أضاف الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى كتاب التعبير عن جوهر العلاقة المصرية مع المملكة العربية السعودية صفحة جديدة لافتة المحتوى شكلا وقولا، وتتمثل في أنه كان بالنيابة عن شعب المحروسة في استقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز في مطار القاهرة يوم الاثنين 20 يونيو (حزيران) 2022، التي بدأ منها جولة شملت الأردن التي لقي فيها استقبالا في المطار من جانب الملك عبد الله الثاني، بأبهة الاستقبال الذي لقيه في مطار القاهرة من الرئيس السيسي.
في الحالتيْن، كانت رموز الحكم مدنيا وعسكريا إلى جانب كل من الرئيس المصري والعاهل الأردني.
في جانب من هذا الاستقبال ومثيله، قبل أحدث زيارات الأمير محمد الاستقبال الذي لقيه من السلطان هيثم بن طارق في زيارته الأُولى لسلطنة عُمان، ومن رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد عندما زار معزيا في رحيل الشيخ خليفة، تعبير عن مكنون التقدير للدور السعودي، وكيف أن مصر والمملكة الأردنية حاضرتان في البال السعودي عموما وتاريخيا، مع دفق من الاهتمام الوجداني من جانب الملك سلمان بن عبد العزيز الذاكرة الوقادة لمسيرة العلاقات العربية في سائر درجاتها.
وفي جانب آخر، فإن طقوس الاستقبال كانت إذا جاز القول بيعة عروبية مصرية وأردنية، وقبل ذلك عُمانية وإماراتية للأمير محمد بن سلمان، تنطلق من قراءة موضوعية لواقع الحال العربي وللأفق الاستراتيجي للعلاقات بين الأشقاء، وهذا ما انطبعت خطوطه العريضة على مفاهيم ورؤى أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في محطات متميزة على مدى أربع سنوات مضت، وراوحت بين استعادة الصفاء إلى أجواء العلاقات السياسية بعدما شابتها توعكات عابرة، وبين انطلاقة نوعية على طريق التطوير وإعادة نظر جذرية في صياغة مفاهيم وتقاليد.
وفي السياق نفسه، إضفاء مرونة على ثوابت بما يتعلق بأواصر العلاقة مع الدول الكبرى، بحيث بات التنويع يؤهل المملكة مستقبلا لكي تكون العضو الذي يمثل الأمتيْن العربية والإسلامية في مجلس الأمن. ولطالما كان هذا المطْلب يتردد الحديث في شأنه، لكن حالة عدم اكتمال التوافق والمقومات كانت تُضعف المطالبة به.
ما يلفت الانتباه إلى جانب هذا الذي لقيه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من مصر السيسي ومملكة عبد الله بن الحسين، ومن تركيا أردوغان، ثم من السلطان هيثم بن طارق والشيخ الرئيس محمد بن زايد، أنه حدد مستوى معدَّلا للبروتوكول المتعارف عليه في عالم تبادل أهل الحكم للزيارات الرسمية، بدءا من مستوى نوعية الاستقبال، وصولا إلى مستوى التوديع، وبينهما نوعية التوسيم ومضمون البيان المشترَك حول طبيعة المحادثات.
كما الذي يلفت الانتباه، أن الرئيس بايدن لا بد سيضع في الاعتبار وعلى نحو ما استبق الرئيس أردوغان ذلك، أن الأخذ بما سبق، وأوجزه الملك سلمان في عبارة «علاقة الرياض بواشنطن مفيدة للعالم»، التي سمعها منه الرئيس باراك أوباما عندما اجتمعا يوم الجمعة 2 سبتمبر (أيلول) 2015، تحتاج إلى المزيد من الصفاء في الرؤية من جانب الرئيس جو بايدن (الذي كان نائب أوباما) عندما سيلتقي في المملكة قادة دول الخليج، ومعهم رئيس مصر وملك الأردن ورئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي «صقر السلام» المأمول في المنطقة، أن العلاقة القائمة على الثقة التي تربط هؤلاء بالمملكة، التي لقي أمر تثبيت مفاهيمها جهادا مضافا من جانب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هديا برؤى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، أفادت العالم بالفعل، يشهد على ذلك الاستقرار في المواقف والتنوع في الخيارات مع دول العالم، وبالذات مع كبيراتها الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا والهند.
