من دون ضجيج يذكر، انتهت واحدة من أكبر الانتخابات النقابية في
مصر الخاصة
بالنقابات العامة في الاتحاد العام للعمال، والتي جرت على مرحلتين منذ بداية شهر أيار/
مايو الماضي وحتى منتصف حزيران/ يونيو، بمشاركة أكثر من 4 ملايين عامل.
أسفرت الانتخابات
العمالية، التي تعد الأضخم بعد الانتخابات التشريعية
والرئاسية، والتي تضم 29 نقابة عامة من بينها نقابتان مستقلتان فقط هما "النقل
والمواصلات" و"الإسعاف"، عن فوز 19 من رؤساء تلك النقابات بالتزكية
مقابل 8 رؤساء فقط فازوا عبر الانتخاب، حسبما أعلن عبد الوهاب خضر مدير مركز معلومات
وإعلام الاتحاد العام لنقابات عمال مصر.
واحتفظ 18 رئيسا نقابيا بمناصبهم في النقابات العامة، ولم تسفر الانتخابات
عن دخول سوى 9 وجوه جديدة فقط، وكان من أبرز المغادرين رئيس اتحاد عمال مصر الحالي
جبالي المراغي، الموالي للنظام، وسط توقعات باستقدام إحدى الشخصيات الموالية.
وشهدت عملية الترشح في المراحل السابقة للانتخابات، بحسب باحثين ونشطاء
نقابيين، استبعاد عدد كبير من المرشحين على عضوية اللجان النقابية ورؤسائها، والذين تتشكل منهم لاحقًا الجمعيات العمومية للنقابات العامة، التي يحق لأعضائها الترشح على
مجلس إدارة النقابات العامة ورئاستها.
واشتكت دار الخدمات النقابية والعمالية (مستقلة) إبان الانتخابات من
المضايقات الأمنية، وأصدرت بيانا يضم عشرات الانتهاكات تجاه العمال، تتمثل أغلبها في
التدخلات الأمنية وعدم تمكين العمال من استكمال أوراق ترشحهم من المؤسسات التابعين
لها.
"التمهيد لمرحلة بيع أصول الدولة"
رأى الباحث بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية بمركز الحق للديمقراطية
وحقوق الإنسان، كريم نوبي، أن الفوز بالتزكية يؤكد أن المشهد غير تنافسي، قائلا:
"في الحقيقة، الجميع يعرف من أين جاءت التزكية بالانتخابات النقابية، تأتي ورقة
من جهة ما بالموافقة على ترشيح أسماء بعينها مثلما حدث في الكثير من النقابات".
مضيفا لـ"عربي21": "أما الأسماء الأخرى الموجودة في
قائمة المغضوب عليهم، فهي أسماء لا تدخل الانتخابات مطلقا، أو أنها تنسحب من الترشح
بالأمر المباشر، كما حدث مع بعض الحالات، والتي أشارت لها بعض التقارير المعنية بانتخابات
العمال"، مشيرا إلى أن "التضييق الإداري والأمني ساهم في ضعف المنافسة، وخروج
النتائج بهذا الشكل (أي الفوز بالتزكية في غالبية النقابات العمالية).
وربط نوبي بين الفوز بالتزكية والاحتفاظ بالوجوه القديمة المحسوب بعضها
على الحكومة وبين سياستها الجديدة المتمثلة في بيع أصول بعض الشركات الوطنية، وقال:
"الحكومة لا ترغب في وجود أشخاص بهذه الشركات وينتسبون للنقابات العمالية يمكن
أن يعترضوا أو يعارضوا بيع تلك الشركات أو جزء منها وعرقلة خططهم".
"الديكتاتوريات لا تعرف الانتخابات"
من جهته، قال القيادي العمالي وعضو لجنة القوى العاملة بالبرلمان المصري
سابقا، طارق المرسي: "لا شك أن مصر في ماضيها وحاضرها لم تشهد انتخابات نزيهة
في أي مرحلة من تاريخها سوى في فترة الثورة وعام حكم الدكتور محمد مرسي، وفيما خلا
تلك الفترة القصيرة من عمر مصر، فإن حكومات الاستبداد كانت تتحكم بشكل أو آخر في أي
انتخابات، بخصوص الشأن العمالي".
الواقع الحالي يصفه في تصريح لـ"عربي21" بالقول: "مصر
تعيش حالة من الفجر السياسي والأمني، ما يجعل معه العملية الانتخابية للنقابات العامة
في الاتحاد العام للعمال في مصر تبدو كمهزلة رخيصة ومسرحية شائنة، إن فوز 19 من رؤساء
النقابات بالتزكية مقابل 8 فقط بالانتخاب هو شهادة على فجر القبضة الأمنية وفقر القرار
السياسي، وافتقاد صاحب القرار السياسي للياقة السياسية وحتى العقلية، لتثمر هكذا واقع".
وأكد المرسي أن "الفوز بالتزكية لهذا العدد لا يعني غياب المنافسة
فقط، بل يحول عملية الانتخابات برمتها إلى لعبة مصالح وتوزيع هدايا وترضيات، وربما
"فرد" عضلات من الأجهزة الأمنية، والتنافس فيما بينها على إظهار السطوة والسيطرة،
وبالتأكيد الحديث عن انتخابات النقابات العامة في الاتحاد العام للعمال لا يمكن فصله
تماماً عن الجو العام في مصر، حيث حالة من الانسداد العام وقرار من نظام السيسي بإغلاق
الحياة العامة تماماً".
واختتم القيادي العمالي حديثه بالقول: "بقي النظر إلى تلك المجالس
في هذا الجو المعتم، حيث تحولت وتحول أعضاؤها إلى سدنة للاستبداد أو متربحين من المال
العام ومشاركين في تورتة الفساد التي تصم الواقع في مصر، لذا فهناك حالة من السعي لدى
هؤلاء، سواء بالرشى السياسية أو المالية والتزلف للأجهزة الأمنية، للوصول إلى دعم لا
محدود يمنحهم مقاعد باردة بالتزكية، ويجعل من انتخابات العمال طبخة نيئة لا طعم لها
ولا رائحة".
"لا تعكس إرادة العمال"
اعتبر الباحث في دار الخدمات النقابية والعمالية، حسن المصري، أن نتائج
الانتخابات لا تعكس إرادة العمال، مشيرا إلى أن "الكثير من الأدوات الإدارية والأمنية
استخدمت في استبعاد المرشحين الذين قد يشكلون خطرًا على رؤساء النقابات الحاليين إذا
وصلوا لرئاسة أو عضوية اللجان النقابية، وتمكنوا لاحقًا من الترشح على رئاسة النقابات
العامة".
ولفت في تصريحات صحفية إلى أن مثل تلك الإجراءات السابقة "أدت
إلى ضعف المنافسة في انتخابات النقابات العامة، ومن أشهر تلك الحالات استبعاد مرشح
قوي على رئاسة اللجنة النقابية في إحدى شركات البترول، ما قضى على فرصته لاحقًا في الترشح
لرئاسة النقابة العامة للعاملين في البترول، وبالتالي سمح لرئيس النقابة العامة للبترول السابق
بالبقاء في منصبه".