حافظت السويد وفنلندا على علاقة الحياد مع الاتحاد السوفياتي سابقا والاتحاد الفيدرالي الروسي الوريث لاحقا، لكن تلك العلاقة كسرت بعد طلبهما الانضمام لحلف شمال الأطلسي، ما اعتبره محللون تحركا وقائيا خوفا من نوايا مبيتة من وريث "الدب الأحمر"، فيما يرى سياسيون روس أن الخطوة جاءت بضغوط غربية وأمريكية.
ومع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، عبّرت دول أوروبية عن مخاوفها من "نوايا الكرملين التوسعية" تجاه الغرب.
وطلبت فنلندا والسويد، الأربعاء الماضي، رسميا الانضمام لحلف شمال الأطلسي "ناتو"، في خطوة كسرت حاجز الحياد الذي اختاره البلدان الاسكندنافيان منذ الحرب العالمية الثانية وما قبلها.
وسلم سفيرا السويد وفنلندا في بروكسل رسميا طلب الانضمام للأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ في مقر الحلف بالعاصمة البلجيكية.
وقال الأمين العام لحلف الناتو بعد تسلمه طلبي الانضمام: "إنها خطوة تاريخية.. سينظر أعضاء الحلف الآن في المراحل المقبلة ضمن مساريكما للانضمام إلى الناتو".
ويثير الأمر تساؤلات حول أسباب الخطوة التي قامت بها السويد وفنلندا، وما إذا كانتا ستنجحان في تحقيقها فعلا، فيما يجيب التقرير على هذه التساؤلات من خلال الحديث مع خبراء مضطلعين على هذه المسألة الحساسة والمتعلقة بالحرب الأوكرانية.
قلق روسي.. انضمام حتمي؟
وقال الدبلوماسي الروسي السابق، فيتشسلاف ماتوزوف، في تصريح خاص لـ"عربي21" إن "روسيا غير مرتاحة من توجه فنلندا والسويد نحو الانضمام لحلف الناتو"، مضيفا أن "ابتعاد فنلندا والسويد عن مبادئ عدم الانحياز، لا شك أنه حدث بناء على ضغوط أمريكية ضخمة".
وتابع السياسي الروسي: "حتى أن هذه الدول أخذت هذا الموقف المصيري دون إجراء استفتاء، رغم أنها أجرت استفتاءات فيما سبق حول ملفات مثل المرأة والشذوذ، ولذلك هناك معارضة قوية داخل السويد وفنلندا".
من جانبه، قال المحلل السياسي الجزائري، إسماعيل خلف الله، إن "سياسة الناتو توسعية وتسمح بانضمام أعضاء آخرين، وبالتالي فالطلب الفنلندي والسويدي يبقى مشروعا، لكن في ظل حالة التأزم بين موسكو والعواصم الغربية، فإن هذا الطلب يظل ورقة ضغط وتحقيقه بعيد المنال وإجراءاته معقدة".
وأضاف في تصريح خاص لـ"عربي21": "يبرر هذان البلدان طلبهما بالانضمام لحلف الناتو، بوجود خطر يهدد أمنهما القومي، حيث يريان بأن العمليات العسكرية داخل أوكرانيا تهدد وجودهما، إضافة إلى أن السياسة العسكرية الروسية لن تتوقف، لذلك فهذه الدول تبحث عن حماية نفسها بعضوية الناتو، رغم أنها تعلم بأن ذلك سوف يحدث مشاكل وزوابع مع موسكو".
من جانبه، قال المختص في الشأن الأمريكي والشرق الأوسط، محمد عويص، في تصريح خاص لـ"عربي21"، إن "الحيادية سقطت بعد العدوان الروسي على أوكرانيا، وهو ما جعل الدول المحايدة مثل السويد وفنلندا تشعر بالخطر، وبأن العالم عاد إلى ما قبل 1938، أي ما قبل احتلال هتلر لتشيكوسلوفاكيا".
