يوم غد الأحد ٢٩ مايو/ أيار ٢٠٢٢ ستجوب قطعان الهمَج الصهاينة شوارع القدس، وترفع أعلام الشؤم في فضائها وحواريها وأزقتها العتيقة، وتدنس محيط المسجد الأقصى وقبة الصخرة، محمية بثلاثة آلاف من جنود الاحتلال وشرطته المتوحشين القَتَلة المجردين من الأخلاق.. وهم في فعلهم هذا يستفزون المقدسيين في أحيائهم ودورهم، ويسيئون إلى مشاعر الفلسطينيين خاصة والعرب والمسلمين كافة.
أولئك المجرمون وشذاذ الآفاق الذين نبذتهم شعوب وأمم شتى، بعد طول تحمُّل وصبر، لما عاثوه من فساد وإفساد، ولما أظهروه ومارسوه من عنصرية وغدر واحتكار ومكر.. ألقتهم دولٌ معادية للعرب والمسلمين وللدين/ الإسلام وسخاً في فلسطين، ونقمة على شعبها وعلى الأمتين العربية والإسلامية، وزرعتهم ألغاماً في وطننا وخناجر في ظهورنا، ووقفت وراءهم تدعمهم وتزودهم بالسلاح والمال وتشجعهم على الإجرام.
ومنذ خمسة وسبعين عاماً يمارس أولئك المتوحشون الإرهاب، وينطلقون من عنصرية بغيضة، ويرتكبون جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ويقتلون الأطفال والنساء والشيوخ والصّحفيين والصحفيات، ويعتدون ويقطعون الطرق ويدنسون المقدسات، ويستولون على الأرض، ويزيفون ويزورون ويفترون.. وتدعمهم وتحميهم وتشجعهم وتقف معهم دول الاستعمار التي زرعتهم ودعمتهم بالمال والسلاح وأقامت لهم كياناً عنصرياً إرهابياً باسم " دولة"، وما زالت تدعمهم وتحميهم وتضعهم ودولتهم فوق المساءلة والمحاسبة والعقاب، وفوق القانون والحق والعدالة، وكل منهم يكنُّ حقداً تاريخياً دفيناً للأمة العربية، وعداءً متجذراً للدين/ الإسلام منذ إشراق نوره رحمة للعالمين وحتى اليوم..
ويشنون علينا حروباً "صليبية ـ استعمارية ـ صهيونية، اقتصادية وثقافية وإعلامية"، ويعتمدون سياسات عدائية ضدنا لتدمير وجودنا، وجوهر مواقفهم ومحور نشاطهم ولسان حال ساستهم ومبشريهم يتلخص، مباشرة ومداورة، بأفعال وأقوال يتركز ويتمترس "صليبياً ـ استعمارياً" في سياسات وأقوال وأفعال منها قول ابن مالك العبيد وليم إيوات غلادستون "١٨٠٩- ١٨٩٨"، رئيس وزراء بريطانيا لمدة اثنتي عشر عاماً، بين عامي ١٨٦٨ و١٨٩٤: "مادام القرآن بين أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولن تكون هي نفسها بأمان."، وقول: المبشر جون تاكلي: "يجب أن نستخدم القرآن ـ وهو أمضى سلاح في الإسلام ـ ضد الإسلام نفسه حتى نقضي عليه تماماً، يجب أن نبين للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديداً، وأن الجديد فيه ليس صحيحاً.".
ويمتد فرعُها تاريخياً، من الخَيْبريين وبني قُريظَة إلى القبيلة الثالثة عشرة "يهود الخزر"، ومن ابن سلول إلى نفتالي بينيت، مروراً بالإرهابيين الصهاينة العنصريين من هرتزل إلى نتنياهو، ويكاد يلخص قولهم وفعلهم وحالهم قول شمعون بيريس: "إنه لا يمكن أن يتحقق السلام في المنطقة ـ بمفهومه العنصري الاجتثاثي طبعاً ـ ما دام الإسلام شاهراً سيفه، ولن نطمئن على مستقبلنا حتى يغمد الإسلام سيفه إلى الأبد.".. صعوداً في الإرهاب العنصري التلمودي إلى كاهانا حي، صاحب كذبة " الشعب المقدس؟!؟"، وأتباعه وأضرابه "باروخ غولدشتاين، وبن غفير، وبينيت وغيرهم وغيرهم الذين يريدون إبادة الفلسطينيين، وهدم المسجد الأقصى لإقامة الهيكل المزعوم في مكانه، ويتطابقون في هذيانهم العنصري ذاك، رغم التناقض، مع نظير فرنسي لهم في الكراهية وانحطاط التفكير والتدبير هو دانيال كيمون، صاحب كتاب "علم أمراض الإسلام ووسائل تدميره ـ صدر ١٨٦٩" الذي قال: "أعتقد أن من الواجب إبادة خُمس المسلمين والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة، وتدمير الكعبة، ووضع محمد وجثته في متحف اللوفر".
