في لقائه مع الإعلاميين عقب افتتاح أحد المشروعات مؤخرا، صرح المشير
السيسي يأن
الحوار الوطني لا يستثني
إلا فصيلا واحدا، قاصدا بذلك جماعة
الإخوان، زاعما أنه عرض على الإخوان من قبل إجراء انتخابات رئاسية مبكرة قبيل انقلابه في 2013 لكنهم رفضوا، وبالتالي لم تعد هناك أرضية للحوار معهم.
وعلى هذه النغمة دندن إعلام النظام، بل إن مجلس أمناء الحوار الوطني في جلسته التأسيسية الأولى أصدر قرارا ضمن عدة قرارات وتوصيات
برفض مشاركة الإخوان في الحوار. لم يكن قرار هذا المجلس سوى رجع صدى لكلام السيسي السابق، وإن حرص هذا المجلس على تسويقه باعتباره قرار ثوري له!!
حين دعا السيسي إلى الحوار الوطني في أمسية رمضانية في نيسان/ أبريل الماضي، حرص على التأكيد أنه حوار شامل لا يستثني أحدا، وأن الخلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية، لكنه تراجع مؤخرا عن تلك الصورة الزائفة التي حاول تغليف الحوار الشكلي بها فأعلن أنه يستثني فصيلا واحدا.
ما هو الجديد الذي أجبر السيسي على تغيير روايته من "حوار شامل لا يستثني أحدا" إلى حوار "يستثني فصيلا واحدا"؟
دعك من محاولته تقزيم حجم هذا الفصيل الذي تمكن من إيصال أول رئيس مدني لسدة الحكم في
مصر، والذي حاز 42 في المئة من مقاعد البرلمان في أول انتخابات نيابية حرة بعد ثورة يناير، ودعك من حديثه عن عرض انتخابات رئاسية مبكرة على الإخوان في 2013، وأنه كان سيحترم خيار الشعب لو جدد الثقة فيهم، أو أنهم سينتقلون للمعارضة ضمن المشهد السياسي الشرعي، إذ أن هذا الكلام يدينه في جملة القضايا والاتهامات التي لفقها لهم عن أحداث سابقة على هذا التاريخ، وحكم على بعضهم بالإعدام والمؤبد فيها، رغم أنه قبِل العمل معهم وزيرا بعد تلك الاتهامات (مثل التخابر مع حماس، واجتياح الحدود، وتحطيم السجون.. الخ)، ودعك من عديد الاتهامات الأخرى التي وجهها للإخوان بشكل إعلامي دون تقديمها في صورة دعاوى قضائية، ولكن دعونا نتساءل: ما هو الجديد الذي أجبر السيسي على تغيير روايته من "حوار شامل لا يستثني أحدا" إلى حوار "يستثني فصيلا واحدا"؟
الجديد الذي دفع السيسي لتغيير موقفه هو موقف الإخوان من الحوار، فحين انطلقت دعوة الحوار تعاطى الإخوان بشكل عقلاني مع الدعوة، وأعلنوا ترحيبهم من حيث المبدأ بفكرة الحوار، لكنهم وضعوا شروطا لجديته تتلخص في ضرورة عودة الحقوق لأصحابها، بما يعنيه ذلك من تفاصيل أخرى مثل وقف أحكام الإعدامات الصورية، وإطلاق سراج السجناء السياسيين، ورد الأموال المغتصبة، وإطلاق الحريات العامة.. إلخ.
هذا الموقف الإخواني أحدث نتيجتين، أولاهما، أنه أعاد الإخوان إلى قلب الحدث، وثانيهما أنه نقل المعركة إلى صفوف النظام وداعميه، حيث تباينت رؤاهم حول دعوة الإخوان للحوار بين مؤيد ورافض أو متحفظ، وسعى بعضهم سواء بقناعة شخصية أو نقلا لرسالة رسمية لوضع شروط لمشاركة الإخوان؛ أهمها الاعتراف بنظام السيسي، والاعتراف بالدستور الحالي، رغم أن بعض من تبنوا هذه الشروط سبق لهم أن أعلنوا انتهاء شرعية السيسي كرئيس بعد أزمة جزيرتي تيران وصنافير، كما أنهم أعلنوا رفضهم للتعديلات التي أدخلها على الدستور في 2019، الأهم من ذلك من وجهة نظري أن النظام نفسه لا يحترم الدستور الذي أقسم على احترامه.