وعندما باغت الرئيس بوتين العالم بعمليته العسكرية في أوكرانيا، وبدا العالم على شفير تفجيريْن: (تفجير على مدى شهريْن متواصلين للبنيان والتراث في دولة جارة، وتفجير وطأة الجوع وشدة الصقيع وعتمة الليل، وما يستتبع ذلك من ويلات سببها الغاز الروسي المحجوب، والقمح الأوكراني المتقطعة سبل تصديره مع سائر أنواع الحبوب والأسمدة)، فإن تعاطي المملكة الذي يتسم بالحكمة واحترام كبيرات دول العالم لهذا التعاطي من واشنطن إلى بطرسبرغ وموسكو إلى لندن وباريس، مثَّل نوعا من التبريد للحريق قبل أن يمتد خارج الأرض المعتدى عليها، هذا إلى جانب أن أجواء التعاون التي نشرتها المملكة، أفادت في طمأنة الخائفين الباحثين عن بدائل تستبق حدوث ما هو أعظم.
في أي حال ستتضح الأمور عندما يرى الرئيس بايدن نفسه أمام نصف العالم العربي كجغرافيا ومجمله كرمز للموقف العربي عموما للطرف المشارك في القمة الموعودة، أو مَن يرى أن القادة العرب المجتمعين بالرئيس الأمريكي يمثلون موقفا متجانسا إزاء الأساسيات، وبالذات إزاء الموضوع الفلسطيني الذي كان يُفترض بعد اتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية، أن يبدأ شق الطريق نحو تطويره موضوعيا، وكذلك بعد اتفاقية السلام الأردنية - الإسرائيلية واتفاقية أوسلو، وأن يحتضن الجمع الدولي بكثير من الامتنان والدعم والمؤازرة مبادرة السلام العربية، ذلك أن أي إشارة إليها وبالذات من الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية من دون تفعيل، إنما هو رفْع عتب يصل التأجيل في التبني العملي للمبادرة إلى التسويف، فتذويب ما أجمع عليه القادة العرب في الأسيد الصهيوني.
وبعد تطور نوعي حدث على صعيد التطبيع الاستنسابي من جانب دول سبقت خطوتها في هذا الشأن تقاليد التشاور في رحاب الجامعة العربية، فإن الرئيس بايدن لا بد سيسمع من الجمع العربي الحاضر من التقييم والنصح في هذا الشأن، وبما سبق واستحضرناه من الذاكرة، عبارة الملك سلمان للرئيس كلينتون الذي بات أحد المراجع الاستشارية للرئيس بايدن: «علاقة الرياض بواشنطن مفيدة للعالم»، وإفادتها نوعية إزاء وضْع المبادرة العربية للسلام موضع التنفيذ.
في أي حال، إن الجولة التي قام بها الأمير محمد بن سلمان تبدو إضافة إلى عمق رسوخ علاقة المملكة العربية السعودية مع مصر، كما لو أنها بند في جدول أعمال جديد من نوعه للقمة العربية- الأمريكية التي تستضيفها المملكة، أي بما معناه أنها ليست للتباحث وإنما لتبادل المطالب، مطلبا مقابل مطلب، وبحيث يكون الاستحقاق مقابل استحقاق.
ويبقى التذكير بأن اللهفة المصرية وبالذات من جانب الرئيس عبد الفتاح السيسي ليست مفاجئة. وبالنسبة لمتابعي مسيرة العلاقة المصرية - السعودية مثل حالي، لا بد يتذكر تلك اللفتة الاستثنائية السابقة، من جانب الرئيس السيسي نفسه.
ومن باب المصادفة، فإنه في اليوم (الاثنين 20 حزيران/يونيو 2022) الذي كان الرئيس السيسي يتقدم مستقبلي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مطار القاهرة، كان في موعد متقارب (الأربعاء 19 حزيران/يونيو 2014) قبل ثماني سنوات يسجل مبادرة غير مسبوقة، حيث إن الملك عبد الله بن عبد العزيز (رحمة الله عليه) العائد من المغرب، وكان ما زال في حالة من التوعك، ارتأى أن يتوقف في القاهرة.
وكان السيسي المتسلم حديثا رئاسة مصر على درجة عالية من الفطنة وقراءة الوضع، فذهب بنفسه وبصحبته أركان الدولة من مدنيين وعسكريين إلى مقابلة الملك وهو في مقصورته داخل الطائرة. ولم يكتفِ بالسلام يدا، وإنما بشعور الوالد قبَّل رأس الملك رغم محاولة العاهل السعودي الراحل ثنيه عن ذلك. ولقد بدت وقفة الملك عبد الله غير المخطط لها رسميا من قبل، ونوعية استقبال الرئيس السيسي وسائر تفاصيل الاستقبال، كما لو أنها بمنزلة زيارة وداعية لمصر، فقد انتقل إلى رحمة الله فجر يوم الجمعة 23 يناير (كانون الثاني) 2015.
وهذا التميز من جانب الرئيس السيسي إزاء أُولي الأمر في المملكة، يعكس طبيعة العلاقة وعمق العاطفة الأخوية المقرونة بالدور الذي سيكمله في البعد الاستراتيجي للعلاقة الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد، وبادئا مستقبلا حقبة الملوك الأحفاد.