إن هذا الكم الكريه من الهَمجية والوحشية والكراهية التاريخية، هو ما ابتلينا به نحن العرب والمسلمين، وهو الذي ما زلنا ندفع تكاليفه الباهظة منذ قرون، وما زال يتحكم بواقعنا، ويحكمنا ويحكم التابعين من ساستنا وبعض "مثقفينا وإعلاميينا و.."، ويستنزف قدراتنا وطاقاتنا، ويفرِّق صفوفنا، ويمنعنا من امتلاك معرفة واسعة وقوة شاملة ندافع بهما عن أنفسنا وحقوقنا ووطننا وثقافتنا وديننا ومقدساتنا وهويتنا، وسيبقى يهدد حاضرنا ومستقبلنا ومستقبل أجيالنا، ما لم نتحرك بوعي وسرعة ومسؤولية وانتماء وإيمان صادق، لنكون نحن ويكون ما نريد.
نحن غداً بمواجهة استفزاز عنصري صهيوني صارخ في القدس التي ستشهد اجتياح الأشرار لها، وانتشار الصهاينة الهمج المتوحشين فيها، واستفزازهم لأهلها وعدوانهم عليهم.. وفي ذاكرتنا وجراحنا الجسدية والروحية ماجرى في رمضان الماضي من عدوان على المصلين والمعتكفين وضرب لهم في المسجد الأقصى، وتدنيس لقاعاته وساحاته ولقبة الصخرة، ومن قتل شبه يومي لأطفال وشباب فلسطينيين تجاوز عددهم الـ"٥٧" شهيداً خلال شهرين، هذا عدا عن الاعتقالات والمداهمات اليومية في الليل والنهار لمدن ومخيمات وقرى فلسطينية في الضفة الغربية والخليل، واستهداف لصحفيين مُعْلنين مُعْلَمين بلباسهم وشاراتهم وأجهزتهم بهدف اغتيال الحقيقة باغتيالهم.. وما زلنا في خضم فجور الصهاينة وكذبهم بعد اغتيالهم للشهيدة شيرين أبو عاقلة التي لم يسلم جثمانها من همجية ووحشية شرطتهم التي فاقت كل وحشية وتصور، وجُرح زميلها السمودي..
هذا الكم الكريه من الهَمجية والوحشية والكراهية التاريخية، هو ما ابتلينا به نحن العرب والمسلمين، وهو الذي ما زلنا ندفع تكاليفه الباهظة منذ قرون، وما زال يتحكم بواقعنا، ويحكمنا ويحكم التابعين من ساستنا وبعض "مثقفينا وإعلاميينا و.."، ويستنزف قدراتنا وطاقاتنا، ويفرِّق صفوفنا، ويمنعنا من امتلاك معرفة واسعة وقوة شاملة ندافع بهما عن أنفسنا وحقوقنا ووطننا وثقافتنا وديننا ومقدساتنا وهويتنا،
نحن غداً أمام مواجهة قد تتطور إلى حرب، مواجهة كتلك التي امتدت أحد عشر يوماً في أيار/ مايو الماضي ٢٠٢١، وأشهرت فيها المقاومة الفلسطينية "سيف القدس" من غزة، نُصرة للقدس والمقدسيين، ودفاعاً عن المسجد الأقصى المبارك.. نتوقع ذلك لأننا لا ننتظر من الصهاينة الهمج وقطعان المستوطنيين الوحوش، وأتباع " كاهانا حي"، غير التطرف وسوء التصرف وانتهاك المقدسات والمحرَّمات والوقاحة والعدوان وإسالة الدماء؟!
