نشرت صحيفة "التايمز" نتائج تحقيق عن المصور الصحافي جون كانتلي الذي اختفى في سوريا بعد تخلي بريطانيا عنه واستخدام تنظيم الدولة له كمتحدث باسمه.
وقالت في تقرير لأنطوني لويد وفرديريكا دي كاريا، إن آخر مرة شاهدا فيها كانتلي تجنب كلاهما طرح السلام. وكان ذلك في مساء خريفي في جنوبي تركيا قبل عشرة أعوام. وكان المصور الصحافي قد عاد للتو من مهمة صحافية داخل سوريا، حيث جلس ساكنا على كرسيه بمطعم بأنطاكية. وكان لويد يحضر للدخول إلى سوريا ووقف عند باب المطعم بدون دافع يدفعه للسلام، حيث أنقذ الموقف الصحافي الأمريكي جيمس فولي الذي ترك مقعده وملأ الفراغ بينهما.
ولم يعرف لويد في ذلك المساء كيف سيتورط في رحلة تحقيق طويلة بحثا عن مصير كانتلي، بعد اختطاف وقتل فولي على يد تنظيم الدولة.
وسافر لويد أكثر من مرة إلى الشرق الأوسط وأي مكان يمكنه مقابلة شخص يعرف كانتلي أو قابله في زنزانة وكجزء من سلسلة "قصص لزمننا" والتي تبحث عن أدلة تقود لمصير المصور الصحافي البريطاني.
وسجل محادثات في أربع قارات مع أشخاص التقوا بكانتلي كمختطف أو كانوا على علاقة قريبة منه- أعضاء سابقين في تنظيم الدولة، رهائن، مفاوضين للإفراج عن الرهائن، عناصر في القوات الخاصة وأصدقاءه وزملاءه.
ومع أن الكاتب لم يستلطف المصور الصحافي، حيث رآى فيه شخصا مزعجا ومتعجرفا وفي المرات القليلة التي التقيا فيها، إلا أن هذا لا يمنع من البحث عن واحد من كادر الصحافيين الذين غطوا الحرب بمناطق المعارضة السورية، وكلهم مشوا في طريق لم يمض به أحد من قبل وشعور بالرابطة بينهم.
وأشار لويد إلى نجاته مرتين من محاولات اختطاف، واحدة عندما اعتقل عند حاجز تفتيش لتنظيم الدولة والثانية عندما اختطفته عصابة إجرام، مما فتح عينيه على التداعيات الرهيبة لأي خطأ يرتكب في تلك الأرض. بالإضافة لهذا، فقد كان عارفا بقصور وزارة الخارجية البريطانية التي عادة ما تتأخر بالحصول على المعلومات وتحاول كتمها وتكون في موقف الدفاع عندما يكشف عدم معرفتها بموضوع الرهائن في سوريا.
كما أن الرغبة بالكشف عن قصة كانتلي ليست مدفوعة بمشاركة في الرأي أو المكان بل لكونه رجلا قام برحلة فردية وكافح من أجل البقاء وضد الأضداد. وهي بهذه الحالة تستحق البحث والحكاية بدلا من سحبها تحت البساط والتعامل معها على أنها حصاة غير مريحة في تاريخ المعركة ضد تنظيم الدولة أو لكونها هامشا صغيرا في التاريخ الفاشل لإنقاذ الرهائن.
وبعد أسابيع من ذلك اللقاء في المطعم عام 2012 اختطف الرجلان، وآخر مرة شوهد فيها فولي، هي لحظة إعدامه في عام 2014 على يد الجهادي البريطاني محمد إموازي (جون الجهادي)، وكانت أول عملية إعدام لصحافيين ومواطنين أمريكيين وبريطانيين. وظهر بعد شهر من موت فولي، حيث تجنب مصير زميله المختطف. وظهر في سلسلة من الأفلام التي قدمها نيابة عن تنظيم الدولة. واستمرت تلك الأفلام والمقالات التي كتبها في مجلة تنظيم الدولة على الإنترنت "دابق" حتى اختفاء كانتلي في كانون الأول/ديسمبر عام 2016 بمدينة الموصل بالعراق، أي في ذروة المعركة لاستعادة المدينة من تنظيم الدولة، ثم اختفى ولم يظهر له أثر. وعلم لويد عن الحياة الصعبة التي عاشها كانتلي خلال السنوات الأربع التي قضاها في ظل تنظيم الدولة وطريقة تعامله معها بطريقة تثير الإعجاب.
