نشر موقع "إذاعة آسيا الحرة" تقريرا
كشف فيه أدلة على الفظائع التي ارتُكبت في ميانمار/بورما وثقتها كاميرا هاتف محمول
مفقود تعود ملكيته لأحد الجنود.
وقال، في تقريره الذي ترجمته
"عربي21"، إن إحدى الصور في هذا الهاتف تظهر رجلين مسلحين يقفان وراء
جثث تسيل الدماء منها على التراب. وقد كان الضحايا الخمسة معصوبي الأعين وأيديهم
مقيدة خلف ظهورهم، ويبدو أنهم قُتلوا بطلقات نارية أو ذبحًا. وكان أحد المسلحين في
الصورة يحمل بندقية على كتفه بينما يدخن الآخر سيجارة في وضعية غير مبالية.
وذكر الموقع أن هذه الصور كانت من بين الملفات
التي حصلت عليها مؤخرًا إذاعة آسيا الحرة البورمية التي توثق الفظائع التي ارتكبها
الجنود خلال العمليات العسكرية في إقليم ساجينغ الذي مزقته الحرب في ميانمار/بورما.
وتتضمن الملفات مقطع فيديو يتفاخر فيه هذان الرجلان المسلحان بعدد الأشخاص الذين
قتلوا على أيديهما وكيف قتلوهم.
وأوضح الموقع أنه تم استرداد المحتوى من هاتف
خلوي عثر عليه أحد القرويين في بلدة أيادو في ساجينغ، حيث كان الجيش يشن غارات ضد
مجموعة قوات الدفاع الشعبية المناهضة للمجلس العسكري. ومن بين الصور العديدة صورة
تظهر حوالي 30 رجلاً وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم في أرض أحد الأديرة. ويبدو أن اثنين
منهم هما نفس الرجلين اللذين شوهدا مقتولين في الصور التي التقطت بعد يوم من حادثة
ضحايا الإعدام الخمسة.
وتظهر سلسلة أخرى من الصور شابا مقيد اليدين
وجهه ملطخ بالدماء. وهناك يد ممدودة ترفع ذقنه إلى أعلى لتجبره على النظر إلى
الكاميرا، بينما تحمل يد ثانية سكينًا على صدره فوق قلبه. وتتضمن الصور أيضًا
العديد من صور "سيلفي" لجندي يبدو أنه مالك الهاتف الذي يظهر في الفيديو
وصور الجثث.
كما يظهر الرجل ذاته في مقطع فيديو آخر رفقة
رجلين آخرين أمام الكاميرا ويتحدثون بعبارات فظة حول عدد الأشخاص الذين قتلوهم
وكيف نكلوا بجثثهم. ويحمل صاحب الهاتف، الذي يبتسم ابتسامة عريضة، قنبلة يدوية
مثبتة في صدره بينما يمكن رؤية المزيد من المسلحين خلفه.
سأل صاحب الهاتف أحد زملائه الجنود: "قلت
إنك قتلت 26 شخصًا. كيف قتلتهم؟ هل أطلقت النار عليهم؟". فأجابه:
"بالطبع قتلناهم ببنادقنا، ليس بأيدينا". وردّ عليه صاحب الهاتف:
"قتلنا الكثير منهم من خلال ذبحهم. أنا شخصيا قتلت خمسة". ويجيب جندي
ثالث: "لم أقطع الحناجر أبدًا". ثم يتثبت الجندي الثاني في حصيلته
الشخصية للقتلى قائلا: "أعتقد أني قتلت ثمانية أشخاص من خلال قطع
حناجرهم".
القرائن في الصور
أورد الموقع أن إلقاء نظرةٍ فاحصة على الصور
دليل على أن هؤلاء الرجال يخدمون في جيش ميانمار/بورما. يحمل الجنود الذين يظهرون
في الصور شارة ذراع جيش ميانمار/بورما، وفي صورة واحدة على الأقل، تظهر القيادة
العسكرية الشمالية الغربية المتمركزة في ساجينغ. شوهد جنود يحملون سلالا من
الخيزران عادة ما يستخدمها جنود المجلس العسكري كحقائب ظهر. كما أن الأرقام
الموجودة على البنادق التي تظهر في الصور تساعد في تحديد الوحدة العسكرية التي
ارتكبت كل هذه الجرائم.
