ما من يوم مضى ويمضي على أسرى
فلسطين في سجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي، إلا ويعيشون مع الأمل في التحرر من قيد السجان، وإذا ما تعرض الأمل لاهتزاز بحكم الانعطافات السياسية العربية والدولية والإقليمية والفلسطينية، فقد بقي الحلم المشروع والشرعي رفيقاً للأسرى والمعتقلين.
مر هذا الأمل في منعطفات ومراحل مختلفة ومهمة، وجلها اقترن بعمليات
المقاومة الفلسطينية التي ارتبط جزء منها بنجاح عمليات أسر جنود الاحتلال وإجراء عمليات التبادل مع الاحتلال وتحرير الأسرى. وهذه من المراحل التي تدفقت فيها الحالة الفلسطينية المقاومة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، ثم أعقبها تدفق لمشاريع سياسية دعت وتبنت إنهاء المقاومة بكل أشكالها وألوانها، وأسقطت قضية الأسرى في فخ أوسلو مع بقية الملفات وأفخاخها المستعصية؛ من الأمن والاستيطان إلى القدس وقضية عودة اللاجئين والمياه والحدود.
استشهاد الأسيرة سعدية فرج الله، في سجون الاحتلال الإسرائيلي نتيجة الإهمال الطبي، يفتح مجدداً قضية التنكيل المستمر بالأسرى، وبعمليات التعذيب المختلفة التي يتعرض لها المعتقلون، ليس أولها الإهمال الطبي، ولا آخرها الظروف القهرية المحيطة بهم، ولا الأساس القانوني والسياسي والأمني الذي يطارد حتى من يتحرر من المعتقل الإسرائيلي، حيث يصبح ضحية التضييق والملاحقة والمراقبة من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية، والتي تصب في نهاية الأمر وعلى ضوء "الخطورة" التي يشكلها الأسير المحرر، حسب التقييم الصهيوني والنشرة الفلسطينية التي تتمحور بالهاجس الأمني للمحتل، إما في إعادة اعتقال الأسير أو المساعدة في تصفيته.
ومهما تيسر لقضية الأسرى ونضالهم من فرص وحظوظ التضامن، ورفع الصوت عالياً للضغط على الاحتلال للإفراج عنهم، أو ربط قضيتهم بالنضال من أجل تحرير فلسطين، فإن حظوظ الاستجابة للحقوق الفلسطينية ومنها قضية الإفراج عن الأسرى والمعتقلين تبقى ضعيفة جدً، لضعف عوامل القوة المرتبطة بالأداء النضالي المقاوم السياسي والأمني الذي يمر بدوره بمنعطف مغاير تماماً لتطلعات الحركة الأسيرة وتطلعات الشعب الفلسطيني ككل.
أجازت التجربة السياسية للسلطة الفلسطينية، ومن خلفها أداء النظام الرسمي العربي كله مع قضية الأسرى الفلسطينيين والعرب في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، النقاش في ربط قضيتهم مع الرغبات والهواجس الأمنية للاحتلال، التي أصبحت في عصر أوسلو وعهد
التطبيع والتصهين العربي تجيز لنفسها القول: إن المأمول تحقيقه في قضية تحرر الشعب الفلسطيني من الاحتلال، وزنازين وأقبية الأسرى في صلبها، وفي ظل المعادلة العربية الدولية الفلسطينية، هو ما يمنّ به الاحتلال على الضحايا، وما يتلقاه من دعم وإسناد تختل فيه التعابير والمفردات المرتبطة بمكافحة "الإرهاب"، وقد أصبحت صولجان الاقتداء لأي سلطة ونظام عربي وفلسطيني مهمته حماية أسوار المعتقلات وتأمين حدود المحتل.
الأمل بالحرية للأسرى والمعتقلين، تعرض ويتعرض لاهتزازات كثيرة، الأمر الذي نشأ عنه توحد عربي مهزوز، بسبب سياسة فلسطينية ذاتية بائسة الأبعاد والاستراتيجية في صراعها مع المحتل. ولا غرابة أن نسمع بعد ضجة وهيصة تلي مقارعة الاحتلال ومقاومة عدوانه، أن كل قرار متخذ بما يخص التنسيق الأمني ووقف العلاقة مع الاحتلال، إن كان من السلطة الفلسطينية أو اللجنة المركزية للمنظمة وحركة فتح، يذهب أدراج الرياح، الأمر الذي يبين إلى أي حد يجعل من قضية الأسرى والمعتقلين حلقة مركزية في الصراع مع المحتل، وكقضية لا تقل أهمية عن بقية قضايا الصراع على الأرض والهوية.
كان يمكن لقضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، أن تكون أجندة أولى أثناء أي مفاوضات، باعتبار وجودهم خلف القضبان من نتائج حرب الاحتلال وعدوان المؤسسة الصهيونية على الأرض والإنسان الفلسطيني، وهو جريمة حرب تقتضي الاستنفار اليومي لنصرتهم وتحريرهم، لا الاستنفار الأمني لطمأنة المحتل بأن هناك من يسانده في لجم وصد أي مقاومة تبحث في تحرير الأسرى، وترصد كل حركة مضادة ومقاومة في الشارع الفلسطيني لمنع أفعالها المقاومة للمشروع الصهيوني، مع أن كل المواثيق الدولية ولجان حقوق الإنسان ترى أن الفلسطينيين أسرى ومحاصرون في أرضهم، وحقوقهم مخترقة بسبب المشروع الصهيوني العدواني، وأن أبسط حقوق الناس هي أن يعيشوا على أرضهم ومع أهلهم بحرية كاملة، وهي التي يجب أن تبقى سندا نظريا في معركة الشعب الفلسطيني على جبهة تحرير الأسرى.
أخيرا، توحيد هذا الفهم على مسألة مركزية كقضية الأسرى، وحشد عناصرها الفعالة بدون أساليب الشعارات الفارغة من أي قوة على الأرض، هو الذي يقود إلى نتيجة مؤداها أنه لا قوة تستطيع قتل الأمل بالحرية للأسرى، توحيد لا ينفصل عن ضرورة الإمساك ببقية المسائل المتعلقة بالاستيطان والقدس والمياه والأرض، وإلا المزيد من الغرق.
والانتشال للقضية الفلسطينية والخروج من أزماتها له ثمن، وهو باهظ يدفعه الفلسطينيون في سجون الاحتلال وفي أرضهم المخترقة بالاستيطان والحصار، وفي القدس بالتهويد والأسرلة وفي بقية التفاصيل.
twitter.com/nizar_sahli