سلطت الاشتباكات المسلحة في العاصمة طرابلس الجمعة، والتي أودت بحياة 16 شخصا على الأقل، الضوء على الوضع الأمني الهش، والذي يُعزى إلى تعدد التشكيلات العسكرية المسلحة المتنازعة على الصلاحيات والمناصب، والتي تتوزع ولاءاتها بين أطراف الصراع السياسي.
ولم تكن هذه الاشتباكات الأولى التي تحدث، بل إن اشتباكات عدة دارت في العاصمة بين مكونات عسكرية مسلحة، ففي 10 حزيران/ يونيو الماضي اندلعت اشتباكات في طرابلس بين مجموعات مسلحة، بمنطقتي جزيرة سوق الثلاثاء وعمر المختار وسط طرابلس، توعدت الولايات المتحدة حينها بمعاقبة المتسببين، فيما وصف الاتحاد الأوروبي التطور الأمني بـ"المخزي".
وتطرح هذه الاشتباكات أسئلة حول أسباب تكرارها، ومن يقف خلفها، والمسؤول عن استمرارها؟
ورغم أن الاشتباكات الأخيرة لا ترتبط بالصراع السياسي مباشرة، إلا أن ثمة مخاوف من انزلاق ليبيا مجددا إلى حرب أهلية، حيث توجد حكومتان إحداهما هي حكومة الدبيبة والأخرى هي حكومة برئاسة فتحي باشاغا كلفها مجلس النواب بطبرق (شرقا) مطلع آذار/ مارس الماضي.
ويرفض الدبيبة تسليم السلطة إلا لحكومة تأتي عبر برلمان منتخب، تنفيذا لمخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي في 2021.
نتائج الانسداد السياسي
وتعليقا على الاشتبكات قال المحلل السياسي فرج دردور، إن الاشكالية ليست في المجموعات المسلحة، فهي نتائج لحالة الانسداد السياسي في البلاد، وهناك استخدام من أطراف الصراع لهذه المجموعات في محاولة كل طرف للحفاظ على وجوده وحضوره في المشهد.
وأضاف دردور في حديث متلفز تابعته "عربي21" أن الحكومات السابقة لم تعط الوقت الكافي لتدريب وإدماج هذه التشكيلات في المؤسسة العسكرية، بل إن بعض الأطراف استغلت هذه الحالات، والنتيجة هي ما نشاهده اليوم من اشتباكات.
اقرأ أيضا: مقتل وإصابة العشرات في اشتباكات بطرابلس الليبية (شاهد)
وذكر أن الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات عام 2015 وضع حلولا كافية بشأن المجموعات والمليشيات المسلحة، والاتفاق تعامل مع كل المظاهر المسلحة شرقا وغربا بما فيها قوات حفتر بأنها مليشيات ويجب إعادة تدريبها و إدماجها من جديد واخضاعها لسلطة مدنية، وهذا الأمر قبلت فيه المجموعات المسلحة في طرابلس في ذلك الوقت، ورفضه حفتر تحت ذريعة أن قواته "جيش".
وشدد دردور على أن المجموعات المسلحة في طرابلس ينظر إليها على أن وجودها مشرعن، خاصة بعد أن شاركت في صد العدوان على طرابلس عام 2019، لكن هذه المجموعات جرى اختراقها لاحقا من قبل استخبارات غربية.
ومتحدثا عن الحلول للوضع الأمني الهش، قال دردور: "لا بد من معالجة الوضع السياسي والإداري والمؤسساتي في الدولة بعيدا على المحاصصة، وذلك وفق خطط واضحة للتدريب والإدماج".
استغلال سياسي
بدوره، قال الناشط محمد فؤاد، إن الحكومات السابقة لم تحاول حل أزمة المليشيات المسلحة، بل على العكس معظم هذه الحكومات حاولت استغلال هذه المجموعات بطريقة أو بأخرى للحصول على مكاسب سياسية أو أمنية أو اقتصادية.
وشدد فؤاد في حديث متلفز تابعته "عربي21" على أن "المشكلة أن العاصمة طرابلس فيها كل المؤسسات السياسيدة، وأطراف الصراع يريدون السيطرة عليها، والطريقة الوحيدة لفعل ذلك بالقوة العسكرية عن طريق التشكيلات المسلحة"، مشددا على أن اشتباكات العاصمة لا يمكن فصلها عن الصراع السياسي بين الأطراف المختلفة. مضيفا: "عدم إيجاد حل سياسي في ليبيا ستكون نتائجه ما نراه".
اقرأ أيضا: هل التوافقات العسكرية بين الغرب والشرق بليبيا قابلة للتطبيق؟
وتابع: "هناك مشكلة في شرعية كل الأجسام السياسية الموجودة، ولا يخفى على أحد أن الحكومة الموجودة في طرابلس لابد أن ترضي هذه المليشيات حتى تستطيع البقاء، وإلا فإن الأخيرة بيدها تغيير حكومة بأخرى".
ورأى أن المجلس الرئاسي والحكومة لا يمكن إعفاؤهما مما يجري، فالأول بيده صلاحيات وكان بإمكانه تحريك قوات تابعة له لفض الاشتباكات، فيما الأخيرة تملك أدوات لوقف ما يجري ذلك أن لديها سيطرة مالية، وهي التي تضخ الأموال لهذه المجموعات.
حفتر وخصومه
أما المحلل السياسي، فيصل الشريف، فيرى أن حفتر يقف خلف ما يجري في طرابلس، قائلا في لقاء متلفز: "ما زال حفتر يراقص خصومه الأغبياء بأبنائه ويتركهم يتعاركون كالديكة بينما هو يتقوّى ويعزز فرص فرض مشروعه العسكري".
وأضاف : "تمكن في العدوان على العاصمة من استعمال مسلحي النظام السابق وضرب معسكرهم في العمق، والآن يستعمل بعض معسكر فبراير (الثورة) ضد البعض الآخر ليكون هو الطرف المهيمن".
هل يشكل ملف المناصب السيادية أزمة جديدة في ليبيا؟
خاص.. تفاصيل مفاوضات سرية بين ابن أخ الدبيبة ونجل حفتر
أزمة الكهرباء تفجر غضبا شعبيا بليبيا.. واتهامات متبادلة