وعندما سأل الموقع الكابتن لين هتيت أونغ،
المنشق عن الجيش الذي انضم إلى حركة العصيان المدني المناهضة للمجلس العسكري، عن
الأدلة أجاب بأن الأرقام "708" و"4" الظاهرة على البنادق تشير
إلى أن الجنود تابعون إلى المجموعة السرية الرابعة لكتيبة المشاة الخفيفة 708.
وأضاف أن "الكتيبة تنتمي إلى قيادة العمليات العسكرية رقم 4 التي تتمركز في
يانغون التي تم نشرها في منطقتي ساجينغ وماغواي".
عند الاتصال بنائب وزير الإعلام في المجلس
العسكري الجنرال زاو مين تون بشأن المحتوى الذي وقع استرداده من الهاتف الخلوي،
صرّح المسؤول بأن "السلطات فتحت تحقيقا في الأمر".
وأوضح الموقع أن التصريحات التي أدلى بها
الرجال في الفيديو تبدو متماشية مع تقارير عن هجمات على المدنيين نفذتها قوات
المجلس العسكري في ساجينغ وأماكن أخرى في ميانمار/بورما، وسط هجمات عسكرية ضد قوات
الدفاع الشعبي والجيوش العرقية وغيرها من القوات المناهضة للمجلس العسكري. كما
وردت أنباء عن قيام جنود باعتقال السكان بشكل تعسفي خلال مداهمات القرى، ونهب
منازلهم وإشعال النيران في المباني وتعذيب واغتصاب وقتل السكان الذين يتهمونهم
بمساعدة المقاومة المسلحة. وكان المجلس العسكري قد نفى في السابق مثل هذه المزاعم
أو نسب الحوادث إلى قوات الدفاع الشعبي.
وأورد أن منطقة ساجينغ، التي يقطنها حوالي 5.3
ملايين شخص، شهدت بعض أسوأ المعارك بين الجيش والمعارضة منذ استيلاء المجلس العسكري
على السلطة في شباط/ فبراير 2021. وتقول المنظمة غير الحكومية التايلاندية المعنية
بمساعدة السجناء السياسيين (في بورما) إن السلطات العسكرية قتلت ما يقارب 2000 شخص
في ميانمار/بورما منذ الانقلاب بما في ذلك ما لا يقل عن 683 شخصا في ساجينغ.
وتقدم الصور التي حصلت عليها إذاعة آسيا الحرة
لمحة نادرة عن حياة مرتكبي الفظائع الجارية في ميانمار/بورما تحت حكم المجلس
العسكري. وبينما وثّق ضحايا المداهمات تداعيات مثل هذه الحوادث، من النادر أن نسمع
مباشرة كيف يتحدث الأشخاص المسؤولون عن هذه الجرائم بالتفصيل عن كيفية ارتكابهم
لها.
ووجدت مراجعة دقيقة للبيانات المأخوذة من الصور
أنه تم التقاطها بهاتف من طراز "أوبو" صيني الصنع. والتقطت صورة الشاب
الذي تم استجوابه تحت وطأة التهديد بالسكين في 28 نيسان/أبريل 2022، بينما التقطت
صورة الأسرى المقيدين في 10 أيار/ مايو، وصور ضحايا الإعدام الخمسة في 11 أيار/
مايو.
وتشير تقارير وسائل الإعلام المحلية إلى أن
عمليات القتل على أيدي الجيش وقعت في بلدة أيادو في وقت قريب من التقاط الصور.
ووفقًا لما نشرته صحيفة "أيادو بوست" على موقع فيسبوك في 11 أيار/ مايو،
فقد دخلت قوات المجلس العسكري إلى قرية تشين بين التابعة لأيادو، وأطلقت النار على
ستة حراس، واختطفت 30 شخصًا في 7 أيار/ مايو.
