قال منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باللجنة الدولية لحماية الصحفيين، شريف منصور، إن "هناك تغيرات محلية وإقليمية ودولية أضعفت قدرة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، على اعتقال الصحفيين".
وأضاف، في مقابلة خاصة مع "ضيف عربي21"، أن "الرئيس الأمريكي جو بايدن امتنع لأول مرة عن لقاء الرئيس المصري قرابة العام والنصف، ولأول مرة الإدارة الأمريكية والكونغرس يقومان باشتراط تقديم المعونة للقاهرة بتحسن أوضاع حقوق الإنسان، وهو ما ساهم في إجبار السيسي على التنازل بشكل كبير في هذا الملف".
واستدرك منصور قائلا: "نحن لا نثق في التصريحات التي تروج لاحترام حقوق الإنسان وقبول للمعارضة، وقلنا في لجنة حماية الصحفيين إن هذه الوعود لا بد أن يتم اختبارها؛ حتى لا تكون كالوعود الكاذبة التي أطلقها السيسي في السابق خلال المحافل الدولية أو أمام الشعب المصري".
وطالب منسق اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، الإدارة الأمريكية بألا تغير السياسات التي انتهجتها مع النظام المصري، داعيا لزيادة تلك الضغوط خلال الفترة القادمة؛ "حتى نتأكد أن وعود السيسي يتم تنفيذها على أرض الواقع"، مضيفا: "نرى أن هناك فرصة لهذه التغيرات المأمولة، لكنها لن تثمر إلا بمواصلة الضغوط المختلفة".
وفيما يلي نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
قبل أيام، احتفل العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة.. فكيف ترى واقع الصحافة في مصر اليوم؟
واقع الصحافة اليوم هو الأسوأ في تاريخ مصر الحديث؛ فمصر لا زالت ثالث دولة في سجن الصحفيين حول العالم، والأولى في المنطقة العربية، وهو نفس الترتيب منذ 8 سنوات في تقدير اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، ووفق آخر إحصاء لنا في كانون الأول/ ديسمبر الماضي كان هناك 25 صحفيا بالسجون المصرية، وقد أُفرج عن 5 منهم مؤخرا، لكن تظل فكرة "التهديد بالاعتقال" هي السمة الغالبة على الدولة، بالإضافة لتعاظم حدة الرقابة من خلال حجب المواقع الإخبارية والحقوقية، وما رأيناه مؤخرا من التصعيد من قِبل الدولة من خلال الاعتقال التعسفي، ومعاقبة الصحفيين بطرق أخرى منها: المراقبة الشرطية، أو "التدوير"، وهو إعادة سجن الصحفيين لفترات مطولة دون أي دليل أو القدرة على الدفاع عن النفس خلال المحاكمات.
ما الأسباب التي أدت لتردي أوضاع الصحافة المصرية؟ ومَن المسؤول عن ذلك؟
بالطبع المسؤول هو الرئيس عبدالفتاح السيسي؛ فمنذ أن تولى السلطة بدأت مصر تظهر في قوائم الدول الأكثر قتلا للصحفيين؛ ففي عام 2013 فقط قُتل 7 صحفيين أثناء تغطيتهم للتظاهرات المعارضة لتدخلات الجيش ضد الرئيس السابق محمد مرسي، وبعد ذلك أصبحت مصر من أكثر الدول سجنا للصحفيين بناءً على تبريرات وتشريعات قام بها الرئيس المصري، منها تشريعات مكافحة الإرهاب، والتهم المتعلقة بالإرهاب ونشر الأخبار الكاذبة، وغيرها لتبرير احتجاز الصحفيين.
بالإضافة إلى المصطلح الذي أطلقه الرئيس المصري "أهل الشر"، وهو المصطلح الذي فتح الباب أمام وكلاء النيابة والقضاة في المحاكم الاستثنائية لاعتقال أي شخص بما في ذلك عشرات الصحفيين، ولم يقتصر الأمر على الصحفيين أنفسهم، بل طال عائلاتهم أيضا، حتى وصل الأمر لصحفيين خارج مصر.
