رحل الشيخ أحمد القطان، ذلك الصوت الشجي الجهوري، الذي كان يتألق عبر أشرطة الكاسيت، وتطوف أشرطته معظم بلدان المسلمين، فصوته بخطابته وأبيات الشعر التي يلقيها بطريقة تهز كيان سامعه، وكأنه يقود جيشا لملاقاة العدو في ساحة الوغى، جعل منه رمزا لمدرسة، أطلق هو نفسه عليها: منبر الأقصى، ليكون عنوانا معبرا عن حياة الرجل، وعن مدرسته.
أيقن القطان منذ صغره أن الداعية القدوة هو أهم ركن في بناء الدعوة، ولذا حرص رحمه الله أن يكون قدوة حية في تعامله، سواء مع عائلته، أو مع الناس، فقد كان هناك موقف أثر في حياته حدث مع والده له ارتباط بالقدوة الحسنة والقدوة السيئة، وأثر كل منهما على الناس إيجابا وسلبا، حيث أصيب والده بشلل لمدة 15 عاما، وقد لقي والده أحد المشايخ ليقرأ عليه القرآن، ويرقيه بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلب منه الشيخ مالا حتى يقرأ، طلب منه وقتها خمسة روبيات، ولم يكن لدى أبيه هذا المبلغ، وعز عليه أن يرفض الشيخ القراءة إلا بالمال.
ومرت السنوات، وظل في ذهن أبيه هذا المشهد، وفوجئ بوجود إرسالية أمريكية في الكويت، وعلموا بأمر مرضه، فأرسلوا إليه من يحمله للعلاج، وفوجئ والد القطان بطبيب أمريكي مبشر يحمله، ثم يعالجه، ثم يعطيه في جيبه خمسة روبيات، كان الموقف فتنة للرجل، في نظرته للدين، فعندما رفض شيخ القراءة إلا بالمال، فوجئ بهذا المبشر يفعل معه هذا الموقف.
ظلت هذه الفكرة تطارد القطان، يريد أن يزيلها من عقل أبيه وذاكرته، ولما مرض أبوه مرض الوفاة، كان القطان يخدمه، ويجلس معه طوال الوقت، وينظفه، ويزيل عنه ما يخرج منه، وأدرك والده أن ابنه المتدين الشيخ أحمد القطان، يفعل ذلك عن تدين، فقال له: هذا هو الإسلام يا ابني.
من أهم دروس منبر الأقصى التي تعلمها القطان وعلمها لمن بعده: أن الأقصى هو قضية محورية، ومركزية للأمة، فلا ينشغل بأي شيء بعيد عنها، وعلمته هذه القضية أن يكون مركزا في قضاياه، فلا يلتفت للصغائر، واضعا نصب عينيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها".
فقل أن تجد خروجا من القطان عن قضيته، لا ينشغل بالمناوشات الجانبية التي كانت تشغل أذهان الشباب آنذاك، فقد كان رحمه الله متألقا في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، تنتشر أشرطته بخطبه ومحاضراته، ومن يدرس هذه المرحلة وينظر على اهتمامات الشباب، وأسئلتهم، يدرك كيف أن القطان تجنب هذا كله، وخط له طريقا واضحا، بتبنيه قضية الأقصى وفلسطين، والعودة بالأمة لهويتها، عن طريق قضية تعبر عن ذلك خير تعبير، وهو: الأقصى.
من أهم دروس منبر الأقصى التي تعلمها القطان وعلمها لمن بعده: أن الأقصى هو قضية محورية، ومركزية للأمة، فلا ينشغل بأي شيء بعيد عنها، وعلمته هذه القضية أن يكون مركزا في قضاياه، فلا يلتفت للصغائر، واضعا نصب عينيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها".
ولأن الأقصى قضية الأمة كلها، فقد تعلم منه القطان وترك لنا هذا الدرس البليغ، بأنه كان يترفع عن المشاحنات الشخصية، فقد ذكرت ابنته، أنه كثيرا ما كانت تطلب منه مقاضاة من يتجاوزون في حقه، حيث كانوا يتطاولون عليه بأبشع التهم، وكان جوابه لها ثابتا عبر الزمن لم يتغير، فيقول لها: لا يا ابنتي أنا لست من طلاب الدنيا حتى أهتم بما يقولون، أنا على عهد مع الله سائر في دعوتي، سأدعو لهم بظهر الغيب، لا يمكن أن أرد الإساءة بالإساءة هذا ليس منهجي، ويختم نقاشه بقول الله تعالى: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا).
من عوامل نجاح القطان رحمه الله داعية وخطيبا على منبر الأقصى، أنه ركز على نقاط قوته، وابتعد عن نقاط ضعفه، كما يقول أستاذنا الدكتور عبد الوهاب الطريري، فالقطان علم أن قوته في الخطابة، فركز عليها، ولم يعرف عنه أن دخل في معارك فقهية، أو نقاشات علمية ليست من مجاله، وهذا من علامات التوفيق للداعية، فلا يقحم نفسه فيما لا يحسن.
كما أنه رزق ذكاء فطريا، حيث إنه فعل ما يعجز عنه كثيرون من الدعاة، فعندما علم أنه ربما يكرر نفسه، فبدأ في التخفف من الظهور الإعلامي، حتى لا يمله الناس، ولم يهتم بما يقوله الناس عنه، وقد حدث بعد أن ابتعد قليلا عن الحديث عن السياسة، واهتم بقضايا التربية والأسرة، واتهمه البعض بالخوف، لم يعبأ بما قالوه، بل اهتم بأن يجدد نفسه، وقد رأى حاجة الناس والأمة لهذا الميدان، فقام بدوره وواجبه كداعية، ولم يجد في ذلك بعدا عن عنوانه وشعاره الذي أطلقه على منبره: منبر الأقصى، فتحرير الأقصى يبدأ من تحرر الإنسان نفسه، وتحرر الأسر المسلمة، والشعوب المسلمة من حمى التقليد للغرب، وتحولها من أمة عالة على الآخرين، لأمة رائدة.
رحم الله الشيخ القطان، الذي كان نموذجا وقدوة حيا، ويظل ما تركه قدوة للناس بعد وفاته، وسيظل بركة ارتباطه بالأقصى من عمله الصالح الذي نفعه في الدنيا بحب الناس، وينفعه يوم لقاء الله في ميزان حسناته إن شاء الله.
Essamt74@hotmail.com
شيرين أبو عاقلة: "اخترت الصحافة لأكون قريبة من الإنسان"
عامٌ على هبة فلسطينيي 48.. ومحاولات الاحتلال لخنقها مستمرة
شيرين أبو عاقلة بين الشهادة والترحم عليها