نشرت صحيفة "الإندبندنت" في نسختها التركية، مقال رأي للكاتب والخبير بالشأن الأفريقي، يوسف كنان كوتشوك، سلط فيه الضوء على تاريخ المملكة المتحدة، فيما يتعلق بقضايا الهجرة واللاجئين والممارسات العنصرية التي انتهجتها المملكة على مرّ السنين.
وقال الكاتب، في المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن التجار الإنجليز وصلوا لأول مرة إلى الساحل الغربي لأفريقيا بعد البرتغاليين في منتصف القرن الخامس عشر، إلا أن العلاقات التجارية الرئيسية نشأت بعد حوالي مئة عام، أي في منتصف القرن السادس عشر.
وبدأت تجارة الرقيق بالتزامن مع وصول الأوروبيين إلى القارة، وقد ظهر اهتمام العائلة الحاكمة البريطانية ودورها في هذا المجال في النصف الثاني من القرن السابع عشر.
وبعد نهاية الحرب الأهلية البريطانية، شاهد الملك تشارلز الثاني -الذي عاش في المنفى ما بين 1651 و1660 في كل من فرنسا وإسبانيا وهولندا- عن قرب الثروة التي حصل عليها التجار في هذه البلدان من تجارة الرقيق.
اقرأ أيضا: القضاء البريطاني يرد آخر الطعون ضد ترحيل مهاجرين إلى رواندا
وبعد عودته إلى بلاده وتوليه الحكم، أسس في سنة 1663 شركةً للمتاجرة بالعبيد من أفريقيا إلى أمريكا بموجب مرسوم ملكي، وأصبحت الإمبراطورية البريطانية -منذ ذلك التاريخ- واحدة من الدول التي لعبت دورا رائدا في استعباد ونقل ملايين الأفارقة إلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي حتى سنة 1808، وتم إلغاء تجارة الرقيق بأمر منها أيضا.
ومع اتخاذ قاضٍ بريطاني قرارا مناهضًا للعبودية سنة 1772، بدأت الظروف بالتغيّر. وبموجب ذلك القرار، تم تحرير حوالي 400 شخص ممن يُطلق عليهم اسم "الفقراء السود في لندن" وإرسالهم إلى سيراليون على متن سفينة في سنة 1787.
ورغم معرفتها بعدم القيام بدراسة الجدوى والتخطيط اللازمين، قدمت الحكومة البريطانية آنذاك دعما ماليا لنقل السود إلى سيراليون. وقد لقيَ القسم الأكبر من القافلة الأولى المكونة من 400 شخص حتفه لاحقًا بسبب المرض ونقص المأوى والغذاء.
وعقِب خسارتها في حرب الاستقلال الأمريكية، حيث وعدت العبيد السابقين فيها بمنحهم الحرية إن قاتلوا إلى جانب صفوف الإنكليز، قامت بريطانيا بنقلهم في مجموعة مكونة من 1200 شخص على متن السفن إلى سيراليون. وبجهود المدافعين عن حقوق الإنسان من البريطانيين، قامت المملكة المتحدة بحظر تجارة الرقيق سنة 1808.
ومنذ ذلك التاريخ، تواصل توطين الأفارقة في سيراليون حتى خمسينيات القرن التاسع عشر. ومنذ سنة 1885، قامت المملكة المتحدة بإنشاء مستعمرات لها في القارة على غرار القوى الأوروبية الأخرى.
وأضاف الكاتب أنه تم إنشاء مستعمرات مكونة من المستوطنين البيض في كل من كينيا وزيمبابوي وجنوب أفريقيا، وتم قمع التمرّدات التي اندلعت في المستعمرات باستخدام العنف، حتى لا يجرؤوا على القيام بها مرة أخرى.
فعلى سبيل المثال، قُتل عشرات الآلاف من الأشخاص أثناء تمرد ماو ماو في كينيا بين 1952 و1960، كما توفي عدد كبير من الضحايا نتيجة الظروف اللاإنسانية في الأسر.
وبعد حصول البلدان الأفريقية على استقلالها، صارت حركات الهجرة بين القارة والجزيرة البريطانية تحدث بالعكس، فبينما استقر البريطانيون في القارة خلال الفترة الاستعمارية وأسسوا إدارات الاستعمار، بدأت عمليات الهجرة بعد سنة 1960 من الدول الأفريقية إلى إنجلترا.