وبجانب التهديدات المباشرة بالاعتقال كانت هناك تهديدات أخرى لمَن يتم الإفراج عنهم، ورأينا تغييرات في طريقة الإفراجات عن بعض سجناء الراي خلال العامين الماضيين، والسبب في ذلك هو تغيرات محلية وإقليمية ودولية أضعفت قدرة الرئيس المصري على سجن الصحفيين دون حساب، نتيجة اختفاء عناصر مثل: تواطؤ الإدارة الأميركية السابقة خلال عهد دونالد ترامب، والتي أتاحت للسيسي وأجهزته ضرب القانون عرض الحائط، ولأول مرة بعد سنين طويلة من الاعتقال والتبرير نرى تغير في الخطاب، ونرى الإدارة المصرية تقول إنها بصدد احتمال تقبل الرؤى المعارضة.
ونرى اليوم ضغوطا دولية منها: إدارة الرئيس بايدن الذي امتنع لأول مرة عن لقاء الرئيس المصري قرابة العام والنصف، ولأول مرة الإدارة الأمريكية والكونغرس يقومان باشتراط تقديم المعونة لمصر، والتمديد للاشتراط هذا العام، فضلا عن زيادة تلك الشروط مقارنة بالعام الماضي. هذه بعض أوجه الضغوط الدولية التي تغيرت، والتي أجبرت الرئيس المصري على التنازل بشكل كبير في هذا الملف، ولكن نحن لا نثق في هذه التصريحات، وقلنا في لجنة حماية الصحفيين إن هذه الوعود لا بد أن يتم اختبارها حتى لا تكون كالوعود الكاذبة التي وعد بها السيسي في السابق خلال المحافل الدولية، أو أمام الشعب المصري، أو أمام الرئيس أوباما باحترام حقوق الإنسان.
لذلك، نحن نطالب الإدارة الأمريكية بألا تغير هذه السياسات التي انتهجتها، وأن تزيد منها خلال الفترة القادمة حتى تتأكد أن هذه الوعود يتم تنفيذها على أرض الواقع؛ فقد أُفرج عن 15 من الصحفيين خلال العام الماضي، بينما أُفرج عن 5 فقط خلال هذا العام، ونريد أن يُفرَج عن العشرين الباقين داخل السجون قبل نهاية العام الجاري، وألا يتم سجن آخرين؛ حتى نتأكد أن هناك تغير فعلي في السياسة، وأن يتم تغيير تشريعي لمنع احتجاز الصحفيين أو المعارضين المسالمين دون وجه حق أو دليل يستند فقط لتحريات الأمن الوطني.
وهل تعتقد أن الإدارة الأمريكية ستمارس المزيد من الضغوط على النظام المصري؟
في قدرتها ذلك؛ فخلال الفترة الماضية رأينا أشكال من الضغوط إلى جانب موضوع اشتراط المعونة، منها إعلان واشنطن إلقاء القبض على أحد المتعاونين مع الأجهزة المصرية، وهو ما تعتبره الإدارة الأمريكية خطا أحمرا، خاصة كونه ممن يحملون الجنسية الأمريكية، أضف لذلك احتمالية وجود تهديد في المستقبل عبر الملاحقات القضائية داخل الولايات المتحدة والتي ربما تطال عدد من المسؤولين المصريين الذين تورطوا في انتهاك حقوق الإنسان أو ملفات الفساد بصورة كبيرة، خاصة بالنسبة للذين تورطوا بشكل مباشر عن تعقب وتعذيب مواطنين أمريكيين أو عائلاتهم في مصر.
