نشرت
صحيفة "
الغارديان" تقريرا أعده بول غارونا غاليزيا وجولييت غارسايد، كشفا
فيه عن أوراق سيف الإسلام القذافي عندما كان نجما صاعدا في نظام والده ويحضر نفسه لخلافته.
وحصلت
الصحيفة على الوثائق إلى جانب "تورتويز ميديا"، وتعطي صورة عن حياة سيف الإسلام
في لحظة مهمة في علاقات
ليبيا مع بريطانيا.
ففي
ذلك الحين كان يتفاوض نيابة عن نظام والده من أجل تسوية ملف
لوكربي، واختاره المنتدى
الاقتصادي العالمي "الزعيم العالمي الشاب"، وكان يحضر لدرجة الدكتوراة في
الأوقات المتوفرة بمدرسة لندن للاقتصاد.
وكانت
أوقاتا جميلة لنجل الزعيم الليبي معمر القذافي قبل أن تندلع الحرب الأهلية ويقوم الثوار
بقتل والده بطريقة بشعة، واعتقال ثوار الزنتان له ليختفي عن الرأي العام.
وبعد
عقد خرج في الزنتان بالعباءة التقليدية لكي يعلن عن ترشحه للانتخابات الرئاسية التي
أخرتها الخلافات بين الفصائل الليبية وأدت هذا الشهر لموجة من الاحتجاجات.
وتدفع
الأمم المتحدة نحو موعد آخر للانتخابات. وعندما سيبدأ السباق للرئاسة، ربما منح الكثير
من الليبيين أصواتهم لسيف الإسلام.
وربما
كان الدافع لهذا هو التخلص من آثار الحرب التي تركت جراحها عليهم وجعلتهم يحنون لفترة
استقرار، وبالنسبة لسيف الإسلام في مقابلة مع صحفية في تشرين الثاني/ نوفمبر فـ"يجب
أن تدخل ببطء" مثل "راقصة التعري". ومع ذلك هناك الكثير من المعوقات
أمام ترشيحه، فهو مطلوب من محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية،
بشكل يثير أسئلة حول صلاحيته للرئاسة. ويتهم بالمسؤولية عن القتل والاضطهاد الذي مارسته
القوات التي كانت خاضعة له أثناء الحرب.
وعندما
انتقل سيف الإسلام إلى لندن في عام 2002، تبعه فريق من المسؤولين والمساعدين لمتابعة
شؤونه. وتولت شركة الاستثمار الخارجي الليبية مسؤولية الشؤون الإدارية. أما النشاطات
الإضافية فقد تولى أمرها مجموعة من الشبان بمن فيهم فيصل زواوي الذي كان مشاركا في
ذلك الوقت برابطة كرة القدم الليبية. ونظم زواوي حفلة في "بونتا ديليستي"
في أوروغواي التي عرضت فيها الجهة المنظمة كل ألوان الرفاهية، حيث طلب أن تكون الخدمات
مشتملة على توفير خروف مشوي كل يوم لسيف وأصدقائه.
وكان
زواوي مسؤولا عن توفير يخت في البحر المتوسط وحفلات في الكاريبي وطائرة خاصة وفتيات
متعة. ويقال إن سيف طلب من مساعد في شركة الاستثمار الخارجي الليبية توفير شقة له
في حي بلغريفيا الراقي بلندن، ثم زاد من مطالبه، شقق أخرى وسفرجي وسائق وحارس شخصي.
وقال المساعد إنه دفع الكلفة بما في ذلك أجرة الشقق ثم أرسل الفاتورة إلى مكتب سيف
في ليبيا، حيث لا يتعدى الدخل العام فيها ثلث الدخل العام البريطاني. ويتذكر كيف
أخذ سيف الإسلام إلى مكاتب المخابرات الخارجية البريطانية "أم أي6" لمناقشة
أمنه الشخصي، والتقى نجل القذافي أيضا مع مسؤولي الحكومة.
وكان
لديه الكثير لمناقشته معهم، ففي عام 2003 أعلن وبعد مفاوضات طويلة أن ليبيا "ستتحمل
مسؤولية" تحطم طائرة لوكربي ومستعدة لدفع 2.7 مليار دولار كتعويض لعائلات الضحايا.
