلى المضايقات والإيقافات و قطع الأرزاق وتسابقت الأحزاب العنصرية في عمليات الملاحقات للمسلمين وطردهم من تلك الدول التي ولدوا فيها وتجنسوا بجنسياتها وأخلصوا لقوانينها" وتدخل (كيبيل) ليقول: "إنني من خلال دراستي الطويلة لتاريخ الإسلام والمسلمين وصلت إلى استنتاج هو أن فتح أبواب الجهاد يبدو سهلا ومقنعا للشباب المسلم ولكن غلقه هو الأصعب لأن التطرف الأيديولوجي ينتشر ويتوسع ويصعب تطويقه.."
واستأذنت أنا من الرجلين نشر حوارنا هذا لأن نقلي لهذا الحوار لجمهور القراء والباحثين يعتبر توثيقا لأحداث زلزلت مجرى التاريخ الحديث ونقل مواقفنا نحن الثلاثة يعتبر تسليط أضواء علمية كاشفة تنيرالعصر. يسأل المستشرق (كيبيل) فضيلة الشيخ: "ما رأيكم في تكفير عدد من الاسلاميين للمسيحيين؟"
ويجيب الشيخ: "أنا أؤمن بأن الإسلام هو الدين الخاتم لكني أعتقد أن المسيحي يشترك معي في الإيمان وإذا تعاونت أنا المسلم مع أخي المسيحي فنحن مؤمنان نقاوم الكفر بأنواعه ومنه الإلحاد العلماني المادي الذي يقود الإنسانية إلى الشرك والضياع والإنحطاط الأخلاقي أي إلى خضوع البشرية للقوة بلا أخلاق..
وأنا لا أنعت المسيحي بأنه كافر معاذ الله بل أقول عنه "غير المسلم" دون التشكيك في معتقداته وعلى هذا الأساس قبلت الدعوة من جمعية مسيحية إيطالية تعمل في كنف سماحة البابا وهي جمعية (سانت أديجيو) وكان موضوع مؤتمرها هو (مواقف المسلمين والمسيحيين من إرهاب الحادي عشر من سبتمبر) وتوفقنا جميعا إلى الإتفاق على تحديد معنى الإرهاب وضربت مثلا للمؤتمرين بسورة (الكافرون) وتعلق المسلمين بدينهم (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون و لا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم و لا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين).. وأصدق موقف للإسلام هو ما اختتمت به السورة (الأية 6 : لكم دينكم ولي دين) وهي الأية التي تعلن تسامح الإسلام والجدال بالتي هي أحسن".
وهنا عاد الأستاذ (كيبيل) إلى التساؤل عن مواقف الشيخ يوسف إزاء الجهاد فقال الشيخ: "إن الجهاد نوعان جهاد دفع وهو فرض عين على كل مسلم و جهاد طلب وهو جهاد كفاية و أفسر لكما الفرق بين الجهادين: جهاد الدفع هو مقاومة من أحتلت أرضه من جيش غاصب كما في فلسطين وطرد صاحب الأرض من أرضه بغير حق وهذا ما لحق المسلمين و المسيحيين معا من أبناء فلسطين والجهاد هنا هو حق أقره الإسلام وكل الشرائع والقانون الدولي الصادر عن الأمم المتحدة و ميثاق حقوق الإنسان ولهذا نحن نندد بتصنيف المقاومة الفلسطينية ضمن الحركات الإرهابية من منظور اليمين الإسرائيلي والغربي ثم إن جهاد الدفع نفسه هو الذي يقوم به اللبنانيون في جنوب لبنان لأن جزءا من أراضي شبعا محتلة وكذلك السوريون في الجولان ونفس الجهاد نجده في الشيشان وكشمير وأيغور الصين ومسلمي البورما، حيث نجد شعوبا مسلمة محرومة من حق تقرير مصيرها أما جهاد الطلب فهو يتمثل في الفتوحات الإسلامية منذ عهد الفاروق عمر رضي الله عنه وهو استجابة المسلم لضرورة إشاعة الإسلام وتوسيع مجاله وتعزيز أمته..
أما اليوم فلم تعد للحدود الجغرافية وظائفها التقليدية بانتشار مفهوم العولمة التي تعني إلغاء الحدود وتواصل الأمم بفضل ثورة الاتصال الرقمي عبر شبكة الإنترنت ولهذا السبب فقد جهاد الطلب محتواه وغاياته وأصبح ممكنا أن نؤدي أمانة الدعوة دون اختراق حدود بل بالتي هي أحسن وهنا سألت الرجلين عن تقييمهما لتداعيات الحادي عشر من سبتمبر فقال الشيخ: "في كل محنة منحة ولعلنا كسبنا عودة إهتمام الأمم الأخرى بالإسلام بحثا وتحقيقا وهذا لمسته في روما وفي القاهرة وفي الدوحة حين تحاورت مع الكرادلة والحاخامات في منتديات الحوار بين الأديان حيث أدرك العديد منهم أنهم يجهلون حقائق الإسلام بل ينساقون وراء الدعايات العنصرية ويتبنون أطروحاتها الكاذبة.
هذه مختارات من حوار ثلاثي رصين بين عالم وسطي مسلم كان هو الوحيد الذي سافر إلى أفغانستان ليمنع طالبان من تدمير التماثيل البوذية في باميان لأنها جزء من تراثهم ولأن الفاروق عمر بن الخطاب لم يمسها حين فتح المسلمون بلاد أواسط أسيا.. وبين مستشرق ذي مكانة مرموقة شغوف بالمعرفة وقد كتب كتابا عن لقائنا ونشره في مؤسسة (غاليمار) بعنوان (الإسلام السياسي بين الإنتشار والإنحسار) وكنت انتقدت النتائج التي انتهى إليها في هذا الكتاب زميلي (جيل كيبيل) لأنه خلص إلى أن القيم الغربية (وهو يسميها كونية) انتصرت على كل الأديان الأخرى و تراثها وهو ما اعتبرته (وهم كيبيل والمستشرقين) والله من وراء القصد.
إقرأ أيضا: حوار حول الإسلام بين القرضاوي وجيل كيبيل والقديدي (1من3)
إقرأ أيضا: حوار حول الإسلام بين القرضاوي وجيل كيبيل والقديدي (2)
هل بلغت الديمقراطية كخيار سياسي ذروتها؟ بواطن العلة
حوار حول الإسلام بين القرضاوي وجيل كيبيل والقديدي (2)
حوار حول الإسلام بين القرضاوي وجيل كيبيل والقديدي (1من3)