وهذه بعض الشروط التي تم إضافتها بصورة مباشرة لشروط منح المعونة مقارنة بالعام الماضي، ونحن لا نتكلم عن الجانب الأخلاقي المتعلق بحقوق الإنسان فقط، وإنما عن الجانب "المصلحي" أيضا، وهو تمثيل مصالح المواطنين الأمريكيين الذين يتم استهدافهم داخل الحدود الأمريكية أو استهداف أقاربهم داخل الحدود المصرية بسبب كونهم صحفيين أو مدافعين عن حقوق الإنسان.
هناك تقارير تتحدث عن لقاء محتمل يجمع الرئيس بايدن ونظيره المصري في تل أبيب.. هل لديك معلومات عن هذا الأمر؟
ليست لدي معلومات، لكن المؤكد أنه لم تحدث بينهما لقاءات، وإنما كانت هناك محادثة هاتفية فقط بخصوص غزة، وما أستطيع قوله: إننا كمنظمة نطالب بأن تكون حرية الصحافة وحقوق الإنسان على أي مائدة تفاوض أو مائدة حوار سياسي أو اقتصادي، خاصة مع دولة مثل مصر التي تعتبر من أوائل الدول في سجن الصحفيين وتعقبهم، وإدارة الرئيس بايدن وعدت أثناء الحملة الانتخابية بأن تكون حقوق الإنسان وحرية الصحافة ملفا مهما مع الرئيس السيسي نفسه، ومع غيره من حلفائه في المنطقة، بما فيها ولي العهد السعودي أو الإماراتي أو غيرهم ممن يتم توجيه انتقادات لهم في ملفي حقوق الإنسان وحرية الصحافة.
وقد طالبنا بأن يتم اشتراط المعونة لمصر، أو أي قروض أو مساعدات دولية بما فيها البنك الدولي أو أي جهة إقراض أخرى أن تكون هذه المعونات أو الاستثمارات مشروطة بتحسن ملف حقوق الإنسان، وحرية الصحافة. ونرجو أن يكون أي اتجاه لحدوث لقاءات أو التنظيم القادم لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، المُقرر إقامته بمدينة شرم الشيخ خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، مقترنا بقدرة وسائل الإعلام والمجتمع المدني على المشاركة والمراقبة بحرية، وأن تتمكن هذه الوسائل من سؤال الرئيس المصري والأمريكي وأي ولي عهد أو الممثل الإسرائيلي عن ملف حقوق الإنسان بصورة مباشرة، وعن تسوية ملف المعتقلين، والإفراج العام عمن لم تثبت إدانتهم في أي تهم عنف أو تحريض.
هل هناك ضغوط دولية كافية على النظام المصري لإجباره على احترام حرية الصحافة أم لا؟
أرى أن الضغوط الدولية ليست كافية، وأرى أن تلك الضغوط لن تكون مجدية أو مؤثرة طالما لا توجد هناك ضغوطا محلية وإقليمية تسمح لها بالتأثير، وهو ما أراه في الملف المصري؛ فالرئيس المصري لا يحتاج فقط لمساعدات دولية أو إقليمية، بل لأول مرة تطاله تحديات اقتصادية وأمنية، خاصة بملفات زيادة الأسعار، وانخفاض قيمة الجنيه، وملفات المياه مع إثيوبيا، وغيرها من التحديات التي تواجه الإدارة المصرية، والتي ترى حرجا كبيرا لعدم تنفيذها لأيّا من وعودها في هذه الملفات.
ونحن لا نعوّل فقط على الحكومة الأمريكية، وإنما على الاتحاد الأوروبي، وعلى الأمم المتحدة التي استمرت بالمطالبة بحسم ملف حقوق الإنسان، والبرلمان الأوروبي الذي يستمر في المطالبة باشتراط المعونة بالإفراج عن الصحفيين والنشطاء وغيرهم، نرى أن هناك فرصة لهذه التغيرات، لكنها لن تثمر إلا بالضغوط المختلفة، واستكمال الضغط حتى لا تتحول لوعود كاذبة كما رأينا في الماضي.