لكن التقارير التي نشرتها "إذاعة آسيا
الحرة" تشير إلى أن الصور ربما تم التقاطها بالفعل في بلدة يي يو المجاورة
لأن أحد القتلى الذين يظهرون يرتدي قميصا لمحل بقالة يوجد في تلك البلدة. وقد كشف
بعض سكان بلدة يي يو أن صورة 10 أيار/ مايو التي تتضمن 30 رجلاً وأيديهم مقيدة
يبدو أنها التقطت في دير مون تاينغ بين الذي يقع في البلدة. كما أكد مصدر منفصل أن
صورة أخرى التقطت في 26 نيسان/ أبريل تظهر ممرًا مسقوفًا يشبه باغودا في قرية ويت
فيو، التي تقع على بعد 17.5 ميلاً (28 كيلومترًا) غرب مون تاينغ بين.
وقد أكد أحد القرويين في مون تاينغ بين أن
الجنود اعتقلوا عشرات الرجال من القرية تتراوح أعمارهم بين 20 و60 عامًا،
واحتجزوهم في دير. وقال إن الرجال تعرضوا للضرب والقتل ثم وضعوا داخل منازل في
القرية أضرمت فيها النيران. وتضمنت الصور التي قدمها السكان لإذاعة آسيا الحرة
صورًا لمبان مدمرة، وبقايا جثث بشرية محترقة بالكامل وجثثا منتفخة الجزء السفلي منها مقطوع.
التباهي بالقتل
أشار الموقع إلى أن حديث الجنود حول تفاصيل
التخلص من جثث الضحايا التي قدمها الجنود الثلاثة في الفيديو الذي عُثر عليه على
الهاتف الجوال وانعدام الانفعال في أصواتهم أثناء مناقشة الحادث يوحي بأن القتل
أصبح سلوكًا طبيعيًا بالنسبة لهم. في هذا الصدد، يقول صاحب الهاتف: "لقد قتلت
الناس من قبل مع أني لا أحب الدم فهو مقزز، لكنني قتلتهم وقد قطعت أجسامهم إلى ثلاثة أجزاء". وأضاف الجندي الذي
يدعي أنه قتل أكثر من عشرين شخصًا: "لقد قتلت من قبضت عليهم وأمرنا الرقيب أن
نقطعهم إلى ثلاثة أجزاء وندفنهم". وخلال حديثه، تفاخر صاحب الهاتف بأنه أضحى خبيرا في القتل.
كما كشف أن تفاخر الجنود بجرائمهم كان يتخلله
الكثير من التعليقات الحزينة، حيث يقارن الجنود أنفسهم بالخشب الجاف مشيرين إلى
أنهم مضطرون لاتباع الأوامر ومهددون بالقتل في أي وقت. وأردف صاحب الهاتف قائلا:
"هل تعرف لماذا لم أشتك حينها عندما كان علينا قطع الجثث؟ لأن تلك كانت
تعليمات رؤسائنا ولم أرغب في تحديها. على خلاف ذلك، ليست هناك حاجة لقطع
رؤوسهم". وتابع: "ما هي الحياة؟ إنها معركة. عليك أن تربح أو تموت لكن
لا يبدو أن حياتنا مهمة سواء عشنا أم لا... هذا الفيديو فقط للتوثيق… نحن إخوة. إذا
قُتلت، فلن تراني بعد الآن، لكن يمكنك أن تتذكرني بهذا الفيديو".
وأدت التقارير عن استهداف الجيش للمدنيين منذ
الانقلاب إلى فرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات ضد فرقة المشاة الخفيفة 33
وفرقة المشاة الخفيفة 77 التابعة لجيش ميانمار/بورما بسبب استخدام "القوة
المفرطة، بما في ذلك جرائم القتل" في ماندالاي ويانغون.
وأورد الموقع أن فرقة المشاة الخفيفة 33 كانت
هدفًا للعقوبات الأمريكية في سنة 2018 "للانخراط في انتهاكات خطيرة لحقوق
الإنسان" ضد الروهينغا أثناء عمليات التطهير "الإرهابية" المزعومة
التي جدت السنة الماضية في ولاية راخين. وقد وُثقت الفظائع التي ارتكبها جنود خلال
تلك الحملة، التي أجبرت أكثر من 740 ألفا من الروهينغا على الفرار عبر الحدود إلى
بنغلاديش وصنفتها واشنطن لاحقًا على أنها إبادة جماعية.