ثمة ملاحظات
أساسية يمكن بل يجب تسجيلها على العدوان الإسرائيلي الأخير ضد
غزة، بما في ذلك الاستنتاجات
والخلاصات الضرورية والمطلوبة منا كفلسطينيين؛ إن فيما يتعلق بالواقع الراهن في
غزة، أو بإدارة ناجعة ومجدية للصراع مع إسرائيل في سياق المعركة الماراثونية
الطويلة فلسطين، وتحقيق الآمال الوطنية المشروعة في السيادة والاستقلال وتقرير المصير.
واضح بالطبع أن إسرائيل
أعدّت خطة الحرب ومنذ شهور، واستدرجت حركة
الجهاد الإسلامي إليها بعد اعتقال الشيخ
بسام السعدي بطريقة همجية عنيفة وغير إنسانية، والاستنفار في المستوطنات المحيطة
بغزة وإغلاق الطرقات، وتشويش حياة المستوطنين فيها كان لقلب المشهد وإظهار الدولة
العبرية بصورة الضحية لا الجلاد، ناهيك عن
خداع الجهاد التي رفعت سقف خطابها بوهم
نجاحها في تشويش حياة المستوطنين، رغم أن العكس كان يجري على الأرض لجهة استعداد
الاحتلال المسبق للحرب واختيار توقيتها، بينما رفعت الجهاد سقف الخطاب دون تنسيق جدي
مع حركة حماس وبقية قوى المقاومة لا سياسيا ولا أمنيا، مع مراهنة على الوساطة
المصرية للتهدئة ومنع التصعيد، أو حتى
جرّ حماس إلى المعركة في حال وقوعها، وهو ما
لم يحدث، وكانت الأخيرة قد أبلغته أصلا للجهاد صراحة ومواربة.
إسرائيل أعدّت خطة الحرب ومنذ شهور، واستدرجت حركة الجهاد الإسلامي إليها بعد اعتقال الشيخ بسام السعدي بطريقة همجية عنيفة وغير إنسانية، والاستنفار في المستوطنات المحيطة بغزة وإغلاق الطرقات، وتشويش حياة المستوطنين فيها كان لقلب المشهد وإظهار الدولة العبرية بصورة الضحية لا الجلاد، ناهيك عن خداع الجهاد التي رفعت سقف خطابها
إذن لم تحسن قيادة
الجهاد التقدير وتمّ خداعها بالاستنفار الأمني وإغلاق الطرقات، وتفاخرت بقدرتها
على تشويش حياة 4500 مستوطن -لا مليون ونصف كما قيل- رغم تشديد الاحتلال الخناق
على ملايين الفلسطينيين بغزة المحاصرين أصلا، مع خسائر بملايين الدولارات من
استمرار إغلاق المعابر ومنع الصيد لأسبوع تقريبا.
ورغم التصعيد
الكلامي ورفع سقف الخطاب، إلا أن الحركة لم تأخذ ولم تضع الغدر الإسرائيلي
بالحسبان، ولم يقع استنفار ميداني وعسكري بمستوى سقف الخطاب السياسي والإعلامي
العالي. وهكذا، جرى استهداف الشهيد تيسير الجعبري في برج سكني عندما تاد مع
عائلته. وحتى قيادة السرايا لم تكن بأجواء حرب حتمية مع تصريحات القيادة السياسية
عن سير حوارات التهدئة ومنع التصعيد بشكل معقول، بينما حديث إسرائيل عن الإعداد
لعمليات ضدها هو دعائي بحت، كما قال الخبير الإسرائيلي ميرون رابوبورت لموقع ميدل إيست
آي الاثنين الماضي.
ورغم ذلك كله، فقد
قاتل شباب الجهاد بجرأة وجسارة في بيئة تنظيمية غير مرتبة أو مؤوتية، وحسب الإمكانيات
المتاحة، وقدموا أقصى ما يستطيعون بمواجهة العدوان الغادر والغاشم.
وهنا، لا بد من الانتباه
إلى
الدور المريب للوسيط المصري الذي رعى جهود التهدئة ومنع التصعيد، وإذا لم يصل إلى
قناعة أن إسرائيل لا تتعاطى بجدية مع جهوده واستغلتها فقط للاستعداد للعدوان، فالمشكلة في فريق العمل المصري وقدراته، وإذا عرف ولم يبذل جهودا كافية لمنع التصعيد
أو إيصال تحذير جدي للجهاد؛ فالمشكلة عندئذ في النوايا وانحيازه إلى الاحتلال لا في
قدرات فريق العمل غير المبهر أو الاستثنائي على أيّة حال.
لا بد من الانتباه إلى الدور المريب للوسيط المصري الذي رعى جهود التهدئة ومنع التصعيد، وإذا لم يصل إلى قناعة أن إسرائيل لا تتعاطى بجدية مع جهوده واستغلتها فقط للاستعداد للعدوان، فالمشكلة في فريق العمل المصري وقدراته، وإذا عرف ولم يبذل جهودا كافية لمنع التصعيد أو إيصال تحذير جدي للجهاد؛ فالمشكلة عندئذ في النوايا وانحيازه إلى الاحتلال
وعموما، فالجهود
الأخيرة كما الوساطة المصرية بشكل عام ترتبط بمصلحة النظام الانقلابي والاستبدادي الضيّقة،
وهو يقوم بالوساطة وفق محدّدات أمريكية وإسرائيلية للتهدئة بأي ثمن فلسطينيا، وعينه
ليس فقط على الدعم الإسرائيلي السياسي والإعلامي والأمني، وإنما الأمريكي أيضا، وحضور الرئيس جو بايدن قمة المناخ المقررة العام الجاري في مدينة شرم الشيخ؛ لإضفاء
الشرعية على النظام المفلس والمتهالك، وغض النظر عن انتهاكاته الفظة والمنهجية ضد
حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين.