إلى أي مدى أنت متفائل بتحسن أوضاع الصحافة المصرية في ظل دعوة السيسي للحوار مع كل القوى السياسية؟
نعم متفائل؛ فقد رأينا الإفراج عن 15 صحفيا خلال العام الماضي، وإن كان اعتقال الصحفيين أو المعارضين لم يتوقف، لكن حدته لم تعد كما كانت في الماضي، وأرى أن هناك فرصة للضغط ليس فقط بسبب التأثير من الجانب الدولي أو الإقليمي، وإنما لأن هناك من الصحفيين الذي أُفرج عنهم ويتحدثون في الداخل والخارج للضغط من أجل الإفراج عن ذويهم، كما أرى أن هناك فرصة لتسوية ملف المعتقلين، لكن هذا يتطلب تغيير تشريعي نتمنى أن يحدث هذا العام، في ظل ضغوط مستمرة من الخارج خلال فترة قصيرة، لكن «ما نيل المطالب بالتمني» وسنظل نعمل ونتابع، وسنظل ورقة ضغط على الحكومة في الداخل والخارج، في واشنطن – حيث أقيم – وفي بروكسل، وجنيف وفي الأمم المتحدة، وفي العواصم الأوروبية التي تستجمع قوتها الآن لمجابهة الرئيس الروسي وأنصاره في المنطقة، ومنهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
هل هناك تواصل وحوار بين اللجنة الدولية لحماية الصحفيين وبين السلطة المصرية؟ وما طبيعة الدور الذي تقومون به في مواجهة الانتهاكات التي تحدث بحق الصحفيين والإعلاميين في مصر؟
في الماضي القريب حينما كان الرئيس عبدالفتاح السيسي بحاجة ماسة للشرعية الدولية، عندما مُنع للمرة الأولى من دخول واشنطن والبيت الأبيض في عهد الرئيس أوباما.. سُمح لنا بإرسال بعثة دولية عام 2013، وقُدمت لنا الوعود بعدم استبدال "دولة قمعية دينية" بدولة "فاشية عسكرية"، لكن رأينا تلك الوعود تتبدل خلال الأعوام التالية، وتوقفت الردود التي كانت تصلنا من جانب الحكومة المصرية منذ عام 2014، وفي كل مرة يتم فيها اعتقال صحفيين يتم التواصل معهم ونطلب منهم رد، وفي كل مرة نصدر فيها بيانات نطلب منهم رد، لكنهم لا يجرؤون على الرد، ليس لأننا محايدين وقادرين على تفنيد أي رد، وإنما لأننا نقدم بياناتنا بالإيصالات، والإثباتات؛ فنحن نقدم مع بيانات كل صحفي ما يفيد قيامه بعمل صحفي، وأنه تم استهدافه/ها بسبب العمل الصحفي، والمصادر المختلفة التي تثبت ذلك، بما فيها مصادر أولية من عائلات الصحفيين، أو من المحامين المدافعين عنهم، أو من منظمات الدفاع عن حرية الصحافة في الداخل والخارج.
كيف ترى مستقبل الصحافة وحرية الإعلام في مصر في ظل حكم السيسي؟
مصدر الصحافة هو مصدر الديمقراطية؛ وبالتالي مستقبل الصحافة مرتبط ارتباطا كاملا بالتحول الديمقراطي في مصر، رأينا ذلك بصورة واضحة خلال عامي 2011 و2012، عندما كانت هناك صحافة حرة لأول مرة، عندما كانت هناك ديمقراطية وانتخابات نزيهة في مصر، وفي 2012 لم نسجل وجود أي صحفي داخل السجون، لكن منذ 2013 أصبح في السجون صحفيون بأعداد كبيرة؛ فالموضوع مرتبط بشكل وثيق بالتقدم الديمقراطي بصفة عامة، ليس فقط في مصر، بل في المنطقة العربية والمحيط الإقليمي لمصر، لأن السيسي يعتمد في دعمه على حلفائه الإقليميين، بما في ذلك تعقب وقتل حرية الصحافة والإعلام، ووصول المعلومات.