فقد تعرض للتعذيب بعد محاولتي هرب، لدرجة أنه تجنب الحديث عن الهرب حتى لا يستعيد ما عانى بسببه. وراقب كيف أفرج عن 15 أوروبيا من زنازين تنظيم الدولة، فيما أخذت كل رهينة أمريكية وبريطانية إلى القتل. ولأنه كان الناجي الوحيد فقد كان يحاول يائسا البقاء على قيد الحياة واستخدام كل فرصة مهما كانت للبقاء على أمل الخروج إلى الحرية يوما ما.
والأسوأ من كل هذا هو الصمت الذي غلف فيه مصيره بناء على أوامر من وزارة الخارجية، وسمح غياب التفاصيل والحقائق عن قصة كانتلي بالشكوك والشائعات بملء الفراغ. وبدلا من تذكره كرجل قاتل من أجل البقاء حيا، تعاملت معه الكثير من الدوائر بناء على الدعاية التي قدمها لتنظيم الدولة وتمت شيطنة رجل "تحول" بدلا من النظر إليه كفرد قامر من أجل البقاء حيا.
وتسبب الصمت حول مصير كانتلي بظهور الخلاف حوله، فقد تمت زراعة شجرة زيتون باسمه في مسجد النور بالموصل مما أثار غضب الكثير من السكان المحليين الذين لم يعرفوا الكثير من تفاصيل حياته وتعاملوا معه كمتعاون مع تنظيم الدولة.
وقال الناشط البارز في الموصل صقر الزكريا: "لا نعرف كيف نتعامل مع جون كانتلي نظرا لوجود عدة أسئلة بدون أجوبة حوله". و"كل ما نعرفه هو أن جون كانتلي جاء إلى مدينتنا مع تنظيم الدولة الإسلامية وبدا وكأنه يخدم الدولة وهو هناك". و"الآن نعرف أن شجرة زرعت لتخليد روحه، وغضب الكثيرون. ونريد معرفة هل الشجرة التي زرعت هي لتخليد رجل بروح عنصر تنظيم الدولة أم روح رجل كان رهينة؟". وهذا السؤال يقع في قلب مشاركة قصة كانتلي، وبدون أجوبة حقيقية فسيظل الصحافي المختفي في المجهول ويحكم عليه الكثيرون بالمتعاون وستظل روايته قابعة في نفس الفراغ الصامت الذي لم يسهم قليلا في إنقاذه.
والسؤال، هل تحول الرجل خلال سنواته الأربع كرهينة لدى تنظيم الدولة وكما يعتقد الكثيرون في داخل المؤسسة الأمنية البريطانية وتحول لرسول مستعد في دعاية داعش؟ ولماذا اختير مصور صحافي من بين كل الرهائن للنجاة في تنظيم الدولة وقتل زملاؤه الأمريكيون والبريطانيون؟ وهل تصدق الحكومة البريطانية كما فعل وزير الأمن في حينه بن والاس في عام 2019 وبعد آخر ظهور لكانتلي أنه نجا من الحصار والتدمير للموصل وفر إلى سوريا؟
وتابع: "عليه فحكاية قصة كانتلي مهمة اليوم وبعد محاكمة خاطفي كانتلي، العضوين في فرقة البيتلز البريطانية في الولايات المتحدة في نيسان/إبريل. فقد حكمت محكمة أمريكية على ألكسندر كوتي، 38 عاما بالسجن مدى الحياة بعد اعترافه بثماني تهم تتعلق بالخطف والتعذيب وقطع رؤوس الرهائن الأجانب في سوريا. وتمت إدانة الشافي الشيخ، 32 عاما بنفس التهم وسيصدر الحكم عليه هذا الشهر".
وتم اعتقال ثالث من نفس المجموعة وهو إين ديفيس، 38 عاما في مطار لوتون بعدما رحلته تركيا وسيواجه اتهامات بالإرهاب واحتجزته الشرطة.
ومع أنه كان بالأساس ضحية لتنظيم الدولة، إلا أن كانتلي لم يحصل إلا على القليل من الخدمات من الحكومة البريطانية، فسياسة عدم التفاوض مع الخاطفين عنت أن 15 من الرهائن الذين اختطفهم الإرهابيون خرجوا أحرارا بعدما دفعت دولهم الفدية عنهم، أما الرهائن البريطانيون والأمريكيون فقد قتلوا جميعا. ونظرا للمقت الكبير الذي برز من الرأي العام البريطاني، لتنظيم الدولة فلم يكن هناك أي نوع من النقد للتباين الصارخ حول مصير الرهائن البريطانيين والأوروبيين.
