دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى تسريع ودعم عمليات المساءلة عن جرائم القتل والإخفاء القسري والتعذيب التي شهدتها مدينة ترهونة ومناطق جنوبي العاصمة طرابلس إبان هجوم قوات اللواء المتقاعد "خليفة حفتر" على العاصمة في أبريل/ نيسان 2019.
وقال المرصد الأورومتوسطي في
بيان صحافي اليوم الخميس أرسل نسخة منه لـ
"عربي21": "إنّ الفرق المختصة حدّدت خلال الأسبوعين الماضيين 3 مواقع دفن جديدة عُثر فيها على 6 جثث مجهولة الهوية يُعتقد أنّها قُتلت ودفنت سرًا خلال سيطرة ما يعرف بميليشيا "الكانيات" المتحالفة مع "حفتر" على المدينة، قبل طردها في يونيو/ حزيران 2020".
ووفق متابعة المرصد الأورومتوسطي، استخرجت فرق "الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين" حتى تاريخ اليوم 11 أغسطس/ آب، 286 جثة من نحو 100 موقع دفن سرّي في مدينة ترهونة وبعض المناطق جنوبي طرابلس، حيث نجحت في التعرف على هوية 154 من الضحايا من خلال مطابقة الحمض النووي، وما تزال الجهود جارية لتحديد هوّية مزيد من الضحايا.
وبحسب توثيقات مستقلة وإفادات شهود عيون، ارتكبت ميليشيا "الكانيات" خلال سيطرتها على "ترهونة" انتهاكات مروّعة ضد السكان المدنيين، شملت إعدام المئات ميدانيًا بأساليب وحشية، إضافة إلى اختطاف آخرين في ظروف غير إنسانية، وتعريضهم لشتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي.
وعمدت الميليشيا التي قاتلت إلى جانب قوات "حفتر" في هجومها على طرابلس، إلى تنفيذ عمليات قتل جماعي لأشخاص من نفس العائلة في محاولة على ما يبدو إلى تعظيم الخسائر البشرية وترهيب أهالي المدينة، حيث عثرت الفرق المختصة في بعض الحالات على رفات عدد من الأشخاص من عائلة واحدة، بما في ذلك نساء وأطفال.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ الحكومة الليبية تبذل جهودًا جادّة للوصول إلى المتورطين في هذه الجرائم، لكن عملية المساءلة ينبغي ألّا تقتصر فقط على من نفّذ عمليات القتل والإخفاء والاضطهاد، بل يجب أن تشمل جميع القادة والمسؤولين الذين أصدروا الأوامر، أو سهّلوا تلك الجرائم، أو لم يتدخلوا لمنعها ومحاسبة مرتكبيها.
وبيّن أنّ أكثر ما يبعث على القلق هو محاولة التخلّص من بعض المسؤولين عن تلك الجرائم دون خضوعهم للإجراءات القانونية الواجبة، والتي من شأنها أن تساعد في الكشف عن تفاصيل أكثر حول الجرائم التي حدثت في تلك المدة أو الأشخاص الذين تورطوا فيها، إذ قتل مسلّحون -لم يتم التحقق من هويتهم بشكل مستقل- في يوليو/ تموز 2021 "محمد الكاني"، قائد ميليشيا "الكانيّات" المسؤولة بشكل أساسي عن الأفعال التي قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية في عدد من المناطق الليبية، وخصوصًا مدينة ترهونة.
وقبلها بعدة أشهر، اغتال مسلّحون مجهولون القائد العسكري البارز في قوات "حفتر"، "محمود الورفلّي"، وهو أحد المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في
ليبيا.
ولفت الأورومتوسطي إلى ضرورة عدم منح أي من المشتبه بتورطهم بانتهاكات حقوق الإنسان الفرصة للمشاركة في السلطة في ليبيا، واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان استبعادهم من منظومة الحكم، إذ قد يسهم استحواذهم على السلطة أو مشاركتهم فيها بإفلاتهم من العقاب، وتشجيعهم على شرعنة انتهاكات حقوق الإنسان وارتكاب مزيد منها.
وقالت مسؤولة الإعلام في المرصد الأورومتوسطي "نور علوان": "تُملي الالتزامات القانونية والأخلاقية على الأمم المتحدة والدول الفاعلة في الأزمة الليبية ألّا يكونوا جزءًا من أي اتفاق قد يعيد تصدير مجرمي الحرب في ليبيا وتمكينهم من الوصول إلى السلطة".
وأضافت: "يجب أن يعمل الجميع معًا لقطع الطريق على هؤلاء الجناة، والحيلولة دون حصولهم على أي شكل من أشكال الحصانة، بما في ذلك تشجيع الأطراف الليبية على التوافق على قانون انتخابي يضمن عدم ترشيح الجناة لأنفسهم".
ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الأمم المتحدة إلى دعم تحقيقات الحكومة الليبية في الجرائم التي شهدتها مدينة ترهونة ومناطق جنوبي طرابلس بين أبريل/ نيسان 2019 ويونيو/ حزيران 2020، وتوفير جميع الإمكانات التي من شأنها تسريع التحقيقات، وتعزيز جهود الكشف عن مواقع المقابر السريّة وتحديد هويات الضحايا.
وحث المرصد الأورومتوسطي الدول ذات التأثير في الأزمة الليبية على إنهاء دعمها للمشتبه بتورطهم بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، والعمل على مساعدة الليبيين على نحو إيجابي وبنّاء، للخروج من الأزمات المركّبة التي تشهدها البلاد منذ عام 2011.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يتم الإعلان فيها عن اكتشاف
مقبرة جماعية في ترهونة الليبية، فقد سبق وتم الإعلان عن اكتشاف العشرات من المقابر الجماعية والفردية.
ومن حين إلى آخر، يتم العثور على مقابر جماعية بها رفات في مناطق كانت تسيطر عليها مليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، التي قاتلت لسنوات حكومة "الوفاق الوطني" السابقة، المعترف بها دوليا.
ومنذ الإطاحة بحكم العقيد معمر القذافي لم تهدأ الساحة السياسية في ليبيا ولم تعرف الاستقرار على الرغم من الجهود المحلية والإقليمية والدولية الساعية لذلك.