قال
عضو مفاوضات دول حوض النيل سابقا، وخبير القانون الدولي للمياه الدكتور أحمد المفتي
إنه "ستكون هناك تداعيات كارثية عقب الانتهاء من التخزين الثالث المرتقب لسد النهضة
الإثيوبي، حيث ستمتلك أديس أبابا حينها بشكل فعلي ورسمي قنبلة مائية خطيرة للغاية يمكن
أن تؤدي إلى عواقب وخيمة جدا على دولتي السودان ومصر".
وأضاف،
في مقابلة خاصة مع "عربي21": "النتائج ستكون كارثية بكل المقاييس، لأنه
باكتمال الملء الثالث يكون مخزون المياه قد وصل إلى 18 مليار متر مكعب، وهي القنبلة
المائية التي ستجعل السودان ومصر ينصاعان للإرادة الإثيوبية في كل شيء، خاصة أن سعة
السد السوداني (الروصيرص) ستصبح 7.5 ملايين متر مكعب فقط في مواجهة سد النهضة لو كان
فارغا".
وشدّد
المفتي على أن "الملء الثالث للسد يختلف تماما عما سبقه من إجراءات؛ فهو أكثر خطورة،
لأنه يمكن أديس أبابا من امتلاك تلك القنبلة المائية، وباكتماله تنتفي الحاجة للمفاوضات،
وعلى السودان ومصر آنذاك التفرغ لمجابهة المخاطر التي سوف يتسبّب فيها السد، بينما
الخرطوم والقاهرة لا تحركان ساكنا مثلما فعلتا عند الملء الأول والملء الثاني".
وتوقع
المفتي بدء الملء الثالث لسد النهضة بشكل رسمي خلال شهر تموز/ يوليو المقبل، مشيرا
إلى أن "هذا الأمر سيرسخ تماما للخطوات الأحادية الإثيوبية السابقة، ويأتي إمعانا
في خرق أديس أبابا لالتزاماتها الدولية، وباكتماله تجف الأقلام وترفع الصحف".
بيع
مياه النيل
لكن
هذه الخطوة المرتقبة تعني بالنسبة لإثيوبيا تحقيق كامل أهدافها بنسبة 100%، وفق المفتي
الذي أضاف: "يمكن لأديس أبابا أن تبيع لنا المياه في وقت لاحق بعد إتمام الملء
الثالث لسد النهضة".
واستشهد
بالمادة 6 من إعلان مبادئ سد النهضة التي قال إنها تنص على "إعطاء إثيوبيا الأولوية
للسودان ومصر إذا أرادت بيع المياه لهما، وهو ما يعني أنه لا توجد كمية محددة من المياه
لهذين البلدين لا بأسعار تقديرية أو حتى تجارية".
وشدّد على أن "إثيوبيا قامت ببناء سد النهضة لأغراض أخرى لا علاقة لها مطلقا بالحصول على
إنتاج الكهرباء، بل من أجل بيع المياه، والتحكم في القرار السياسي في السودان ومصر،
ولذلك رفضت بريطانيا طلب إيطاليا عام 1925 بالتخزين في بحيرة تانا (منبع النيل الأزرق
وأكبر بحيرة في إثيوبيا)".
ولفت
عضو مفاوضات دول حوض النيل سابقا، إلى وجود استثمارات إسرائيلية في المياه بإثيوبيا
التي أوضح أنها تعتزم بيع مياه النيل وتصديرها لدول خارج أفريقيا، وفي القلب منها إسرائيل.
وأشار
إلى أنه "ستكون هناك فائدة ضخمة بالنسبة للمواطن الإثيوبي عقب الانتهاء من التخزين
الثالث، ورغم أن هذه الاستفادة لم تظهر حتى الآن، لكنها أوشكت وباتت قاب قوسين أو أدنى
بالنسبة لهم".
