سعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى التركيز على ما يتعلق بالرصاصة التي قتلت الصحفية الفلسطينية-الأمريكية شيرين أبو عاقلة، أثناء تغطيتها اقتحام قوات الاحتلال مخيم جنين، في مماطلات منها لحرف القضية من المطالبات بالمحاسبة إلى التشكيك بهوية القاتل.
وتبرز "عربي21" في هذا التقرير، محاولات الاحتلال الإسرائيلي لحرف الاهتمام إلى الرصاصة، وتسليط الضوء عليها، وإجراءات تحقيقات لم يعلنها على الملأ، بالإضافة إلى تدخل أمريكي اتهم بأنه منحاز للإسرائيليين بحسب ما أكدته السلطة الفلسطينية.
وسببت الرصاصة التي قتلت بها أبو عاقلة خلافا بين السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال للتحقيق فيمن أطلق عليها الرصاص، لتُجر القضية إلى جدل بينهما حول تسليمها وهوية من أطلقها، وسط اتهامات ناشطين بأن الاحتلال يسعى إلى ململة الجميع من أخبار وأنباء قضية الاغتيال وتطوراتها.
ورفضت السلطة الفلسطينية تسليم الرصاصة للجانب الإسرائيلي، حيث صرح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، بأن "إسرائيل طلبت تحقيقا مشتركا وتسليمها الرصاصة التي اغتالت الصحفية شيرين، ورفضنا ذلك".
ولاحقا وافقت السلطة على تسليم الرصاصة لوسيط أمريكي مشارك في التحقيقات الإسرائيلية، مع ضمانات إعادة الرصاصة إليها، الأمر الذي حصل، إلا أن التقرير الذي صدر عنه حاول تبرئة الإسرائيليين مع هامش ضئيل لاحتمالية مسؤولية الاحتلال عن الجريمة.
ليأتي الاحتلال بعد ذلك بروايات عدة بشأن اغتيال شيرين أبو عاقلة، فقال إنها قتلت برصاص مسلحين فلسطينيين، وفي اليوم ذاته قال أيضا إنه لا يمكن تحديد مصدر إطلاق النار، ثم كشف مسؤول إسرائيلي بأنها قد تكون أصيبت برصاص إسرائيلي، وبعد إعلانه لاحقا، رفض فتح تحقيق جنائي في ظروف الاغتيال.
وأوضح الجيش الإسرائيلي في بيان له، أن "التحقيقات الإسرائيلية خلصت بوضوح إلى أن أبو عاقلة لم يطلق عليها النار عمدا من قبل جندي إسرائيلي، وإلى أنه من غير الممكن تحديد ما إن كان قد أطلق عليها مسلح فلسطيني بشكل عشوائي، أو على يد جندي إسرائيلي بدون قصد".
جدل الرصاصة
وللحديث عن "المماطلة" الإسرائيلية، صرح الكاتب والمحلل السياسي، ساري عرابي، لـ"عربي21"، بأن "ما يخشى منه الاحتلال أن تفضي أي تحقيقات جادة ونزيهة إلى استخدامها ضده في المحافل الدولية قانونيا وقضائيا، وأن تحرجه إعلاميا ودعائيا ما ينعكس عليه سياسيا".
ولفت إلى أن الاحتلال "حرص تاريخيا على صورته الإعلامية، بالتالي، فإنه يماطل ويطيل في أمد القضية بهدف قتلها".
وأوضح أن "أهمية الرصاصة تكمن في أنها الدليل الوحيد الذي يمتلكه الفلسطينيون، ومن خلالها يمكن كشف البندقية التي خرجت منها، وهذا يحتاج إلى طرف ثالث نزيه، لأن الاحتلال قد يزعم بأن الرصاصة لم تتطابق مع أي من بيانات البنادق في الحملة على مخيم جنين، في ذلك الوقت".
وقال إن "الاحتلال يزعم بأن الرصاصة مشوهة، بقدر يجعل مهمة المطابقة غير ممكنة"، وأما عن تسليمها للاحتلال، فاعتبر أنه "طمس آخر للأدلة التي يمتلكها الفلسطينيون".
وشدد عرابي على أنه "لا توجد ثقة في المنظومة الدولية حول محاسبة إسرائيل".
اقرأ أيضا: محامون عن عائلة أبو عاقلة يطالبون بتحقيق مستقل وتسليمهم الرصاصة
أين المحاسبة؟
من جانبه، علق مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، المحامي راجي الصوراني، لـ"عربي21"، بشأن درجة الاستجابة الدولية لاغتيال أبو عاقلة، بأن "قضية بهذا الحجم والنوعية كانت تستوجب تحركا مباشرا وفوريا من المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية وفريق التحقيق".