وأوضح المحلل السياسي: "هم ملزمون ومجبرون على أن يكونوا جزءا من حلف يحمي وجودهم، ولذلك سينضمون لحلف شمال الأطلسي".
حياد تاريخي
وحول علاقة البلدين بموسكو، قال الدبلوماسي الروسي السابق، فيتشسلاف ماتوزوف، إنه تاريخيا كانت هاتان الدولتان الاسكندنافيتان محايدتين، حيث إن السويد منذ 1814 لها سياسة غير منحازة لأي تكتلات أوروبية، أما فنلندا فكانت منذ 1947، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في علاقة ودية مع روسيا.
وأوضح ماتوزوف أن هلسنكي كانت مدينة السلام التي وفقت بين الاتحاد السوفياتي بأوروبا الغربية وأمريكا، مشيرا إلى أن المصالحة السوفياتية مع الغرب تمت وفقا لمبادئ هلسنكي.
قرار تحت ضغوط أمريكية؟
ولم يكن اتخاذ القرار بطلب الانضمام لحلف شمال الأطلسي، سهلا على القيادة السياسية في كل من السويد وفنلندا، لكن المحللين يرجحون أنهما تأثرتا بالضغوط والمناورات الأمريكية.
ورجح المختص في الشأن الأمريكي أن "قيام بوتين بعملية عسكرية ضد جارته الشمالية الغربية واحتلال أراض فنلندية، سيعتبرها الحلف بمثابة الاعتداء عليه، حتى لو لم تكن فنلندا عضوا".
من جهته، رأى المحلل السياسي الجزائري أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها تجعل من هذه الخطوة، ورقة ضغط لوقف روسيا آلتها العسكرية في أوكرانيا، والطرف الغربي يناور بهذه الورقة، على أساس هذا الطلب ولم تسمح بدخول هاتين الدولتين للناتو فعلى موسكو أن تلتزم وتوقف الحرب.
وقال: "هذا الطلب كان معروضا من أوكرانيا، ورغم ما وصلت إليه أوكرانيا حاليا، لكن الطلب لم يقبل وحتى لم تتم إجراءات استثنائية بخصوصه".
وتابع: "الدول الغربية وعلى رأسها واشنطن ترى بأن هذا الطلب هو ورقة ضغط على روسيا ونوع من التهديد والمناورة لمساومة موسكو".
فيما اعتبر الدبلوماسي الروسي السابق أن كل دول العالم تشعر بالضغوط الأمريكية لعزل روسيا، ليس تركيا فقط، وهناك الصين والهند ودول أفريقية وأخرى أمريكية لاتينية.
وأضاف: "أمريكا تستغل نفوذها الاقتصادي، للضغط على تلك الدول، ولكنها لم تنجح حتى مع الدول الأفريقية".
تركيا.. رفض أم مناورة؟
لكن الترحيب الغربي، اصطدم بموقف تركي صلب، حيث تساءل الرئيس رجب طيب أردوغان: "كيف نثق بهم؟".
وقال أردوغان إن "السويد هي حاضنة التنظيمات الإرهابية (يقصد حزب العمال الكردستاني) لن نتنازل في شأن انضمام أولئك الذين يفرضون عقوبات على تركيا إلى حلف شمال الأطلسي".
والسبت، طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيسة الوزراء السويدية ماغدالينا أندرسون، بـ"إنهاء مختلف أنواع الدعم الذي تقدمه بلادها للتنظيمات الإرهابية".
كما أوضح أردوغان للأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ناتو" ينس ستولتنبرغ، أنه "ما لم تُظهِر السويد وفنلندا بشكل صريح أنهما ستتضامنان مع تركيا بشأن القضايا الأساسية، لا سيما في مكافحة الإرهاب، فإن تركيا لن تتبنى موقفًا إيجابيًا من عضوية هاتين الدولتين في الناتو".
وبحسب المادة رقم 10 من معاهدة واشنطن 1949 المؤسِّسة للناتو يحق للدول الأعضاء بالإجماع دعوة دول (أوروبية) إضافية للانضمام بشروط، ما يعني أن فنلندا والسويد تحتاجان لموافقة جميع الدول الأعضاء في الحلف ومنهم تركيا.
