وثق محامون وحقوقيون انتهاكات الأمن المصري بحق المتهمين في قضية "كتائب حلوان" والتي تنسف -برأيهم- الأحكام القاسية الصادرة بحقهم من محكمة جنايات القاهرة.
وأكد المدير التنفيذي للشبكة المصرية لحقوق الإنسان، أحمد العطار، في حديث لـ"عربي21"، أنه منذ العام 2014، يتابع القضية ووثق الكثير من الانتهاكات بداية من الاعتقال ثم الاختفاء القسري والتعذيب، مبينا أنها انتهاكات كفيلة بنسف القضية والأحكام القاسية.
والثلاثاء، قضت محكمة جنايات أمن الدولة العليا طوارئ، برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي، بإعدام 10 معتقلين والمؤبد لـ56 والسجن 15 عاما لـ11، وبراءة 43 آخرين، بالقضية المعروفة إعلاميًا بـ"كتائب حلوان"، والمحال فيها للمحاكمة 215 شخصا منذ العام 2014.
وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء المصرية (أ ش أ)، اعترف 51 متهما خلال التحقيقات بانضمامهم إلى مجموعات مسلحة وارتكابهم للوقائع المذكورة (الاعتداء على أفراد وضباط شرطة وتخريب أملاك ومنشآت عامة)، فضلا عن إحرازهم أسلحة نارية وذخائر ومفرقعات، وهي الاعترافات التي تؤكد منظمات حقوقية أنها أخذت مع التعذيب.
"محاكمة جائرة"
وهو ما أشارت إليه منظمة العفو الدولية التي انتقدت في أول تعليق لها أحكام السجن الصادرة بحق 206 متهمين، وبإعدام 10 وحبس 153 مصريا من 10 سنوات إلى المؤبّد، مطالبة بإلغائها، ومؤكدة أنها جاءت إثر محاكمة جماعية جائرة مشوبة بالتعذيب، واعتقل بعض المحكوم عليهم قبل القضية بشهور.
والثلاثاء، قالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط بالمنظمة آمنة القلالي: "الحكم بمثابة إهانة للعدالة"، مضيفة: "كانت هذه محاكمة جماعية لأكثر من 200 شخص، اعتُقل بعضهم قبل فترة طويلة من الأحداث التي أدينوا بسببها".
وأضافت أن القضية شابتها حالات اختفاء قسري وتعذيب تعرض لهما أشخاص، بينهم أطفال، ومنعت السلطات المتهمين من الاتصال بمحاميهم، فيما مُنع بعضهم من رؤية عائلاتهم منذ 2016، واحتُجزوا بسجن "العقرب طرة المشدد" بظروف قاسية ولاإنسانية ترقى للتعذيب.
اقرأ أيضا: محكمة مصرية تقضي بإعدام 10 معارضين بتهمة "الإرهاب"
"ترهيب الأهالي"
"عربي21"، حاولت التواصل مع بعض أسر المحكوم عليهم بالإعدام والمؤبد في القضية، إلا أن مصدرا مقربا من بعض العائلات، أكد أنهم يعيشون الآن في حالة رعب وخوف من الاعتقال ومن وقوع أي انتهاكات بحقهم.
وأوضح أن كثيرا من الأسر جرى اعتقال نساء من أسرهم ويصل العدد لنحو 20 سيدة وفتاة معتقلة، مضيفا أن الأمن قد يقوم باعتقالات جديدة في صفوف تلك الأسر حتى يضمن أنهم لن يقوموا بأي رد فعل إزاء تلك الأحكام القاسية.
القضية تعود إلى آب/ أغسطس 2014، إثر هجوم على بعض أفراد الشرطة، لتحيل النيابة في شباط/ فبراير 2015، أكثر من 200 متهم للمحاكمة بتهم الإرهاب، وتدمير الممتلكات، والقتل، كان بينهم 4 تحت سن 18 عاما وقت اعتقالهم، فيما توفي 5 وسط حرمانهم من الرعاية الطبية.