وأورد الكاتب أنه تم إرساء دعائم هذا التحول في سنة 1948 من خلال إصدار قوانين منح الجنسية البريطانية وحق السفر والعمل لأولئك الذين يعيشون في المستعمرات، وذلك بهدف سدّ فجوة التوظيف التي ظهرت في المملكة المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن بعد انخفاض الحاجة إلى القوة العاملة، تم تغيير القانون في الستينيات، وعلى إثره فُرضت قيود على دخول غير البيض إلى البلاد.
مع إقرار قانون الهجرة في سنة 2014، تم إصدار بعض القوانين بشأن أولئك القادمين إلى البلاد عن طريق التهريب (بشكل غير قانوني) أو الذين انتهت فترة إقامتهم القانونية، وتم منعهم من استئجار منزل أو الحصول على رخصة قيادة أو فتح حساب مصرفي.
اقرأ أيضا: رئيس أساقفة في بريطانيا: خطة رواندا "تتعارض مع حكم الله"
ومع التغيير الحاصل سنة 2016، تم إلزام الجهات التي تقدم مثل هذه الخدمات من أفراد ومؤسسات بإبلاغ الحكومة عن المهاجرين غير الشرعيين.
وذكر الكاتب أن السياسات المناهضة للهجرة كانت من بين المبررات الرئيسة لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وقد قام مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بمن فيهم رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون، بالترويج لفكرة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي باللجوء إلى الخطابات المناهضة للمهاجرين.
وأشار الكاتب إلى أن ممارسات التأشيرة الصارمة خاصة تجاه البلدان الأفريقية، كانت واحدة من العناصر المهمة لسياسات المملكة المتحدة المناهضة للهجرة. كما تم إغلاق العديد من مراكز طلبات التأشيرة في بلدان القارة منذ 2007.
واعتبارًا من 2020، لم يعد بالإمكان التقدم بطلب الحصول على تأشيرة إلى المملكة المتحدة في 24 دولة أفريقية، بما في ذلك بنين وتشاد والغابون ومالي. وصار يتعين على مواطني هذه الدول الـ 24 الذهاب شخصيا إلى دولة مجاورة أخرى، والتقدم بطلب من أجل الحصول على تأشيرة إلى المملكة المتحدة.
وذكر الكاتب أن طالبي اللجوء الذين دخلوا المملكة المتحدة بشكل غير قانوني سيتم إرسالهم إلى رواندا ضمن إطار اتفاقية تم توقيعها في نيسان/ أبريل الماضي، وسيتم تطبيق عقوبات فيما يخص التأشيرات على البلدان التي لا ترغب في استعادة مواطنيها.
ورغم تسميتها بشراكة الهجرة والتنمية الاقتصادية، إلا أن هذه الاتفاقية تحمل في مضمونها مفهوم "تجارة اللاجئين".
وعلى غرار ممارسات التأشيرة الصارمة، تهدف المملكة المتحدة من خلال هذه الاتفاقية إلى منع طالبي اللجوء من القدوم إلى البلاد.
وتخطط بريطانيا لمعاقبة من يلجأون إليها بإرسالهم إلى رواندا التي تنتقدها بريطانيا نفسها بشأن سجل حقوق الإنسان.
وهناك تحذيرات جدية من أن هذه الاتفاقية -وإن كانت لا تتعارض مع نص القانون الدولي لحقوق الإنسان- تتعارض مع معناه، وأنها يمكن أن تؤدي إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
ويرى الكاتب أنه حتى تتمكن المملكة المتحدة من تحقيق هدفها القائم على مبدأ "قوة ناعمة هي قوة عظمى"، وحتى تستحق لقب "القوة الفاضلة" الذي تراه مناسبًا لنفسها، فإن عليها إظهار سلوك مبني على مبدأ سام مثل إلغاء تجارة الرقيق. وبدلًا من تقويض الإنجازات السابقة فيما يخص حقوق الإنسان وحقوق اللاجئين والمهاجرين، عليها قيادة المجتمع الدولي لتطوير هذه الحقوق.
FT: السعودية تستثمر ملياري دولار بعالم الغولف وتغير القواعد
كاتب بريطاني يدعو الغرب لإعادة النظر في علاقاته بالإسلام
NYT: السعودية تقلب عالم الغولف "الأنيق" بمبالغ طائلة