وفي هذا الصدد، قال الدبلوماسي الروسي السابق فيتشسلاف ماتوزوف، إن "معارضة تركيا، لدخول السويد وفنلندا للناتو، دليل على فهم السياسة المدمرة للولايات المتحدة حتى من داخل الدول الأعضاء للحلف".
فيما اعتبر المحلل السياسي إسماعيل خلف الله، أن تركيا لن تسمح بانضمام فنلندا والسويد، لأنها ترى بأن هذا الطلب سوف يؤجج الأوضاع ويزعج الطرف الروسي، وسيحرجها بالنظر لكونها تقود جهود وساطة بين روسيا وأوكرانيا.
وأوضح: "هاتان الدولتان تحتضنان قيادات منظمات تصنفها تركيا إرهابية، لهذا تبرر أنقرة أنها لن تعيد خطأ انضمام اليونان لحلف الناتو".
وتابع: "هناك صعوبات من جانب إجرائي، لدخول السويد وفنلندا لحلف الناتو، ولن يحدث الإجماع، بسبب موقف تركيا الرافض، والتي تعد ثاني قوة عسكرية في الحلف".
من جانبه، قال المختص في الشأن الأمريكي والشرق الأوسط، محمد عوص، إن "الانضمام أصبح أمرا واقعا، وفي مقابله ستضطر قيادات حلف الناتو لإيقاف عمل حزب العمال الكردستاني الذي له مراكز قوى في فنلندا والسويد، تدعم أعمال الحزب في شمال سوريا والعراق وتركيا".
وتابع عوص لـ"عربي21": "بدون تركيا من الممكن أن ينفض حلف الناتو، لأن خروج تركيا من الحلف سيؤثر على الوجود الأوروبي وسيضع الخطر الروسي مباشرة على حدودهم، لأن ما يفصل روسيا عن حلف الناتو في مناطق البحر الأسود وبحر إيجه هي تركيا".
وأضاف: "مغامرة بوتين في أوكرانيا، عززت من مركز الأتراك كقوة جيواستراتيجية حافظة للأمن والسلم العالمي ولذلك فقيادات الحلف مضطرون إلى أن يعطوا تركيا ما تريد لحماية أمنها القومي، مع التعهد بعدم التآمر عليها رغم أنها شريك لهم".
وتعود فكرة إنشاء حلف الناتو إلى عام 1947 عندما أبرمت المملكة المتحدة وفرنسا "معاهدة دونكيرك" ضد أي هجوم محتمل من ألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وتأسس الحلف باتفاق 12 دولة وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبلجيكا وكندا والدنمارك وفرنسا وايسلندا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج والبرتغال.
وفي الفترة ما بين 1952 و1990، انضمت كل من تركيا وإسبانيا واليونان وألمانيا الاتحادية.
في عام 1999 انضمت دول مجموعة فيسغراد وهي هنغاريا وبولندا وجمهورية التشيك إلى الناتو، أما في عام 2004 فقد انضمت إلى الحلف دول مجموعة "فيلنيوس" وهي بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا.
وفي عام 2009، وافق حلف الناتو على انضمام ألبانيا وكرواتيا، وليبلغ عدد أعضائه 30 دولة مع انضمام الجبل الأسود عام 2017 ومقدونيا الشمالية عام 2020.
ومؤخرا، تم إدراج ثلاث دول هي البوسنة والهرسك وجورجيا وأوكرانيا تحت فئة الدول الطامحة للانضمام لحلف شمال الأطلسي.
ما دلالة رفع واشنطن الجماعة الإسلامية بمصر من قوائم الإرهاب؟
لماذا تثير حرب روسيا بأوكرانيا مخاوف أردنية من جنوب سوريا؟
وزير الخارجية الروسي بالجزائر.. ماذا تريد موسكو من تبون؟