بالتزامن
مع زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة، أكدت مواقع صحفية عالمية وإسرائيلية
أن تل أبيب وافقت على معايير تسليم مصر جزيرتي "تيران وصنافير" الاستراتيجيتين
بالبحر الأحمر، إلى السعودية.
تلك
المواقع، أكدت أن الاتفاق يمنح إسرائيل حرية الملاحة بمضيق "تيران" الذي
تحول رسميا ليصبح مضيقا بحريا دوليا، وهو ما اعتبره مراقبون مصريون يوما أسود جديدا
في تاريخ العرب، لا يقل عن نكسة 5 حزيران/ يونيو 1967.
"بنود
الاتفاق"
موقع
"أكسيوس" الأمريكي ذكر بنود الاتفاق الذي جرى الخميس، وأشار إلى أنه يمثل
مكسبا لإدارة بايدن، ويحمل من المكاسب الكثير لإسرائيل، مبينا أن الاتفاقية تتيح إبرام
اتفاقية منفصلة مع السعودية تسمح لشركات الطيران الإسرائيلية باستخدام مجال المملكة
الجوي.
وعن ما
يخص مصر في الصفقة، فإنها تشمل وفقا للموقع الأمريكي، نقل قوات متعددة الجنسيات من
المراقبين حاليا في "تيران وصنافير" وفقا لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية
1979، إلى مواقع جديدة في سيناء المصرية، وتركيب كاميرات لمراقبة النشاط على الجزيرتين
ومضيق تيران، مع تجريدهم من السلاح.
ويبدو
أن السعودية وفق تلك الصفقة التي رعى بنودها بايدن لعدة أشهر، ستحل محل مصر في ما يخص
الجزيرتين منزوعتي السلاح وفقا لاتفاقية "كامب ديفيد"، حيث تتعهد الرياض
لواشنطن بالحفاظ على حرية الملاحة في مضيق تيران للسفن الإسرائيلية.
"قصة
تيران"
وتمثل
جزيرتا تيران وصنافير وخاصة مضيق تيران في العقل الجمعي المصري، منطقة استراتيجية في
مدخل خليج العقبة بالبحر الأحمر، وتاريخية، إذ إنها كانت شاهدة على الصراع المصري مع الكيان
الإسرائيلي المحتل، وأريقت على أراضي الجزيرتين دماء الكثير من جنود مصر.
وخاضت
المعارضة المصرية معركة خاسرة مع رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، منذ الإعلان عن اتفاقية
ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية في نيسان/ أبريل 2016، والتي جرى بمقتضاها
تنازل القاهرة عن جزيرتي "تيران وصنافير".
وعلى
الرغم من الغضب الشعبي والتظاهرات ضد الاتفاقية، وخوض معركة قضائية في محكمة القضاء
الإداري الذي قضى بأحقية مصر في الجزيرتين؛ فإن البرلمان المؤلف من نواب مؤيدين
للسيسي أقروا الاتفاقية في حزيران/ يونيو 2017، لتنتقل تبعية الجزيرتين إلى الرياض.
ورغم
أن هذا التوجه كان حلما إسرائيليا صعب المنال، ويحقق طموحات إسرائيلية بأن يصبح مضيق تيران
ممرا ملاحيا دوليا بعدما كان على سفن الاحتلال طلب الإذن من السلطات المصرية للمرور به، إلا
أنها رغبت في فرض شروطها على السعودية المالك الجديد للجزيرتين وضمان حرية الحركة في
المضيق، واستمرار نزع سلاح الجزيرتين، ومراقبتهما بإشرافها وبمتابعة دولية من سيناء.
اقرأ أيضا: الاحتلال يوافق على اتفاق تيران وصنافير بين مصر والسعودية
"فخ
أمريكي"
وفي
تعليقه على الاتفاق، قال المؤرخ والأكاديمي المصري الدكتور عاصم الدسوقي، إن
"ما يجري يأتي وفق عمل التحالف الأمريكي الإسرائيلي الذي يعمل لصالح تل أبيب أساسا".