وتمسكت الحكومة البريطانية بأن سياسة عدم التفاوض مع الخاطفين هي من أجل عدم المساهمة في سوق الرهائن وتمويل الهجمات الإرهابية. وربما كان هذا صحيحا، إلا أنه وخلال الحرب السورية، لم تمنع سياسة عدم التفاوض مع الخاطفين تنظيم الدولة من اختطاف البريطانيين ولم تحم حياتهم عندما وقعوا فريسة له. وبالتأكيد، يرى عدد من المحللين أن تنظيم الدولة كسب الكثير من القوة والنجاح من خلال استعراض عمليات الذبح ورسائله الإرهابية منها، وزيادة التبرعات الخليجية والتجنيد، أكثر مما كسبه من الفدية التي كانت بريطانيا أو الدول الأخرى ستدفعها.
وكان غضب كانتلي المشروع بشأن نفاق سياسة الخطف البريطانية موضوعا رئيسيا في كل الأعمال التي قام بها لتنظيم الدولة.
وكتب كانتلي في الجزء الأول من ثماني مقالات كتبها لمجلة دابق، ونشره في تشرين الأول/أكتوبر 2014 "هذه برشامة من الصعب بلعها". وقال: "الآن علي مراقبة جيمس، ستيفن سوتلوف، ديفيد هينز وألان هيننغ وهم يخرجون من الباب واحدا كل أسبوعين بدون أن يعودوا، وأعرف أنهم كانوا سيقتلون". و"ماذا يفعل هذا لرجل؟ بعد معاناته الألم والظلام والندم لسنوات ورؤية كل هذا بطريقة بشعة. في وقت رجع فيه الجميع لأوطانهم، إلا أنه أجبر على رؤية الناس العاديين ورجال العائلة والآباء المحبين يقتلون لأن حكومات بلادهم لا تريد التفاوض بسبب "سياسة" ولا تناقش خيارات لإنقاذهم وعائلاتهم، فهل تستطيع تخيل شعور ذلك؟".
ولاحظ كانتلي في أفلامه ومقالاته التي أعدها لتنظيم الدولة أن المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين يتفاوضون مع تنظيم الدولة عندما يناسبهم هذا. ففي عام 2014 وهو نفس العام الذي قتل فيه زملاء كانتلي، أفرجت الولايات المتحدة عن أربعة قادة من حركة طالبان كانوا في غوانتانامو مقابل الإفراج عن الجندي الأمريكي، باوي بيرغدال من أسر طالبان في أفغانستان. ولو كان كانتلي على قيد الحياة، لتساءل بلا شك ساخرا عن أثر التبادل الأمريكي مقابل بيرغدال، فمن بين الذين أفرج عنهم مولوي عبد الحق واثق، الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات ويعرف بعلاقاته مع القاعدة وهو الآن مدير مخابرات طالبان، والتي اعتقلت خمسة مواطنين بريطانيين في أفغانستان هذا العام. وتم الإفراج عن المعتقلين البريطانيين بعد حديث المسؤولين البريطانيين مع طالبان. فسياسة عدم التفاوض التي تتبعها أمريكا وبريطانيا تتغير حسب الرغبة.
وفي المقابلات التي قدمتها الصحيفة على شكل ثماني حلقات، كشف عن مزاج كانتلي وخياراته المحدودة والإستغلال المقصود له من قبل إموازي، وأنه قد لقي حتفه في الموصل. ومعظم الأصوات التي تتحدث في الحلقات يتردد صداها في حياة الكاتب، صوت المفاوض الدانماركي "أرثر" الذي حمل 2 مليون يورو إلى فريق درجات من تنظيم الدولة للإفراج عن الرهينة دانيال ري أوستين. ويتذكر دانيال الكلمات الأخيرة لجون كانتلي قبل مغادرته الغرفة "أخبرني جون قبل مغادرتي الغرفة: دانيال هل تستطيع إخبار من تعرفه ويتحدث لبريطانيا أن يقصفونا لأنني لا أريد أن أستخدم كوسيلة دعائية لهؤلاء الحمير".
ولكن الصمت الرسمي حول مصير كانتلي هو المؤثر مثل الذين يتذكرونه ويصفون لقاءاتهم معه. وسأل الكاتب كل من قابلهم في لقاءاته "هل جاء أحد من بريطانيا، ربما كان دبلوماسيا أو مسؤولا أو محققا وسألكم عن مصير جون كانتلي؟". وكلهم قالوا "لا لم يأت أحد، لا أحد" جاء من وزارة الخارجية كان يبحث عما حدث لكانتلي، الهجران ظل الرفيق الدائم للرهينة التي أصبحت أحترمها مع أنني لم أسر إليه خطوات في المطعم لأقول مرحبا.
كيف تحول سحب الجنسية إلى أمر روتيني بدول بينها بريطانيا والبحرين؟
تفكيك الألغام.. المهنة الأخطر في العراق بلا مجال للخطأ
صحيفة: نشاط محموم في العراق للبحث عن كنوز تنظيم الدولة المدفونة