ثم تحول انتباه سيف لتأمين إفراج مبكر عن المتهم الوحيد بتحطم لوكربي وهو عبد الباسط
المقراحي والذي كان يعاني من سرطان البروستاتا ومسجونا قرب مدينة غلاسكو. وتم إنشاء
فريق علاقات عامة وموقع على الإنترنت "العدالة للمقراحي" www.justiceformegrahi.com في محاولة للتأثير على الصحفيين.
وفي
ملاحظة كتبها وكيل ضمن إيجاز: "بلقائي مع عدد متنوع من الطيف الإعلامي، فقد كان
علي التصرف بأن هذه ليست حملة علاقات عامة مرتبة"، وعمل المساعدون لسيف أو مرتبو
نشاطاته على التواصل مع الأطباء. وينص القانون الأسكتلندي على أنه يمكن الإفراج ولظروف
إنسانية عن سجناء مرضى بأمراض ميؤوس منها ولم يبق لهم سوى ثلاثة أشهر. ورغم وجود عدد
من الملفات بشأن تقييم حالة السجين والذي لم يخضع لعلاج فعال فقد اتُخذ قرار بفحصه شخصيا.
وفي
24 تموز/ يوليو 2009 تلقى سيف الإسلام رسالة إلكترونية من كارول سيكورا، خبير السرطان
في لندن، وجاء فيها: "أعتقد أن تشخيص المقراحي فقير" و"أحسن طريقة لإقناع
السلطات البريطانية للسماح بالإفراج عنه لأسباب إنسانية هي السماح لطبيبين بمقابلته
وطبيب ثالث يوافق على تشخيصهما". واقترح سيكورا أن يكون رئيس اللجنة المكونة من
ثلاثة أطباء. وقال إنه وافق مع سيف الإسلام أنه سيتلقى المبلغ المحدد من هيئة التقاضي
في الصحة الوطنية لقاء خبراته القانونية- الطبية. وزار المقراحي في السجن وقيم أن الرجل
لم يتبق له سوى ثلاثة أشهر وقدم تقييمه للسفارة الليبية في لندن، ثم وافقت السلطات
الأسكتلندية على التشخيص.
وحاول
سيف الإسلام الضغط على حكومة غوردون براون. وتقترح الرسائل الإلكترونية أن زواوي استأجر
يختا إلى كورفو في الفترة ما بين 1-3 آب/أغسطس. وكما كشف عنه فقد ذهب سيف إلى كوروفو
باليونان والتقى مع بيتر ماندلسون، الذي كان من أبرز وزراء حكومة براون. وكان يقضي
ليلة في فيلا جاكوب روتشيلد المطلة على البحر. ويتذكر شخص في الفيلا، كيف جاء سيف مرتديا
الزي العسكري ومحاطا بحاشيته، وذهب مع ماندلسون لمكان محدد في الحديقة وطرح موضوع المقراحي.
وقال
متحدث باسم ماندلسون إنهما ناقشا عام 2009 لوكربي بطريقة "عابرة". ونفى ماندلسون
في حديث مع الصحيفة لغرض هذا التقرير أن يكون "لعب دورا أيا كان" في المفاوضات
للإفراج عن المقراحي، مضيفا: "حسبما أتذكره بالتأكيد لم يسألني (سيف) ولا أي ممثل
للتحرك من أجل القضية".
وفي
آب/ أغسطس قرر وزير العدل الأسكتلندي كيني ماكسكل الضغط على الزر وأفرج عن المقراحي
وسمح له بقضاء ما تبقى له من حياة مع عائلته في ليبيا.
وبعد
يوم، أعد سيف الإسلام مسودة رسالة للسكرتير الأول لأسكتلندا، أليكس سالموند عبر فيها
"عن امتنانه العميق واستعداده لاتخاذ كل الخطوات اللازمة لتسهيل قرار الوزير ماكسكل".
وقال سالموند إنه "لا يتذكر حتى رؤيتها" أي الرسالة. وقال إن الحكومة البريطانية
لم تمارس أي تأثير على ماكسكل الذي اتخذ قراره "وبشكل كامل بناء على الإجراءات
القانونية المطلوبة".
وفي
نفس اليوم كتب سيف مسودة رسالة إلى مستشار براون للشؤون الخارجية سايمون ماكدونالد
معبرا فيها عن "امتنانه الصادق والعميق للدعم المقدم خلال الأشهر الماضية لتأمين
الإفراج عن المقراحي".
وقال
ماكدونالد إن براون عينه كرجل اتصال في المفاوضات و"على حد علمي، كنت الشخص الوحيد
في الحكومة البريطانية الذي يتعامل مع سيف، وكانت قناة واحدة أنا وسيف الإسلام".