بناء
مستمر
ونوّه
المفتي إلى صحة الأنباء التي جرى تداولها مؤخرا بشأن بدء أعمال خرسانية في جسم سد النهضة،
بالإضافة إلى تنظيف موقع التخزين من الأشجار، استعدادا للملء الثالث الذي اتخذت إثيوبيا
بالفعل كل الخطوات اللازمة لتنفيذه، مؤكدا أن "البناء مستمر ولم يتوقف".
وأضاف:
"هناك تعلية خرسانية على الكتلتين الغربية والشرقية للسد بأكثر من 600 متر فوق
سطح البحر، فضلا عن أن تعلية الممر الأوسط للسد تجاوزت مترين، وكل متر يقوم بتخزين
حوالي نصف مليار متر مكعب من المياه".
واستطرد
قائلا: "أي تشييد إضافي، ولو حتى مترا واحدا، يفيد إثيوبيا، وعندما يصل مخزون مياه
سد النهضة إلى 18 مليار متر مكعب سيكون السودان ومصر مُجبرين على أن يبصما بالعشرة
على التشييد الإضافي للسد حتى اكتماله بشكل نهائي".
هجمات
إلكترونية
بينما
أوضح المفتي أنه لا يدري أثر الهجمات الإلكترونية التي استهدفت عرقلة أعمال سد النهضة
خلال الأيام الماضية.
كان
مدير عام وكالة أمن شبكات المعلومات الإثيوبية، شوميت جيزاو، قد أعلن، في مؤتمر صحفي
الثلاثاء، إحباط هجمات إلكترونية حاولت استهداف سد النهضة من خلال استهداف 37 ألف جهاز
كمبيوتر مترابط تستخدمها المؤسسات المالية.
اقرأ أيضا: خبراء: تحركات إثيوبيا نحو ملء ثالث يضع دول المصب في مأزق
آفاق
المفاوضات
ورأى
المفتي أن "أي مفاوضات لا تشترط وقف أنشطة إثيوبيا في السد أولا لن تفضي إلى أي
نتيجة للسودان ومصر على الإطلاق، بل ستقنن وتشرعن التصرفات الأحادية الإثيوبية وأنشطتها
غير القانونية، مثل المفاوضات التي حدثت بعد الملء الأول، وتلك التي حدثت بعد الملء
الثاني".
وواصل
حديثه بالقول: "أي مفاوضات قبل الوصول لاتفاق ملزم تصب في مصلحة أديس أبابا، وتهدر
مزيدا من الحقوق المائية للسودان ومصر".
ووصف
المفتي إعلان أديس أبابا تعيين وزير الري الإثيوبي السابق وكبير المفاوضين الإثيوبيين
لسد النهضة، سيليشي بيكيلي، مبعوثا خاصا وسفيرا مفوضا لدى الولايات المتحدة الأمريكية
بأنه "تطور مهم جدا".
فهذه
الخطوة تعني، بحسب المفتي، أن "أديس أبابا حسمت أمرها من المفاوضات مع الخرطوم
والقاهرة، بمعنى أنها ماضية في جميع تصرفاتها الأحادية".
وتابع:
"قيام أحد أطراف النزاع بتعيين مبعوث خاص لدى أقوى الدول الضالعة في التوسط فهذا
أمر غير مسبوق، ويعني أن إثيوبيا لديها رسائل خاصة ترغب في إيصالها لأمريكا، استباقا
لأي تحرك سوداني مصري، إضافة إلى رسائل تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في إقليم تيغراي،
حتى لا تكون لها أي انعكاسات سلبية على موقف واشنطن من سد النهضة".
وكانت
مصر والسودان قد دعتا، في 9 آذار/ مارس الماضي، إلى "مفاوضات جادة" تحت رعاية
الاتحاد الأفريقي حول سد النهضة، بحيث يفضي ذلك إلى اتفاق قانوني ملزم يحقق مصالح الدول
الثلاث، مع دعوتهما إثيوبيا إلى الانخراط الفعال في المفاوضات بأسرع وقت ممكن.
يشار
إلى أن مفاوضات سد النهضة لا تزال متعثرة منذ نيسان/ أبريل الماضي، والتي استضافتها
العاصمة الكونغولية "كينشاسا"، حينما كانت الكونغو رئيسا للاتحاد الأفريقي.