الدسوقي،
أكد لـ"عربي21"، أن "واشنطن تعمل على هذا الأمر من خلال الحديث عن المبادئ
الدولية مستخدمة العبارات الرقيقة البراقة حتى يقع العرب في الفخ دون دراية".
"مؤامرة
السيسي"
من جانبه،
قال الناشط والمعارض المصري حسن حسين، إن "اليوم الأكثر سوادا في تاريخ العرب
الحديث هو يوم تولي السيسي حكم مصر"، مضيفا أن "ذلك اليوم يستحق أن يكون يوم عيد
رسمي يحتفل به الموساد سنويا".
الكاتب
والصحفي أكد لـ"عربي21"، أن "ما تلا ذلك كله مجرد تفاصيل للمؤامرة الصهيونية
التي ينفذها السيسي ونظامه بنجاح، في غياب واضح وفاضح للشعب وحركته الوطنية".
وأشار
إلى أن "خسارة مصر مضيق تيران خسارة استراتيجية بامتياز، وتمنح العدو الصهيوني
وضعا جغرافيا متميزا، سبق لمصر أن استخدمته لخنق الكيان في العصر الناصري، وكان أحد
الأسباب والمبررات لعدوان 1967".
"خسائر
هنا ومكاسب هناك"
وفي
رؤيته، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير عبدالله الأشعل: "ليس يوم
15 تموز/ يوليو 2022، هو اليوم الأسود وحده بل إنه كذلك يوم تسليم تيران وصنافير للسعودية
7 نيسان/ أبريل 2016، يوم زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز، للقاهرة ولقاء السيسي".
وعن
الضرر المحتمل على مصر وخسائرها هي والعرب، أكد لـ"عربي21"، أن "الضرر
مزدوج؛ باقتطاع قطعة أرض من تراب الوطن المصري، وثانيا أن هذه القطعة سوف تذهب الفائدة
منها لإسرائيل التي حتى توافق على التسليم للسعودية فقد جعلت الرياض محل القاهرة في معاهدة
كامب ديفيد".
وتساءل
السياسي المصري: "هل تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل مصلحة للوطن المصري
يضر به أم إنه مصلحة للحاكم؟"، مجيبا بقوله: "لا مصلحة لوطن في بيع أرضه
التي يستفيد بها عدوه الأزلي".
وأشار
إلى أن "مكاسب إسرائيل لا حصر لها، لكن مصر خاسرة على طول الخط، حاضرها ومستقبلها،
وماضيها، وأرضها، وموقعها الاستراتيجي.. وقناة السويس وسيناء أصبحتا معرضتين للخطر"،
معلنا تعجبه من صمت الخبراء الاستراتيجيين المصريين عن ما يحدث.
وألمح
إلى أن "هناك فرقا بين حسابات الوطن وحسابات السلطة، والسلطة المفروض أن تتولى
مصالح الوطن، ولكن حدث انفصام بين الاثنين، ومصر هي التي تدفع الثمن غاليا من أبنائها وسمعتها
وكرامتها وكل شيء".
وقال إن
"مصالح مصر مهدرة في كل مكان، وأصبحت خارج دائرة القوى الإقليمية، ويكفي أن إسرائيل
كانت تخصص مبالغ طائلة لحماية الحدود من جانب مصر، والآن توفر 70 بالمئة من ميزانية
تلك الحماية وتحافظ فقط على 30 بالمئة تحسبا لوجود بقايا وطنية لدى حكام مصر".
"يوم
فرح إسرائيلي"
وعن
مكاسب إسرائيل، فقد لفت الأشعل، إلى أنها "كانت تحلم بتطبيع العلاقات مع السعودية
وهو ما تحقق، كما أنها ضمنت حرية الملاحة في مضيق تيران وما يتبع ذلك من مكاسب سياسية
واقتصادية واستراتيجية".
