لُوحظ خلال الفترة الماضية فرْملة عربية للتطبيع مع نظام الكبتاغون الأسدي، لا سيما بعد أن ظهر على السطح حجم المنتوج الكبتاغوني المصدَّر إلى دول الجوار والخليج العربي، والتي درّت على النظام بحسب مصادر غربية أكثر من خمسة مليارات دولار سنوياً، فضلاً عن الكميات المُرعبة التي تمت مصادرتها، مما يعكس حجم الجهود التي تبذلها دول الجوار في ضبط هذا التهريب الخطير الذي يفتك بالبشر، يضاف إليه حجم الانتهاكات الخطيرة على الجبهة الأردنية، المتمثلة في اقتراب المليشيات الإيرانية من حدوده، بينما كانت تنص اتفاقيات 2018 على ابتعادها عنه لمسافة 30 كم، الأمر الذي يهدد الأمن الأردني وهو ما دفع مسؤولين أردنيين إلى إطلاق تحذيرات بشأنه.
على الرغم من النفي الأردني للسعي إلى إقامة منطقة آمنة على حدوده، لكن التقارير الصحفية تحدثت عن لقاءات في الإمارات بهذا الخصوص، وهي الدولة التي توسطت لمصالحة الفصائل السورية عام 2018 مع الروس، مقابل ابتعاد المليشيات الإيرانية مسافة 30 كم عن الحدود الأردنية، لكن هذه المليشيات لم تلتزم بذلك. ويبدو أن النفي الأردني السريع له علاقة بالتهديدات الروسية، ومخاوف الأردن من أن يكون هدفاً للانتقام الروسي هذه الأيام، تماماً كما فعل في الشمال السوري حين استخدم حق الفيتو لوقف قافلات
المساعدات الدولية لأكثر من أربعة ملايين سوري محاصر، مهددين اليوم بالجوع، لا سيما مع حلول فصل الشتاء المقبل.
يترافق ذلك مع الإصرار التركي في المطالبة بمنطقة آمنة بعمق 30 كم على طول الحدود، وهو ما يعني حشر النظام السوري داخل سوريا بعيداً عن الحدود الدولية، وإن كان عنوان العملية التركية قتال مليشيات قسد الكردية، أما في جوهرها، فهي حقيقة لحصر النظام السوري داخل سوريا
يترافق ذلك مع الإصرار التركي في المطالبة بمنطقة آمنة بعمق 30 كم على طول الحدود، وهو ما يعني حشر النظام السوري داخل
سوريا بعيداً عن الحدود الدولية، وإن كان عنوان
العملية التركية قتال مليشيات قسد الكردية، أما في جوهرها، فهي حقيقة لحصر النظام السوري داخل سوريا، وإبعاده عن الحدود التركية، تماماً كبعده عن الحدود الأردنية، وهو ما يعكس نظرة دول الجوار لنظام لم يقدر أحد على التعامل معه، ليس بسبب أنهار الدماء السورية التي غرق بها فحسب، وإنما بسبب سياساته التي تنعكس سلباً بشكل خطير على دول الجوار الأقرب والأبعد.
من الواضح تماماً أن زاوية الانفراج الروسي مع الغرب تزداد فرجة، ليس على مستوى أوكرانيا، ونقاط ذات تماس بعيدة عن الشأن السوري فحسب، بل اقترب هذا الافتراق من النقطة السورية التي شكلت لعقد كامل نقطة التقاء واتفاق بين الطرفين، لكن هذه المرة ومع استخدام
روسيا للفيتو في سوريا، بدا أن الطرفين على جانبي نقيض تماماً، حتى في الملف الذي طالما اتفقوا عليه ونسقوا بشأنه، مما سينعكس إيجاباً على الثورة السورية، وهو ما يحتم على الأخيرة الاستفادة من هذه الصدوع والشروخ التي بدأت تظهر في الساحة الدولية فيما يتعلق بقضيتها.
حجم التناقضات الدولية والإقليمية التي ظهرت، إن كانت بتوجه بايدن للمنطقة، أو بإطلاق عملية عسكرية تركية في شمال سوريا، أو بحجم انعكاسات الحرب الأوكرانية على الثورة السورية، كلها تطورات ذات أهمية ودلالة عميقة ينبغي أخذها بعين الاعتبار في تحليل الواقع السوري، ومصير هذا النظام الذي بات شيئاً من التاريخ، ولا يمكن له الصمود أمام إصرار شعبي عارم رافض العودة إلى قمقمه، فضلاً عن رفض إقليمي للتأقلم مع والتماهي معه في ظل إصراره على قتال جيرانه، تماماً كقتال شعبه بطريقة أو بأخرى، إن كان في محاربتهم بأمنهم عبر تحريك المليشيات الطائفية ضدهم، أو عبر تحريك مليشيات التهريب المستهدفة لعقول أبنائهم ونسيجهم الاجتماعي.
حجم التناقضات الدولية والإقليمية التي ظهرت، إن كانت بتوجه بايدن للمنطقة، أو بإطلاق عملية عسكرية تركية في شمال سوريا، أو بحجم انعكاسات الحرب الأوكرانية على الثورة السورية، كلها تطورات ذات أهمية ودلالة عميقة ينبغي أخذها بعين الاعتبار في تحليل الواقع السوري
وقد عكست تصريحات الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط الأخيرة مدى الشقة بينهم وبين النظام السوري، حين تم استبعاده من اجتماعات وزراء خارجية الدول العربية، الأمر الذي يشي بأنه لا يزال بعيداً جداً عن دائرة إعادة العلاقات مع الجامعة والدول العربية بشكل عام.
لم تُفلح زيارة رأس النظام السوري بشار الأسد
إلى حلب في شدّ عصب أحدٍ تجاهه، وهي التي أتت بعد سنوات طويلة، وقد قيل يوم استيلاء القوات الروسية عليها عام 2016 بأن موسكو منعته من زيارتها إرضاءً لتركيا، ولكن يبدو أن زيارته الأخيرة أتت رسالةً لتركيا التي اقتربت بالمنظور الروسي أكثر باتجاه الغرب، وهي التي تستعد لعملية عسكرية في شمال سوريا، مما قد يخلط بعض أوراقها. هذه الرسالة، قابلتها
تركيا بتحرك قواتها في المنطقة استعداداً للعملية، حيث تفقّد -في الوقت ذاته- وزيرُ دفاعها قواته على الحدود السورية استعداداً للعملية.
النظام السوري في أضعف حالاته، وكذلك حلفاؤه، وما على الثورة السورية وحلفائها والقوى الحية في العالم العربي والإسلامي إلّا التنبه للحظة الحقيقة، فلحظة الحقيقة هي لحظة الشعوب المصرّة والمستمسكة بحقها في الحرية، ولعل
المثال السريلانكي الذي اقتلع فاسديه ومفسديه رافعة جديدة لكل المظلومين في منطقتنا.