وقال إنه لم ير غرابة بالتعامل مع نجل الديكتاتور رغم الصفة غير الرسمية له و"لأن
تعليمات من والده كانت واضحة بإحضار السجين المحتضر إلى البلاد".
وتذكر
انطباعه عن محادثه بأنه "سلس ويتحدث بلغة إنكليزية طلقة وذواق للأشياء الباهظة
الثمن" وزارا مزرعة سيف قرب طرابلس حيث قدم لنمر صغير أبيض اللون في قفصه و"في
المرة الثانية التي شاهدت فيها النمر الأبيض كان على سجادة في مجلس سيف الإسلام".
ولكن
الاهتمامات السياسية اختلطت مع التصرفات القذرة، ففي صيف 2009، حجز زواوي يختا طوله
61 قدما بقبطان ومساعدين بكلفة 55.400 دولار، ثم ربطت شركة تأجير اليخت زواوي بوكالة
تأجير فتيات متعة. وفي الرسالة الإلكترونية صور لفتيات الوكالة عاريات وفي أوضاع جنسية
فاضحة. وكتب موظف في الشركة "هن جيدات بمفردهن ولو تحدثنا عن زوجي فأنصح بأن تكون
ليوني مع سيلفي أو شانيل أو شانيل مع مارشا".
واختلط
سيف مع النجوم، ففي أيار/ مايو تلقى رسالة إلكترونية تبدو أن مرسلتها عارضة الأزياء
نعومي كامبل بعنوان "غلين ماكسويل صديقة نعومي كامبل ستأتي إلى ليبيا". ووصفت
الرسالة ماكسويل بأنها صديقة "عظيمة" تريد زيارة ليبيا على متن سفينتها للمتعة
في أيلول/ سبتمبر. وطلبت من سيف المساعدة حيث أعطته عنوان ماكسويل الإلكتروني ووقعتها
"عناق عناق" و"حب ونور". ورد سيف على ما يبدو "أهلا نعومي،
صديقتك مرحب بها في ليبيا، من فضلك أخبريها بالاتصال مع محمد" ذراعه الأيمن، ولا
يعرف إن تمت اتصالات أخرى فيما بعد.
وقال
متحدث باسم كامبل إن "كامبل لا تتذكر تبادل الرسائل الإلكترونية المزعومة، لأن
الغارديان لم تقدم لها نسخة من التبادل المزعوم أو توفر لها أدلة حول صحتها وهي ليست
في وضع للتعليق".
وكان
سيف على علاقة مع صناع السلطة في العالم، فمؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي، كلاوش
شواب دعا شخصيا سيف لحضور المنتدى السنوي في دافوس في كانون الثاني/ يناير 2011، ووصفه
بأنه "شخص محب لبناء الجسور والحوار". ولم يرد لا سيف الإسلام ولا فيصل زواوي
على طلب للتعليق. لكن المنتدى الاقتصادي العالمي، قرر قطع علاقاته مع سيف عندما تعهد
بالقتال ولآخر رصاصة.
وبدأ
زواوي بعد ذلك بشراء الخوذ والسترات والعربات المصفحة من مجموعة بن جبر الإماراتية. وقدمت
له الشركة 120 عربة بمبلغ 23.8 مليون يورو. ومع تزايد العنف بدأ بالبحث عن شراء شقق
وسط لندن ولاحقا في دبي. وبعد أيام قليلة من وصول العرض من مجموعة بن جبر غير زواوي
ولاءه وتحول لشاهد يتعاون مع محكمة الجنايات الدولية في هيغ. وطور علاقات مع المجلس
الوطني الانتقالي الذي سيطر على طرابلس بعد الثورة.
وكان
زواوي هو من كشف عن مكان سيف الإسلام وأخبر عضوا بارزا في المجلس أن نجل الديكتاتور
بات قريبا من حدود النيجر وبحاجة لطبيب كي يعالج يده المصابة. ووصل ثوار الزنتان إليه
أولا واحتفظوا به كرهينة ثمينة.
ولم
يكشف عن طبيعة الصفقة مع سجانيه السابقين، لكن نجل الديكتاتور سيء السمعة حر الآن لكي
يترشح للرئاسة، ولم تعد ملاحقة الجنائية الدولية عقبة له وفتحت محكمة ليبية له المجال
للترشح بداعي أنه بدون سجل جنائي.