عاد الجدل مجددا في مصر بعد دعوة رئيس سلطة الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية، والذي شغل خلال السنوات الماضية حيزا كبيرا من الجدل في البلاد.
وقانون الأحوال الشخصية، يختص بقضايا ما قبل وبعد الزواج والطلاق والأسرة والطفل والحقوق والواجبات للمرأة والرجل سواء قبل أو أثناء أو بعد الزواج سواء في حالة الخطوبة أو الزواج أو الطلاق أو الموت، ويبدو أن هناك إجماعا على ضرورة التعديل.
وأجرى السيسي، الأسبوع الماضي، مداخلة هاتفية لأحد البرامج التلفزيونية المذاعة عبر قناة صدى البلد، وتطرق إلى قضية قانون الأحوال الشخصية، ودعا إلى إعادة صياغة القانون بشكل يؤدي إلى حل قضايا الأسرة، وتوجد ملايين القضايا المكدسة في محاكم الأسر ناتجة عن نزاعات أسرية.
وأضاف السيسي: "نحتاج إلى مناقشة قضايا الأسرة بأمانة وحيادية دون مزايدة والتكاتف والاستماع لكافة الآراء"، مشيرا إلى "أن الدولة تريد تحقيق التوازن بخروج قانون أحوال شخصية عادل".
وأشار إلى أن نسب الأسر التي حدث بها انفصال زادت بشكل كبير خلال آخر 20 سنة، معتبرا أن قانون الأحوال الشخصية من أخطر القضايا التي تواجه مجتمعنا، ومشاكل الأحوال الشخصية ستؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج وتكوين أسرة.
ورغم وجود أكثر من قانون في البرلمان مقدم من قبل الحكومة والأزهر الشريف ونواب بالبرلمان إلا أن مجلس النواب لم يحسم تعديلات القانون الذي يعود إلى عشرينيات القرن الماضي وطرأت عليه عدة تعديلات ولكنها بحسب كثيرين لم تحسم المشاكل المصاحبة للقانون طوال تلك العقود.
تقاطع الأزهر والمجتمع المدني
ويعارض نواب ومفكرون وناشطات وحقوقيات تدخل مؤسسة الأزهر في إعداد القانون، وانتقدوا ما أسموه "دينية الدولة"، ويأتي مسسلسل "فاتن أمل حربي" للكاتب المثير للجدل، إبراهيم عيسى، والذي تم عرضه في رمضان نموذجا لمحاولة إبعاد الشريعة عن قانون الأحوال الشخصية بدعوى أنه لا ينصف المرأة ويقهرها.
وردا على تلك الانتقادات، قال شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في مقال له، في تشرين أول/ أكتوبر عام 2019، إن الأزهر قام بإعداد مشروع القانون انطلاقا من واجبه الشرعي، مشيرا إلى أنه حين يكون الوضع متعلقا بقوانين مصدرها القرآن والسنة والشريعة الإسلامية التي هي المصدر الوحيد الذي يمكن أن تنطلق منه أحكام الأحوال الشخصية لا يصح أبدا ولا يقبل أن يترك الحديث فيها لمن هب ودبّ.
وأشاد عيسى بتصريحات السيسي عن ضرورة تعديل قانون الأحوال الشخصية مؤكدا أنها تكشف عن عقلية قادرة على فهم مقتضيات العصر، في حين يرى أن تدخل الأزهر في التشريع يدخل البلاد إلى دائرة الوصاية الدينية التي تخلق مشاكل عديدة، خاصة بين اتباع الديانات الأخرى، على زعمه.
وتنص المادة السابعة من الدستور المصري الأخير المعدل على أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة، ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه".
تعديل وتطوير تحت مظلة الأزهر
ويرى وكيل وزارة الأوقاف المصرية سابقا، الشيخ سلامة عبد القوي، أن قانون الأحوال الشخصية يحتاج تعديلا ويجب أن يكون متجددا ومتوافقا مع متغيرات الحياة، لكن لا بد أن نراعي أن هناك ثوابت أوجدتها الشريعة الإسلامية، ولا يمكن التنازل عنها أو تعديلها أو النقاش حولها، والحقوق التي أعطاها الشرع للرجل غير الحقوق التي أعطاها للمرأة، ولا بد لأي تعديل أن ينطلق من منطلق ديني شرعي وليس مدنيا علمانيا".