ولا نتوقع من أنصارهم وحماتهم والمتواطئين معهم غير تأييدهم ومناصرتهم، وترديد العبارة السخيفة المجافية للحقيقة والواقع وللحق والعدل والقيم الإنسانية السليمة، تلك التي يرددونها بعد كل عدوان وإجرام صهيوني: "من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها"؟!، ولا نتوقع موقفاً خيِّراً من عربٍ أتباعٍ للولايات المتحدة الأمريكية، يردُفون الاحتلال الصهوني ويعزِّزون كيان الإرهاب والعنصرية "إسرائيل"، ويشكلون رصيداً لها، وخناجر في ظهر الشعب الفلسطيني والأمة العربية.. بل نتوقع ترديد ما قالوه سراً وعلَناً في مواقف سابقة:".. على الفلسطينيين ألا يثيروا الشغب، و.. بلاش إرهاب؟!"، يعني أن عليهم أن يبتلعوا الظلم والذل والضيم ويسكتوا، وأن يُقْتَلوا دون شكوى أو صراخ أو ضجيج.؟!.
إن هذا ما نتوقعه أو علينا أن نتوقع حدوثه، استقراءً منا لما كان في الماضي القريب على الأقل، واستنتاجاً مما سبق وكان من عدوان صهيوني ومواقف تلت ذلك العدوان. وفي ضوء ذلك تبدوا الاحتمالات تبدوا واضحة، ولذا فإن من واجب الجماهير العربية المؤمنة بعدالة قضية فلسطين، وبأنها قضية مركزية ومسؤولية عربية قومية وسياسية وأخلاقية، والمقرَّة بحق الشعب الفلسطيني في وطنه التاريخي فلسطين، وحقه في الدفاع عن نفسه وعن المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين وبكونه في دفاعه ذاك إنما يدافع عن حق عربي وإسلامي ـ مسيحي عام..
هل ترانا نفعل ذلك ونشهد غداً أو بعده أو بعد بعده وقفة شعبية عربية موازية، بأعلام فلسطينية تخفق في الوطن العربي؟! آمل ذلك، ولن يخيب ظني بجماهير أمتى حتى لو حالت موانع دون ذلك، فتلك سحابات صيف وقضايا الشعوب مسؤولية أجيال، ولن يضيع حقٌ وراءه مُطالِب.
إن من واجبها ألا تتركه وحده بمواجهة كل هذه القوى وضحية للظلم الفادح طوال سبعة عقود من الزمن، وألا تجعل الفلسطيني يشعر بالخذلان والعُزلة وبتخلي أمته عنه.. وهذا يقتضي مواكبةً شعبية عربية واسعة للموقف الفلسطيني الرافض للاحتلال وممارساته.. ومن الأهمية بمكان أن تتم تلك المواكبة بجهد شعبي في وقتٍ موازٍ، وتتمثَّل على الأقل بوقفة جماهيرية حاشدة في كل عاصمة عربية، وفي مدن كبرى إن أمكن.. تُرفع فيها الأعلام الفلسطينية، ويُندد خلالها بالوحشية والهمجية الصهيونية وبمناصريها والداعمين لها والمطبعين معها، وتُحرق في الساحات أعلام صهيونية وتُداس، وتعلن الجماهير غضباَ ساطعاً، وموقفاً ناصعاً، وتأيداً تاماً للشعب الفلسطيني، واستعداداً مؤكداً للوقوف إلى جانب نضاله المشروع دفاعاً عن نفسه وعن حقه في وطنه وتقرير مصيره بحرية فوق تراب فلسطين المُحرر.. وأن ترسل رسائل قوية وواضحة للشعب الفلسطيني ومقاومته خاصة وللعالم عامة بأنها لن تتخلى عن فلسطين وشعبها، وأنها نصير الحق والعدل والمساواة والحرية، وضد القوة الغاشمة والعنصرية والتمييز العنصري، وضد الصهيونية الهمجية المتوحشة وازدواجية المعايير، وترفض التبعية المقيتة المميتة للقوى الظالمة الغاشمة.. وأنها مع السلم القائم على العدل ومع العدل والحق والحرية.. وسيبقى هذا موقفها الأخلاقي والوطني والإنساني الثابت والدائم، ولن تتخلى عن الفلسطينيين وفلسطين والقدس، ولا عن العروبة والدين والانتماء والهوية.
فهل ترانا نفعل ذلك ونشهد غداً أو بعده أو بعد بعده وقفة شعبية عربية موازية، بأعلام فلسطينية تخفق في الوطن العربي؟! آمل ذلك، ولن يخيب ظني بجماهير أمتى حتى لو حالت موانع دون ذلك، فتلك سحابات صيف وقضايا الشعوب مسؤولية أجيال، ولن يضيع حقٌ وراءه مُطالِب.
اغتيال شيرين أبو عاقلة.. درس لكافة الأحرار
السوشيال ميديا وغياب الذوق عند الموت
ورحلت أيقونة الإعلام في فلسطين وبقي الأثر