المدير التنفيذي للشبكة المصرية لحقوق الإنسان، قال إن عدد المتهمين المحالين للمحاكمة بالقضية 215 شخصا، ما بين محبوس جرى اعتقاله قبل فترة بشكل عشوائي من الشارع وخلال مظاهرات شعبية رافضة للانقلاب قبل قرار الإحالة في القضية، والبعض كانوا بالفعل هاربين خارج البلاد، بينهم المهندس أيمن عبد الغني، الذي توفي بتركيا.
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "ما لاقاه المتهمون بتلك القضية من إخفاء قسري وتعذيب بقسم حلوان، ثم المعاملة غير الإنسانية والحرمان من الحق في العلاج والتداوي بنص القانون، ومنع الزيارة عنهم، جميعها جرائم تخل بالمحاكمة، بداية من ظروف الحبس المزرية والإهمال الطبي المتعمد التي تسببت بوفاة 8 معتقلين بمحبسهم".
وأكد العطار أن "غالبية المتهمين أنكروا علاقتهم بجماعة الإخوان المسلمين طوال سنوات المحاكمة، إلا أن النظام الأمني والقضائي تعامل معهم بطريقة الانتقام الذي قام به على مدار 9 سنوات بحق كل من ينتمون للجماعة، وجرى اعتقالهم وسط سيل من الانتهاكات وبلا حقوق ولا تطبيق للقانون ولا محاكمة عادلة".
وأوضح أنه "من خلال ما قمنا برصده وتوثيقه منذ الأيام الأولى لاعتقال العشرات من متهمي قضية كتائب حلوان فقد تعرض العشرات منهم للاعتقال التعسفي ثم الإخفاء القسري لفترات مختلفة لاقى خلالها المتهمون كل أنواع التعذيب البدني والنفسي وإجبارهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها".
وتابع: "جرى إملاء تلك الاعترافات عليهم بعد أن كُتبت وأُعدت مسبقا، مع تهديد من يرفض منهم باعتقال واغتصاب زوجاتهم وأمهاتهم، بالإضافة إلى التحقيق مع العديد منهم أمام النيابة في عدم حضور محامين بالمخالفة للقانون، مع رفض النيابة لطلبات بعض المحامين بإجراء الكشف الطبي على موكليهم لبيان ما بهم من آثار تعذيب".
وقال الحقوقي المصري، إن "كل تلك الجرائم التي تعرض لها المعتقلون بالتأكيد هي أفعال تُخل بإجراءات المحاكمات العادلة وتنسف القضية برمتها ولكنها في المقابل أدت لصدور تلك الأحكام القاسية، بحق أشخاص تعرضوا للتعذيب والاعترافات المملاة عليهم من الأمن مع المخالفات خلال تحقيقات النيابة ودون الحصول على حقهم الكامل في الدفاع عن أنفسهم".
وأشار إلى جانب آخر قاس تعرض له المعتقلون والمحكومون في تلك القضية وهو التنكيل بأسرهم وعائلاتهم، مؤكدا أنه "خلال الشهور الماضية جرى تباعا اعتقال العشرات من أمهات وزوجات وبنات العديد من معتقلي كتائب حلوان".
وأكد أن الكثيرات منهن تعرضن للإخفاء القسري والتعذيب داخل مقر أمن الدولة بقسم شرطة المعصرة بحلوان، وتم إيداع بعضهن في سجن النساء بالقناطر.
اقرأ أيضا: منظمات مصرية: الإعدامات لن تقود إلّا لمزيد من العنف
"يوسف ومجدي"
ولفت إلى حالة أحد القصر في القضية والذين ذكرتهم منظمة العفو الدولية في أحد تقاريرها الحقوقية وطالهم الحكم بالسجن 15 عاما هو الطالب بالصف الثالث الإعدادي يوسف سمير محمد، الذي كان يبلغ 16 عاما وقت اعتقاله في تموز/ يوليو 2014، ليقضي نحو 8 سنوات بسجن "العقرب شديد الحراسة".