وانتقد أن المدعي العام للجنائية الدولية "لم يحرك ساكنا، سواء فيما يخص هذه القضية أو غيرها من الجرائم الكبرى التي ارتكبها الاحتلال، علما بأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يعد من أكثر الصراعات توثيقا في العصر الحديث".
وأضاف أن هناك قرارا في محكمة الجنايات الدولية منذ أيار/ مايو 2021 في فتح تحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وحصار غزة والاستيطان والأبارتهايد (نظام الفصل العنصري).
وقال: "على عكس ذلك تماما، في أوكرانيا التي تعرضت لغزو من القوات الروسية، قام المدعي العام وخلال بضعة أشهر فقط، بزيارتها ثلاث مرات، معتبرا أن كل أوكرانيا مسرح للجريمة، وطلب من الدول دعم كييف ماليا، لعدم وجود ميزانية لها".
وأشار كذلك إلى أن المدعي العام "قام بتشجيع التبرعات، وتم جمع ملايين الدولارات لذلك، وطالب الدول بإرسال محققين للمساعدة في التحقيق، وتم بالفعل إرسال ٤٣ محققا وخبيرا لأوكرانيا، بعد أقل من شهر من اندلاع الصراع".
وتساءل الصوراني حول "الاستقلال والتسييس والانتقائية التي يمارسها المدعي العام للمحكمة الجنائية تجاه الموضوع الفلسطيني بما فيه قضية شيرين".
وقال إن "القاعدة القانونية تقول إن العدالة المتأخرة هي عدالة منكرة، ويجب ألا يكيل من يمثل ضمير العدالة الدولية بمكيالين".
وأضاف: "إذا كان أمثالنا من المحامين يشعرون بالسخط والغضب من ذلك، فأي رسالة نوجهها للضحايا الذين نمثلهم ونقابلهم يوميا؟".
وأشار إلى ما أكده شهود عيان حضروا حادثة مقتل أبو عاقلة، من مسؤولية الاحتلال عن الاستهداف بشكل متعمد للصحفيين، رغم أنهم يرتدون الزي الصحفي.
أمريكا تحقق ثم تنحاز
ومع التركيز على موضوع الرصاصة، برز في التغطيات الإعلامية التفاعل مع التقرير الأمريكي الذي يحاول التشكيك بهوية القاتل بعد فحصها، ما شكل "صدمة" بالنسبة لعائلة شيرين أبو عاقلة وبين الأوساط الحقوقية والإعلامية.
كذلك ركز التقرير الأمريكي على التحقيقات بشأن الرصاصة، دون التطرق إلى أهمية محاسبة القاتل، وجاء فيه أن المحققين الأمريكيين والإسرائيليين "لم يتمكنوا من التوصل لنتيجة لتحديد أصل الرصاصة التي أطلقت باتجاه شيرين أبو عاقلة بسبب تلفها".
واكتفى التقرير بالترجيح فقط بأن تكون الرصاصة أطلقت من مواقع الجنود الإسرائيليين "لكن بشكل غير متعمد".
في المقابل، ردت النيابة العامة الفلسطينية، في بيان، بأن الرواية الأمريكية "غير صحيحة"، معبرة عن استغرابها مما ورد في التقرير الأمريكي.
وأكدت أن "استهداف أبو عاقلة، وفقا للأدلة والبينات القاطعة، كان بشكل متعمد، ومن غير المقبول ما ورد من تصريح الجانب الأمريكي بعدم وجود أسباب تشير إلى أن الاستهداف كان متعمدا".
ودعت عائلة أبو عاقلة محكمة الجنايات الدولية لاتخاذ "إجراءات فورية"، معبرة عن "عدم تصديقها للبيان الأمريكي".
وتلقت العائلة دعوة من وزير الخارجية الأمريكي لزيارة واشنطن ولقائه هناك، وطالبت بلقاء بايدن أثناء زيارته للأراضي الفلسطينية، لكن لم يتم الرد عليها، واكتفت الإدارة الأمريكية بدعوتها لواشنطن متجاهلة ترتيب لقاء يجمعها مع بايدن الذي زار تل أبيب، رغم أن القتيلة شيرين تحمل الجنسية الأمريكية.
اقرأ أيضا: بعد تجاهل طلبها لقاء بايدن.. دعوة عائلة شيرين لزيارة واشنطن
يشار إلى أن صحفية "الجزيرة" شيرين أبو عاقلة التي تحمل الجنسيتين الفلسطينية والأمريكية، اغتيلت بإطلاق النار عليها من قوات الاحتلال الإسرائيلي التي كانت تنفذ اقتحامات في مخيم جنين، يوم 11 أيار/ مايو 2022، ما أثار صدمة شعبية وحقوقية ودولية، لا سيما أنها تعد من بين أبرز الوجوه الإعلامية العربية المخضرمة.
سجن أريحا.. "مركز تعذيب" وكابوس للمعتقلين تديره السلطة