قبل إعلان قيام الدولة العبرية على أرض فلسطين المحتلة فى 14 مايو 1948، أصدرت جامعة الدول العربية التى تأسست فى 22 مارس 1945، دعوة لمقاطعة المنتجات اليهودية، وسط إدراك بخطورة دعم التجمعات اليهودية التى كانت تسعى لإنشاء وطن قومى على حساب الحق العربى. ومنذ النصف الثانى من أربعينيات القرن العشرين، مرت المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية والشركات الدولية المتعاونة معها، بمراحل من الصعود وأخرى من الهبوط، لكنها ظلت لسنوات طويلة تؤتى أكلها فى عزل إسرائيل اقتصاديا.
اليوم ومع تسارع واتساع رقعة المطبعين مع الكيان الصهيونى فى المشرق العربى ومغربه، هل لا تزال المقاطعة العربية للمنتجات الإسرائيلية ذات تأثير كما كانت قبل هرولة المهرولين، وحماس المتحمسين لدمج إسرائيل فى المنطقة كما يسعى سكان البيت الأبيض، ويحلم القادة الصهاينة؟
ربما يرى البعض أن دعوات المقاطعة العربية لإسرائيل ومنع دخول بضائعها إلى الأسواق العربية لم يعد يجدى نفعا فى ظل تمدد تل أبيب فى المزيد من الساحات العربية التى دخلت معها فى معاهدات، وربما تحالفات تتجاوز ما هو سياسى اقتصادى، لتصل إلى تعاون أمنى سافر أو مستتر، بدافع خلق مظلة حماية من عدو وهمى يجرى تصديره للواجهة باعتباره الخطر الأكبر على الأمة العربية وإسرائيل كفيلة به!!
وعلى الرغم من الصورة القاتمة ومساعى بعض جنود التطبيع فى المنطقة لفتح الأبواب العربية أمام الصهاينة، يبدو أن هناك من يرى فى مقاطعة إسرائيل ومنع تدفق بضائعها إلى الأسواق العربية سبيلا للتذكير بقضية العرب المركزية، وطريقا يمكن من خلاله الضغط لمنع استمرار العمليات الوحشية التى تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين، واستباحة غلاة المستوطنين لباحات المسجد الأقصى المبارك التى تتم بشكل يومى بحماية جنود الاحتلال وتشجيع علنى من الحكومة الإسرائيلية.
وبالأمس شهد مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة، أعمال الدورة الـ 95 لضباط اتصال المكاتب الإقليمية للمقاطعة العربية لإسرائيل، حيث دعا السفير سعيد أبوعلى الأمين العام المساعد رئيس قطاع فلسطين والأراضى العربية المحتلة إلى استمرار المقاطعة، وتعزيزها كأداة فعالة لمواجهة الاحتلال وإفشال مخططاته الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية.
أبوعلى استعرض أمام الوفود العربية المشاركة خلال اللقاء ما تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلى من عدوان وإرهاب على الشعب الفلسطينى ومقدساته وممتلكاته وخاصة فى مدينة القدس المحتلة، «فى إطار سياسة التهويد والتهجير القسرى الممنهج» وهو ما يستوجب «تدخل المجتمع الدولى وبخاصة مجلس الأمن والمُنظمات الإقليمية والدولية بتحمل مسئولياتها، ووقف سياسة الكيل بمكيالين».
كلمات السفير أبوعلى ربما وجدت لها آذانا مصغية لدى بعض الوفود التى تتمسك بلادها بمقاطعة ورفض التطبيع مع العدو الإسرائيلى، حتى الآن، غير أننا يجب أن نعترف أن تيار مقاومة التطبيع الرسمى يمر بأضعف حالاته، لكن الأمل لايزال معقودا على بعض أصحاب الضمائر كما تابعنا الموقف الشجاع الذى اتخذته الشيخة مى آل خليفة، رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار، التى رفضت مصافحة السفير الإسرائيل، قبل أن تفقد منصبها، وإن اكتسبت التعاطف والاحترام الشعبى من المحيط إلى الخليج.
إسرائيل وحراسها فى البيت الأبيض سيظلون يبذلون كل الجهود لتوسيع دائرة التطبيع العربى الرسمى، على أمل أن يأتى اليوم لتصبح فيه إسرائيل جزءا من المنطقة ليس على المستوى السياسى والاقتصادى فحسب، بل والتغلغل فى البنية الاجتماعية العربية، لاستمالة عقول مشوشة بدعايات مغلوطة، بما يفتح قلوبا لدعوات تسامح كاذبة، ونبذ أحقاد هى بالأساس صناعة إسرائيلية، ولعل فى التفرقة العنصرية واضطهاد الشعب الفلسطينى خير دليل.
ضعف تيار مقاومة التطبيع الرسمى يجب ألا يوهن حملات المقاومة الشعبية لكيان غاصب، فكل قرش يخرج من جيب عربى لشراء منتج إسرائيلى هو رصاصة فى صدر فلسطينى.
(الشروق المصرية)