مصطلح الإخوان عند النظام أوسع من مفهومه التنظيمي الضيق، إذ أنه يشمل كل الرافضين للانقلاب العسكري سواء كانوا إخوانا أو غير إخوان. وقد وجه النظام تهمة الانتماء أو التعاون مع الإخوان لعدد كبير من النشطاء اليساريين والليبراليين الذين يقضون حاليا أحكاما بالسجن أو فترات حبس احتياطي، وهذا يعني أن دائرة الاستثناء من الحوار التي أعلنها السيسي ومن بعده مجلس أمناء الحوار تتسع لكل هذا الطيف الواسع
ولعلنا لا ننسى مقولة السيسي عن الدستور" أنه كُتب بحسن نية، وأن الأوطان لا تبنى بحسن النوايا". لقد كان السيسي يضمر منذ كتابة دستوره في 2014 نية تجاهل هذا الدستور، ولكنه ترك الفرصة لحلفائه في معسكر 30 يونيو للفرح بالدستور لبعض الوقت. ولا ننسى انه أجرى تعديلا "خلسة" على النسخة النهائية التي أعدتها لجنة الخمسين، ليحذف منه وصف الدولة بالمدنية، وهو ما تقوم عليه سردية شركائه، إذن ليس مقبولا من نظام لا يحترم الدستور أن يطالب غيره باحترامه!!
منذ انطلقت دعوة الحوار كان السؤال الرئيسي عن مشاركة الإخوان، لم يكن ذلك من باب التعاطف أو الانتماء للإخوان، ولكنه من باب اختبار جدية الحوار. فالحوار وفقا للأعراف السياسية العالمية يجري بين مختلفين، أو متنازعين، ومتصارعين، وليس بين متشابهين، والجميع يعرف أن الأزمة التي تعيشها مصر منذ 2013 هي بسبب الانقلاب على ما وصف بحكم الإخوان.
ومصطلح الإخوان عند النظام أوسع من مفهومه التنظيمي الضيق، إذ أنه يشمل كل الرافضين للانقلاب العسكري سواء كانوا إخوانا أو غير إخوان. وقد وجه النظام تهمة الانتماء أو التعاون مع الإخوان لعدد كبير من النشطاء اليساريين والليبراليين الذين يقضون حاليا أحكاما بالسجن أو فترات حبس احتياطي، وهذا يعني أن دائرة الاستثناء من الحوار التي أعلنها السيسي ومن بعده مجلس أمناء الحوار تتسع لكل هذا الطيف الواسع، بل الأدهى من ذلك أن دائرة الاستثناء تشمل العديد من رموز وقيادات معسكر 30 يونيو الداعم للسيسي، رغم الإعلان المتكرر أن الحوار يستهدف ترميم تلك الجبهة وإحياءها، لكنه في الحقيقة يستهدف إنتاج نسخة منقحة منها تستبعد كل العناصر التي لا تنال رضا النظام لأي سبب.
الحوار الجاري الآن في مصر ليس حوارا جادا، بل مجرد مسرحية هزلية جديدة تغازل أطرافا خارجية، وهذا ما كتبته في هذا المكان وغيره مرات عديدة من قبل، لكنها -مع هزليتها- أوجدت حراكا سياسيا داخليا (لقاءات ونقاشات الأحزاب والحركات السياسية الداخلية) وخارجيا (دعوة الحوار الشعبي التي أعلنت عنها المعارضة الخارجية)
وقد أعلن بعضهم امتعاضه لعدم دعوته مثل النائب محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية (ليبرالي)، وعمرو موسى، أمين عام جامعة الدول العربية والمرشح الرئاسي السابق ورئيس لجنة الدستور السابق. كما أن شخصيات مثل الدكتور محمد البرادعي، رئيس جبهة الإنقاذ السابق، والدكتور علاء الأسواني والدكتور ممدوح حمزة والفنان عمرو واكد وبهي الدين حسن، وعبد الخالق فاروق، لن يكون لهم مقاعد في جلسات الحوار، ناهيك عن شخصيات ليبرالية أخرى كانت أكثر معارضة، مثل الدكتور أيمن نور، أو عبد المنعم أبو الفتوح المحكوم بالسجن المشدد.
الحوار الجاري الآن في مصر ليس حوارا جادا، بل مجرد مسرحية هزلية جديدة تغازل أطرافا خارجية، وهذا ما كتبته في هذا المكان وغيره مرات عديدة من قبل، لكنها -مع هزليتها- أوجدت حراكا سياسيا داخليا (لقاءات ونقاشات الأحزاب والحركات السياسية الداخلية) وخارجيا (دعوة الحوار الشعبي التي أعلنت عنها المعارضة الخارجية). وهذه الجولة الحالية للحوار -وفقا للتجارب العالمية- هي مجرد نسخة تمهيدية مشوهة، ستعقبها جولات أخرى، وكل جولة ستكون أكثر انفتاحا من سابقتها، وصولا إلى حوار حقيقي ينتج شرعية جديدة وخارطة طريق لإنقاذ الوطن بمشاركة كل أبنائه.
twitter.com/kotbelaraby