وقال
المرشح الرئاسي الأسبق، إن "اليوم يوم فرح في إسرائيل؛ لأن نظرية رئيسة وزراء
الكيان السابقة غولدا مائير، تحققت عندما قالت: (يوم من الأيام أولادنا سوف يحكمون
الدول العربية وسيستقبلون جيش الدفاع بالزهور)".
وتابع:
"قالت أيضا: (من يملك مصر يملك المنطقة العربية)"، موضحا أنهم "بالفعل
ملكوا مصر ثم ملكوا المنطقة العربية كلها، بعدما فقدت القاهرة عجلة القيادة حين أخرجها
الرئيس أنور السادات من القيادة منذ كامب ديفيد".
"تمكين
الاحتلال"
من جانبه
اعتبر الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية الدكتور السيد أبو الخير، أن
"هذا يوم فارق في حياة الأمة، وفي هذا اليوم تمكن الاحتلال الصهيوني من العربدة
والتمكين في المنطقة".
وفي
حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى أن "الاحتلال حقق مكاسب كثيرة بهذا الوضع،
كأن أصبح له حق المرور بالممرات الدولية وحرية الحركة فيها، وتخلص من حصار كان قائما
عليه"، موضحا أن الوضع السابق كان "يفرض قيودا على حركته ويؤثر على قواته
ويحد من قوتها".
وعن
خسائر مصر وفلسطين والسعودية والعرب من الاتفاق الإسرائيلي السعودي حول "تيران
وصنافير"، أكد الأكاديمي المصري، أن الاتفاق "يمثل تهديدا للأمن القومي العربي
وخاصة مصر، إذ إن ذلك الوضع فيه تمكين لقوات الاحتلال ويمنحها إمكانيات تهديد أمن الدول
العربية".
ويعتقد
أن "السعودية سوف تتخلص من مشكلة دستورية كبيرة لديها، وهي أن الدستور السعودي
يقول إن المُلك لأولاد عبد العزيز وآخرهم سلمان، لذلك يريد أن يكون المُلك بذريته هو
وابنه محمد"، مضيفا: "ولذلك تم شراء الجزيرتين من قبل آل سعود لإهدائهما
لقوات الاحتلال ليصبح لها منفذا بحريا مهما".
"مصير
تلك الاتفاقيات"
وفي
إجابته على تساؤل "عربي21"، حول وضع تلك الاتفاقيات في القانون الدولي، وهل
يمكن لمصر لاحقا التخلص منها، قال الأشعل: "ليس هناك إرادة مصرية لتغيير هذا الواقع،
رغم أنه لا يوجد شيء اسمه معاهدات دولية دائمة".
وأكد
أن "هناك ما يسمى تغير جوهري في الظروف، ولكن بدون وجود إرادة مصرية فإن القانون
الدولي لن يفعل شيئا".
وجزم
الأشعل، بأن "مصر رغم ذلك بها كل مقومات القوة والعظمة التي يجري تبديدها بفعل
فاعل؛ لكن في يوم من الأيام سيأتي من يسترد لمصر ممتلكاتها وأموالها وأصولها التي سيطرت
عليها دول أخرى، ويدرس وضع القروض، وكيف أنها لم تكن لصالح المصريين ويقرر ألا يدفعها".
من
جهته قال أبو الخير: "موجود بالقانون الدولي قاعدة الدين المقيت؛ وهي بطلان كافة
الاتفاقيات التي يبرمها مغتصب السلطة المنقلب وخاصة الاتفاقيات المالية"، موضحا
أن "هذه الاتفاقيات يمكن لمصر عدم الالتزام بها وإبطالها لكونها صادرة من مغتصب
سلطة منقلب".
ولفت
ثانيا إلى أنه يمكن التخلص منها كونها "تمثل خيانة عظمى للتفريط في الأرض بدون
إجراء استفتاء من الشعب طبقا لحق تقرير المصير".
هل تصمت القاهرة على حرق الاحتلال 20 جنديا مصريا عام 67
خبراء يعددون أسباب سيطرة العسكر على الحكم بعد الربيع العربي
الذكرى التاسعة لـ"30 يونيو".. ماذا جنى المصريون منها؟