واعتبر في تصريحات لـ"عربي21" أن "عملية التعديل بما يتوافق مع مستجدات الحياة وبما لا يتعارض مع ثوابت الشريعة من مهمة الجهات الشرعية التي تخصص مجموعة من العلماء المتخصصين في مجالات مختلفة ومذاهب مختلفة تحت مظلة الأزهر الشريف، ولذلك حرص الأزهر دائما على تطوير وتعديل قانون الأحوال الشخصية وتنقيته من الشوائب التي تتعارض مع الشرعية عام 2019 لكنه قوبل بالرفض من المجتمع المدني (العلماني)".
ورأى الشيخ عبد القوي أن "ضغط الجماعات المدنية والحركات النسوية والحقوقية هو ضغط قديم متجدد من أجل استقلال المرأة بنفسها عن كل شيء، ولا تريد أي دور للأزهر في تعديل ومراجعة القانون، من خلال إثارة بعض القضايا المثيرة للجدل والكثير منها تعرض لها الشرع بشكل كاف وواف فكيف نترك الشرع للمدنية، ولذلك يجب أن تكون الأحوال الشخصية نابعة من الشريعة الإسلامية، ولا بد أن يكون الأزهر الجهة الرسمية والدينية المنوط بها الأمر وإلا سيصبح غير ذلك إفسادا لا إصلاحا".
الدولة عصفت بالمرأة والرجل والأسرة
من جهتها، تقول الكاتبة والصحفية ورئيس الاتحاد العالمي للنساء وممثلة المرأة المصرية، إلهام عبد الله، إن "الإسلام جاء فرفع المرأة وكرمها بعد أن كانت مهانة لا قيمة لها في الجاهلية وفي العالم أجمع، وأعاد لها حقها المهضوم، وجعلها في مكانة خاصة، ونزل القرآن الكريم في مواقع عدة ينص على المرأة ويقر قوانين تصون جسدها وعقلها وروحها، لكن لما جاء القانون البشري ودعاة المدنية حطوا من قيمتها ولبس الشيطان ثوب المدافع عن المرأة تحت مزاعم التحرر والمساواة بين الرجل والمرأة، بل حملتها أكثر من طاقتها حتى باتت الفتيات يكرهن الزواج".
وأضافت لـ"عربي21": "الأصل في تكوين الأسرة هو تقاسم مسؤوليات الزوج في العمل والزوجة في البيت، ولكن ما حدث أن القوانين المدنية أخرجت المرأة من بيتها ثم من مسؤولية أولادها ثم صارت ندا للرجل، ومع العولمة الجدية ذهب كل طرف بما لديه وذهب دفء الأسرة وزاد الفقر والجهل والجريمة بسبب الأعمال الفنية الهابطة، والتجريح في الدين والمشايخ، ومن هذا المكان أتساءل لماذا لا تبحث الدولة عن الأسباب الحقيقية وتقوم بحلها قبل أن تضع أو تعدل قوانين منافية لتعاليم الإسلام".
ودعت عبد الله إلى معالجة الأسباب قبل إعادة البحث في النتائج، قائلة: "لدينا عدة ملفات أطاحت بالأسرة المصرية ودمرتها، ينبغي معالجتها، على رأسها الاقتصاد المنهار، وتحمل المواطن أعباء ليست من شأنه وانتشار الفقر، وانهيار ملف التعليم الذي تدهور وانتشار الجهل، وانهيار ملف الصحة وبات المواطن لا يجد العلاج إلا بثمن باهظ، وملف الحريات المصادرة، وانتشار الظلم والقمع، وترك الفن ينشر الرذيلة، وترك المخدرات تعبث بأرواح شباب الأمة المصرية، كلها ملفات نخرها الفساد، هذا ما دمر الأسرة وليس قانون الأحوال الشخصية".
هل يعيد نظام السيسي التلويح بورقة الإرهاب في سيناء؟
تحول دراماتيكي بسياسة الأوقاف بمصر تجاه المساجد.. ما دلالاته؟
بعد إعلان تفاصيل دعوة الحوار.. هل يحاور السيسي نفسه؟