لم يحقق المجلس الرئاسي اليمني بعد مرور أكثر من شهر ونصف على تشكيله، أي إنجازات حقيقية وفقا لمراقبين، في وقت يتنامى الصراع الداخلي بين أعضائه.
وعلى الرغم من تطلع الكثير أن يسود المزاج التوافقي والتشاركي بين القوى الممثلة في مجلس القيادة الرئاسي، إلا أن التنافر والاشتباك لازال حاضرا بقوة، حيث يقول مراقبون إن كل طرف يسعى لتجيير هذا التحول في بنيوية السلطة لتحقيق أجنداته، وهو ما ينذر بانهيار الأوضاع والعودة إلى مربع التصادم.
العاصمة اليمنية المؤقتة، عدن، جنوبا، في الأسابيع الماضية، التي ما زال ملفها الأمني بيد المليشيات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي ( مدعوم إماراتيا)، شهدت عودة ملحوظة في عمليات الاغتيال والاختطافات التي طالت قيادات عسكرية بالجيش اليمني.
وكان لافتا إيقاف رئيس المجلس الرئاسي، رشاد العليمي، قرارات أصدرها في وقت سابق من الشهر الجاري، عضو المجلس، ومحافظ حضرموت ( شرق)، فرج البحسني، بتعيين مديرين لمديرية الأمن في الساحل والوادي التابع للمحافظة، كونه ليس مخولا بتعيينات كهذه، التي هي من صلاحيات وزير الداخلية، إبراهيم حيدان، الأمر الذي يدفع للتساؤل حول السياق الذي يمكن وضع تلك القرارات التي رفضها العليمي ووزير الداخلية، ويصر عليها المحافظ "البحسني".
"مسار صراع لا تنافس"
وفي هذا السياق، يقول أستاذ إدارة الأزمات والصراعات بجامعة الحديدة اليمنية، نبيل الشرجبي؛ إن هناك أساسيين مهمين كان هما سببا في تحويل مسار عمل المجلس الرئاسي من التنافسي إلى الصراعي.
وقال الشرجبي لـ"عربي21"؛ إن السبب الأول يبرز في "عدم وجود هيكل إداري وسياسي يحكم عمل الأطراف المختلفة داخل المجلس، ويحدد العلاقة بينها وبين بيئات العمل المختلفة بكل درجاتها، على المستويين المحلي الداخلي أو القومي الخارجي".
وتابع: "وهذا ما يظهر جليا في إقدام بعض أعضاء المجلس على اتخاذ قرارات انفرادية، دون مراعاة لأي عمليات استحقاقية قانونية أو سيادية".
ويظهر كذلك "عند قيام المجلس بأي ممارسات خارجي، إذ يصر الجميع من داخل المجلس على المشاركة في تلك المناسبة، وهو ما يؤشر بقوة بغياب ذلك الهيكل الإداري السياسي لهذا الكيان"، حسبما ذكره الأكاديمي اليمني.
أما الأساس الثاني، بحسب الشرجبي، "يكمن في التغيرات التي حصل من خلالها تحويل النظام السياسي في اليمن من النمط الرئاسي البرلماني إلى النمط المجلسي".
وأشار إلى أنه "لم يكن موفقا في إعطاء دفعة قوية لحصول تغيير في جميع المعادلات السياسية والاجتماعية في اليمن، وكذا لم يمد المجلس بالموارد الكافية ليتحول إلى مشروع إحداث التغيير، وصرف تلك الموارد من أجل كسب الولاء والتغيير".
وقال؛ إن هذا الأمر لم يغير من إيدلوجية وأهداف الأطراف، وكذا القيادات فيه.
وبحسب الأكاديمي اليمني، فإنه في ظل غياب هذين الأساسين، فإنه من الصعوبة ليس تقييم عمل المجلس، بل حصول أي تحول أو فاعلية في عمله"، متوقعا في الوقت نفسه بأن الأمور مرشحة أكثر لأداء أضعف للمجلس.
وأوضح أن غياب أو تجاهل وضع هيكل إداري سياسي لإدارة العملية الإدارية والسياسية، سيكون حاضرا في مختلف إدارتها داخليا وخارجيا، بل قد تتوسع وتنتشر وتعطي قوة أكبر للاتجاهات الصراعية أكثر منه للاتجاهات التوافقية.
اقرأ أيضا: 32 عاما على وحدة اليمن.. والجنوب يواصل السعي للانفصال
وتابع أنه "من الواضح أن كل المداولات والحوارات التي تمت عقب قيام المجلس الرئاسي، وخاصة البيان الختامي لمشاورات الرياض، أكدت حقيقة قادمة تتمثل في بث روح انفصالية مدعومة بقرارات إقليمية ودولية، وبمباركة وصمت محلي مؤسسي وليس شعبيا".
وقال؛ إن كل ما يقدم عليه الزبيدي (رئيس المجلس الانتقالي وعضو المجلس الرئاسي) ومليشياته، تأتي ضمن تلك الفسحة أو الفرصة التي حصلوا عليها في الفترة السابقة.
وأردف قائلا: والأخطر في كل ذلك، أنه تم إجراء عملية تحويل مزيفة لأسباب بقاء الصراع وإطالة أمده، التي تكمن في "عدم إيجاد حل للقضية الجنوبية".
ووفقا للأكاديمي الشرجبي، فإن هناك استراتيجيات متعددة لإدارة الصراعات والحروب بين مختلف الأطراف، وبناء على معطيات الواقع، يتم اختيار أحد تلك الاستراتيجيات ليتم التعامل من خلالها من الطرف الأخر لإنهاء الحرب، أو الحصول على مكاسب لصالح السلام.