وبناء عليه، جاء اتفاق
وقف إطلاق النار عاما جدّا، وإسرائيل تنصلت منه صباح اليوم التالي، والحديث عن
تخفيف الحصار وإدخال الوقود والفواكه والأعلاف وغيرها إلى غزة دعائي بحت؛ كونها كانت
تدخل حتى إغلاق المعابر بقرار إسرائيلي أحادي الثلاثاء الماضي.
وقصة الإفراج عن الأسيرين
خليل العواودة وبسام السعدي تبدو ملغومة أيضا، فالأول تنتهي محكوميته بعد شهر ونصف
تقريبا، والإفراج عنه كان الاحتمال الأكبر كما حصل في حالات سابقة خشية تفجير الأوضاع
في الضفة، خاصة أنه مضرب عن الطعام منذ خمسة شهور تقريبا (150 يوما تقريبا).
وثمة خطر جدّي على صحته، وسيتم الإعلان غالبا عن عدم تجديد الاعتقال مرة أخرى وإرساله
إلى مستشفى مدني لتلقي العلاج.
جاء اتفاق وقف إطلاق النار عاما جدّا، وإسرائيل تنصلت منه صباح اليوم التالي، والحديث عن تخفيف الحصار وإدخال الوقود والفواكه والأعلاف وغيرها إلى غزة دعائي بحت؛ كونها كانت تدخل حتى إغلاق المعابر بقرار إسرائيلي أحادي الثلاثاء الماضي
أما الالتزام
المصري بالإفراج عن الشيخ بسام السعدي في أقرب وقت ممكن، فحمّال أوجه وضبابي وعام، والموعد
"أقرب وقت" قد يكون بعد شهور أو حتى سنوات، علما أن وزير الدفاع الإسرائيلي
الجنرال بيني غانتس لمّح الثلاثاء إلى الحديث فقط مع المصريين حول الملف، كما إلى ارتباطه
بصفقة تبادل
الأسرى المحتملة مع حماس، ما يعني أنه مؤجل وليس في المدى المنظور على
الأقل.
إلى ذلك، لا يمكن
الجدال بارتكاب إسرائيل جرائم حرب ضد الفلسطينيين في غزة بمن فيهم النساء والأطفال،
حيث نصف الشهداء منهم والثلثان من المدنيين، وأقل من الثلث من المقاتلين، فلم تراع
إسرائيل قوانين الحرب في مواجهتهم، بما في ذلك استخدام الأسلحة المحرّمة دوليا، وتحديدا الصواريخ والمدفعية في بيئة سكنية مكتظة.
ومن هنا، يبدو
التحقيق الأممي من قبل مجلس حقوق الإنسان في هذه الحرب مسألة وقت، ولا شك أيضا في
طبيعة النتائج الصادرة عنها كما الحروب الماضية، لجهة ارتكاب إسرائيل جرائم حرب
موصوفة وضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.
في الاستنتاجات
من العدوان، واضح أننا أمام معادلة جديدة، مفادها أن لا حرب في غزة بدون حماس التي
يمتلك جناحها العسكري "كتائب عز الدين القسام" إمكانيات أكبر، ويستطيع
مثلا أن يطلق في يوم واحد نفس عدد الصواريخ الذي أطلقته سرايا القدس في ثلاثة أيام.
لا حرب بدون حماس، بينما يفيد الشق الآخر من المعادلة أن لا سلام بدون وحدة وطنية وقيادة موحدة تعمل وفق برنامج سياسي، يستند إلى أوسع درجة ممكنة من الدعم الفصائلي والشعبي
إذا، لا حرب
بدون حماس، بينما يفيد الشق الآخر من المعادلة أن لا سلام بدون وحدة وطنية وقيادة
موحدة تعمل وفق برنامج سياسي، يستند إلى أوسع درجة ممكنة من الدعم الفصائلي والشعبي.
إضافة إلى ما سبق،
فقد أكد العدوان أن لا إمكانية للردّ على تطورات الضفة المتلاحقة في ملفات الأسرى
والاستيطان والتهويد والقدس الأقصى، كما لا إمكانية لخوض حرب التحرير من غزة
المحاصرة، بينما ساحة المقاومة الرئيسية في الضفة الغربية. ووحدة الساحات لا تتحقق
بالحرب فقط، وإنما بعمل سياسي وحدوي وتوافقي بين الفصائل في الضفة والقدس والشتات وميادين
المقاومة الشعبية؛ في برقة وبيتا وبلعين ونعلين والنبي صالح.
أما الاستنتاج
والخلاصة الأهم، فمفادها أن لا انتصار لإسرائيل، وبالتأكيد لا هزيمة للشعب
الفلسطيني العنيد الصامد والمجاهد، والمصرّ على المضي قدما حتى نيل حقوقه الوطنية
المشروعة في السيادة والاستقلال وتقرير المصير.