إيقاف
أنشطة السد
واستطرد
المفتي قائلا: "إن لم تقبل إثيوبيا شرط إيقاف أنشطة السد أولا فعلى السودان ومصر
البحث عن الجزرة والعصا في هذه القضية أو الاستسلام الكامل للإرادة الإثيوبية في كل
المجالات، وليس المجال المائي وحده".
وتابع:
"ما لم يلجأ السودان ومصر إلى خطوات أخرى حاسمة وقوية -مثل المطالبة الجادة بالأرض
(التي يُقام عليها سد النهضة)- تجبر مجلس الأمن على التدخل بموجب الفصل السابع لإيقاف
الأنشطة الإثيوبية فإن أديس أبابا لن تستمع لأي أحد ولن يوقفها شيء".
وقال:
"يجب على السودان أن يطالب باسترداد الأرض، وأول خطوة في ذلك الاتجاه، هي سحب
توقيعه على إعلان المبادئ، واتخاذ كل ما يلزم في هذا الإطار، لأن إثيوبيا أخلت بشرط
منحها الأرض في المادة 3 من اتفاقية 1902، وذلك بهدف العمل على إيقاف التعنت الإثيوبي".
وأردف:
"للأسف لا يوجد مخرج قانوني اليوم، لأن السودان ومصر قامتا بتحصين إثيوبيا بموجب
المبدأ رقم 10 من إعلان مبادئ سد النهضة من اللجوء إلى أي طرف ثالث، إلا بموافقة إثيوبيا،
كما أن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية يتطلب موافقة أديس أبابا".
ونوّه
إلى أن "الموقف المصري- السوادني متجانسان فقط في الرضوخ لتصرفات إثيوبيا الخاصة
بسد النهضة"، موضحا أن "من بين أهداف الاستراتيجية الإثيوبية المائية إبعاد
السودان عن مصر بأي طريقة".
انهيار
سد النهضة
في حين
أوضح المفتي أن "إثيوبيا لم تطلع دول الجوار على التعديلات الفنية على السد باعتبارهم
المتضررين إذا ما حدث انهيار كلي أو جزئي للسد، خاصة أنها لم تكمل أمان السد الذي التزمت
به في المبدأ رقم 8 من إعلان المبادئ".
وتابع:
"إثيوبيا لا تملك الإمكانيات أو الخطط اللازمة لإنقاذ ما يزيد عن 20 مليون سوداني
و100 مليون مصري سيتعرضون للإبادة حال انهيار السد، بل إنها ترفض حتى مجرد الالتزام
بالتعويض عن الأضرار البسيطة، وستقف متفرجة حينها على مشاهد غرق الملايين؛ فهي غير
معنية بأمان السد، وهذه نقطة لم يذكرها السودان ولا مصر، بل ذكرتها اللجنة الدولية
عام 2013".
وحول
مآلات أزمة سد النهضة، اختتم المفتي حديثه بالقول: "سيكون هناك عدم استقرار سياسي
إلى يوم الدين؛ لأن الحاجة للمياه تزداد يوما بعد يوم، إلا إذا تم التوصل إلى اتفاق
برضى الدول الثلاث".
يُذكر
أن أديس أبابا بصدد بدء ملء ثالث لـ"سد النهضة" خلال الفترة المقبلة دون
التوصل إلى اتفاق ثلاثي مع القاهرة والخرطوم بشأن السد الواقع على النيل الأزرق، وهو
الرافد الرئيس لنهر النيل.
وكانت
وزارة الخارجية الإثيوبية أعلنت في تموز/ يوليو 2021 أن الملء الثاني لسد النهضة قد
تم والكمية التي كانت مقررة من قبل بلغت 13.5 مليار متر مكعب.
تصاعد خطاب العنف السياسي بتونس.. إلى أين يتجه المشهد؟
عراقيل تواجه لجنة العفو الرئاسي بمصر.. وهذه خطوطها الحمر
ماذا تمثل إفراجات السيسي من حجم الأعداد الحقيقية للمعتقلين؟