لكن في الحالة اليمنية، يستدرك بالقول؛ إن تزييف حقائق أسباب الصراع، دفع أطراف التحالف (تقوده السعودية) التي فشلت في تحقيق انتصار أو اختراق كبير مهم ومؤثر على الحوثيين، إلى "تبني أسباب كاذبة واهية عن الأسباب الحقيقية للصراع، بل تبنوا الأسباب نفسها التي رفعها الحوثيون، وهو ما جعلهم يتبنون استراتيجية الخطوة خطوة، التي تعتمد على تجزئة الصراع وملفاته وقضاياه من أجل الحصول على سلام سريع.
وأكمل: "لكن تلك الاستراتيجية لن تنجح إلا بحصول طرف على كل شيء، وتقديم طرف كل شيء، خاصة أن الأساس الذي انطلق منه التحالف لمعالجة القضية اليمنية، هو تنبي رؤى الحوثيين في الحل أو أسباب الصراع".
وما يساعد على استمرار تلك الاستراتيجية كمنهج أو طريق لحل الصراع ـ بحسب المتحدث ذاته –، هو أن الطرف الثالث، أي التحالف، يصبح طرفا وحيدا يقدم المبادرات ويعطي الموافقة لإبرام الصفقات، دون انتظار موافقة أو رأي المجلس الرئاسي.
وقال؛ إن ذلك يعني أن يكون المتحكم بأحد أطراف الصراع الداخليين، طرفا خارجيا يعمل على رسم خارطة السلام؛ بناء على اختياراته ومسلماته ورغبة منه في الحصول على سلام زائف ... يعتقد من خلاله أنه تمكن من إنجاز عمله السياسي تعويضا عن فشله في المعركة العسكرية.
" مأزق السلطة الانتقالية"
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي أن مجلس القيادة الرئاسي، اصطدم عمليا بتشبث المجلس الانتقالي الجنوبي بخطاب الانفصال، رغم التحولات الجوهرية في بنية السلطة لصالح دمج الانتقالي والتشكيلات المسلحة الأخرى الموالية لدولتي التحالف.
ويتجلى ذلك، يتابع التميمي حديثه لـ"عربي21"، في إصرار الانتقالي على تنظيم احتفاليات فوضوية لأنصاره في عدد من المناطق الجنوبية؛ لإحياء ذكرى فك الارتباط (ذكرى إعلان علي سالم البيض، نائب الرئيس اليمني الراحل الانفصال في صيف 1994).
واعتبر أن هذا التوجه يشير إلى مأزق السلطة الانتقالية في اليمن، وإلى الاختبار الصعب الذي يواجه مجلس الرئاسة ورئيسه ومعظم أعضائه الوحدويين.
وأشار الكاتب اليمني إلى أن هذا المأزق، لم يستطع خطاب الرئيس العليمي، عشية الذكرى 32 للعيد الوطني لإعادة تحقيق الوحدة أن يبدده، حينما جاء مجردا من إشارات واضحة إلى الوحدة اليمنية كإنجاز وطني يمني مشرف.
وأضاف: وأمام التباين في النظر إلى الوحدة اليمنية، يظهر عيدروس الزبيدي رغم ذلك صاحب موقف معزول نسبيا، مما يشير إلى أن الانتقالي لا يزال يحتاج إلى فترة طويلة لإنجاز الانسحاب التدريجي من أجواء الانفصال إلى الفضاء الوطني الجديد، الذي أنتجته عملية انتقال السلطة في السابع من نيسان/ إبريل الماضي.
وأكد أنه "لا يمكن الجزم بوجود تهديدات جوهرية تطال وحدة المجلس الرئاسي، رغم ما أقدم عليه اللواء، فرج سالم البحسني، العضو الجنوبي الآخر في المجلس الرئاسي، الذي عبر بطريقته عن عدم فهم التغيرات التي جاء بها المجلس لصالح تركز السلطة والنفوذ لدى قيادة الشرعية التي يمثلها المجلس الرئاسي، عندما ذهب إلى إصدار قرارات بتعيينات في سلك الشرطة بحضرموت، دون أن تعرض على المجلس، ودون أن يوقع عليها رئيسه العليمي.
وحسب المتحدث ذاته: "لا يشير سلوك كهذا بالضرورة إلى تصدع في بنية المجلس الرئاسي، فذلك سابق لأوانه بقدر ما يشير إلى شخص البحسني نفسه، الذي يبالغ في الانحياز لحضرموت ضدا على هيمنة المجلس الانتقالي، رغم المرجعية الإقليمية المشتركة للطرفين".
وقال: "علينا أن نتفاءل بأداء الرئيس ومعظم نوابه الذين يسلكون خطا جادا باتجاه إنجاز الاستحقاقات الوطنية، على قاعدة الالتزام بوحدة الدولة والتوافق في صنع القرار السياسي".
وفي 7 نيسان/إبريل الماضي، أصدر الرئيس السابق، عبد ربه منصور هادي، إعلانا رئاسيا ينص على تأسيس مجلس رئاسي، فوض بموجبه رشاد العليمي بكامل صلاحياته، لاستكمال تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية في البلاد.
هل سيلتقي بايدن محمد بن سلمان.. ولماذا غير موقفه؟
ما وراء هجوم وسائل إعلام سعودية على سعد الحريري؟
تحريض واسع ضد اليمنيين بالسعودية.. هل تقف الحكومة خلفه؟