وعنه قال العطار، إن أسرة يوسف سمير، طالها ما طاله من سجن، وفي ظل منعهم من زيارته منذ 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، بعد ترحيله لسجن العقرب شديد الحراسة، جرى اعتقال والده وحبسه بسجن المنيا، ثم والدته وإخفاؤها قسريا ثم إيداعها سجن النساء بالقناطر.
وأوضح أن "أسرته تسكن مدينة 15 مايو بحلوان، وخلال ذهابه للعمل بإحدى الصيدليات اعتقلته قوات الأمن 4 تموز/ يوليو 2014"، لافتا إلى أنه بعدها بشهرين وأثناء وجوده بقسم شرطة حلوان أُدرج اسمه بالقضية رقم 451 لسنة 2014 أمن دولة عليا والمعروفة بـ"كتائب حلوان".
وأشار العطار، إلى تقرير الشبكة السابق في 18 أيلول/ سبتمبر ٢٠٢١، عن المعتقل المحكوم بالإعدام مجدي محمد إبراهيم، والذي أكد أثناء محاكمته بعد ظهوره من الإخفاء القسري أنه تعرض في قسم شرطة حلوان للتعذيب والتهديد باغتصاب والدته وزوجته.
ونقلت الشبكة حينها قول مجدي (42 عاما) المعتقل في آب/ أغسطس 2014، أمام المحكمة: "عذبوني بقسم شرطة حلوان، وهددوني بتكرار تعذيبي وبالاعتداء على أمي وزوجتي جنسيا، إذا لم أقر بما يملونه علي أمام النيابة".
حديث مجدي هذا جاء إثر ظهوره حافي القدمين وبه آثار تعذيب بوجهه، ومقيد اليدين من الخلف، عبر مقطع فيديو مصور بثته وزارة الداخلية 28 آب/ أغسطس 2014، ليعترف بمشاركته وآخرين في عدد من العمليات النوعية.
لكنه أنكر تلك الاعترافات، أمام القاضي محمد شيرين فهمي، وأكد أنها جاءت تحت وطأة التعذيب والضرب والصعق بالكهرباء، وتهديده من ضباط المباحث والأمن الوطني بقسم حلوان، للانصياع لهم والإقرار بالاعترافات المكتوبة له.
"لا توجد جريمة"
وفي رؤيته قال الحقوقي والإعلامي المصري هيثم أبوخليل، إن "قضية كتائب حلوان قضية وهمية استعراضية قام فيها حوالي 15 شابا بعمل مقطع فيديو استعراضي وهم ملثمون ويتوعدون قوات الشرطة".
الفيديو الذي جاء إثر مجازر "رابعة العدوية" والنهضة وغيرهما من مجازر النظام بحق رافضي الانقلاب، تبعته بحسب حديث أبوخليل، لـ"عربي21"، حملة "اعتقال واسعة لكل من ظهروا في هذا المقطع وما أثار الاندهاش أن الاعتقالات جاءت بعدها بأيام".
وأكد الحقوقي المصري، أن "المعتقلين لم يرتكبوا أية جريمة ولكن فجأة تم توجيه اتهامات مثيرة لهم وتحميلهم عشرات القضايا المعلقة، بل وضم 120 معتقلا آخرين للقضية، التي أحيلت للمحكمة رغم أنها بدون جريمة حقيقية سوى الاستعراض الطائش لبعض هؤلاء الشباب".
وتساءل: "فكيف تكون هناك أحكام إعدام بدون وجود جريمة؟"، في إشارة إلى أن ذلك الوضع ينسف وجود قضية من الأساس وبالتالي ينسف الأحكام أيضا، مضيفا: "والسؤال المكرر الذي لا أمل من تكراره؛ أين الأحكام ضد من قتل آلاف المصريين في المجازر المروعة منذ 2013؟".
حقوقيون يدينون تسليم السودان مصريين إلى نظام السيسي
لندن ستثير قضية علاء عبد الفتاح مع وزير الخارجية المصري
تقرير يرصد استمرار تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر