لم أشعر بالقلق من انسداد أفق الحل للأزمة والحرب اللتين تعصفان باليمن أكثر من الآن، وبالأخص بعد أن وقفت فيها على الجزء الخاص باليمن في البيان المشترك الصادر عقب اجتماعات الرئيس الأمريكي جو بايدن مع العاهل السعودي وولي عهده الجمعة الماضية في مدينة جدة.
ومرد ذلك إلى أن الجانبين خاضا في الشأن اليمني فيما رئيس هذا البلد وهو الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي، يتواجد بالقرب من قاعة الاجتماع، وكان يفترض أن يتم التعامل معه كرئيس لا كطرف من أطراف الصراع.
أما السبب الآخر لهذا الشعور بالقلق فلأن اهتمام الجانب الأمريكي تمحور بشكل رئيس حول الهدنة، والرغبة في تحويلها إلى اتفاق دائم، وتحدث الرئيس جو بايدن على وجه الخصوص عن ضرورة "تثبيت وتعميق الهدنة" على حد تعبيره.
لكن بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لم يعدا بإجراءات من شأنها أن تجبر الطرف الرافض لإيقاف الحرب وهو جماعة الحوثي على القبول بالذهاب إلى تسوية سياسية تنهي هذه الحرب بأسرع وقت ممكن.
واكتفيا عوضاً عن ذلك بدعوة المجتمع الدولي إلى "اتخاذ موقف موحد يطالب الحوثيين بالعودة إلى محادثات السلام تحت رعاية الأمم المتحدة، بناء على المرجعيات الثلاث بما في ذلك قرار مجلس الأمن رقم (2216)" الصادر في الخامس عشر من نيسان/ ابريل 2015، مع التأكيد على أن "الاتفاق السياسي، بين الأطراف اليمنية هو الكفيل بحل النزاع بشكل دائم".
لا يمكن لدولتين تمتلكان الكثير من الأدوات والإمكانيات لتحقيق نهاية سريعة وأخلاقية للحرب، أن يحيلا موضوع تطويع الحوثيين للسلام إلى المجتمع الدولي الذي يشتبك في أكثر من ساحة صراع.
اللافت أن الجزء الخاص باليمن احتل جزءا مهماً من البيان الختامي المشترك، ومعظمه ذهب إلى تبادل عبارات الثناء والمجاملة بشأن دور البلدين والقيادتين في تحقيق الهدنة اليمنية، إلى جانب التأكيد على دعم مجلس القيادة الرئاسي الجديد الذي يمثل الشرعية اليمنية وهو محصلة عملية انتقال قسرية أجرتها الرياض، لإنتاج هذه الصيغة الجماعية من القيادة فجر السابع من نيسان/ ابريل الماضي.
لا يمكن لدولتين تمتلكان الكثير من الأدوات والإمكانيات لتحقيق نهاية سريعة وأخلاقية للحرب، أن يحيلا موضوع تطويع الحوثيين للسلام إلى المجتمع الدولي الذي يشتبك في أكثر من ساحة صراع.
ولست بحاجة إلى التذكير بأن الجميع يعلم جيداً أن إخضاع جماعة متمردة ومسلحة تتوسل مشروعاً سياسياً عنيفاً وذي صبغة طائفية، وتقامر بمصير شعب بكامله وترتهن لمشروع إقليمي موتور، تديره بعناد شديد حكومة الولي الفقيه الإيرانية من طهران، لا يمكن أن يتم عبر الدعوات السياسية، بقدر ما يحتاج إلى قوة ضغط هائلة عسكرية ومادية تنتج سلاماً يقوم على فكرة إخضاع جميع الأطراف للقواعد التي صاغها المجتمع الدولي كمرجعيات للسلام في إطار توافق نادر لم يتوفر كما توفر لعملية الانتقال السياسي في اليمن.
ودعونا نكون صريحين في تفسير أسباب هذه الليونة البادية في الخاطبين السعودي والأمريكي تجاه الحوثيين، الذين يعتبرون ضمن الأدوات الإيرانية الخطيرة في المنطقة ومع ذلك لم يشر إليهم "إعلان القدس" على سبيل المثال رغم خطورتهم المفترضة على الأمن الإقليمي وعلى حليف بحجم السعودية.
كل المؤشرات تؤكد أن واشنطن على الرغم من غياب التوافق بين الحزبين الرئيسيين حول الموقف من الحرب السعودية في اليمن، فإنهما متفقان على استثمار هذه الحرب من أجل الوصول بالمملكة إلى مرحلة الانكشاف الاستراتيجي أمام إيران التي مهدت للوصول إلى ما تخطط له الإدارة الأمريكية ويتمحور حول تأسيس منظومة عسكرية موحدة تجمع الكيان الإسرائيلي مع دولة المنطقة وعلى رأسها السعودية.
أما الدوافع السعودية من استمرار الحال على ما هو عليه في اليمن فيتصل برغبة المملكة في إبقاء هذا البلد فناءً خلفياً للهيمنة السعودية التي تأخذ من اليمن سيادته وكرامته وتكرس بؤسه الاقتصادي وضعفه السياسي وتسلبه مزاياه الاستراتيجية، وتمنحه في المقابل مجالاً ضيقاً للتنفس عبر آلاف اليمنيين الذين يعملون في ظل قوانين الهجرة المجحفة والمعاملة الظالمة والتضييق الذي لا يحتمله بشر.
وربما أغرتها ظروف الانكسار اليمني في هذه المرحلة على إحكام القبضة على البلاد عبر خطة تهدف إلى إحياء المشاريع السياسية الميتة، ومنها المشروع الإمامي الشيعي الذي يعمل الحوثيون بدأب لتكريس أبرز ملامحه على الأرض، رغم أنهم يقومون بكل ذلك تحت علم الجمهورية اليمنية.
وخطة كهذه ليست إلا وصفة للانقسام السياسي والجغرافي وتكريس لصراع من المقرر أن يستمر طويلاً على الساحة اليمنية، قبل أن يستعيد اليمنيون وعيهم ويستجمعون قواهم ويعيدون بناء دولتهم الموحدة على أسس متينة.
إذا تأكد الأمريكيون من أن الحوثيين ملتزمون بالهدنة فهذا يكفي للتأكد من أن اليمن يتكرس كمساحة لنفوذ إيراني غير قابل للنقاش، ولن يكون جزءا من مخطط احتواء إيران، والأخطر أن الأمريكيين ربما يرغبون في إبقاء السعودية تحت التهديد لأطول فترة ممكنة.
لقد كان الرئيس بايدن على ما يبدو بحاجة ماسة إلى غطاء أخلاقي لزيارته إلى المملكة، التي من الواضح أنها تهدف إلى استعادة هذه الدولة الغنية بمواردها والمهمة على الصعيد الجيوسياسي والقيادي على مستوى العالم الإسلامي.
وقد مثلت القضية اليمنية وعلى وجه الخصوص الهدنة، ذلك الغطاء الذي تدثر به بايدن ليثبت أن زيارته ذات جدوى بالنسبة للسلام في المنطقة، فلطالما تفاخر هذا الرئيس بالهدنة اليمنية التي قال إنها وفرت هدوءا لم ينعم به اليمنيون منذ أكثر من 7 سنوات.
وعلى الرغم من الثناء الأمريكي على قبول السعودية بتمديد الهدنة، فإن ذلك قد لا يضمن التزام الحوثيين بها، بل قد يغريهم ذلك إلى الذهاب باتجاه خلط الأوراق على المهمة الأمريكية الجديدة في المنطقة وهذا إن حدث فإنه سيكون مرتبطاً بالأجندة والأولويات الإيرانية.
ومع ذلك سيحدث ذلك أيضاً إذا شعر الحوثيون ومن ورائهم إيران بالطبع أن الهدنة تحد من طموحهم في الحسم العسكري الذي يمكنهم على الأقل من السيطرة على شمال اليمن بموارده الاقتصادية النفطية والبشرية، أما إذا تأكد الأمريكيون من أن الحوثيين ملتزمون بالهدنة فهذا يكفي للتأكد من أن اليمن يتكرس كمساحة لنفوذ إيراني غير قابل للنقاش، ولن يكون جزءا من مخطط احتواء إيران، والأخطر أن الأمريكيين ربما يرغبون في إبقاء السعودية تحت التهديد لأطول فترة ممكنة.
فائض أمريكي بتجارتها مع العرب للعام السادس
تاريخ الانتصارات العربية بين محمد صلاح وأنس جابر
زيارة بايدن إلى السعودية.. العامل الإسرائيلي