يعتبر "وادي غزة"، وسط قطاع غزة، واحدا من أهم الأودية في فلسطين والمساحات الرطبة في حوض البحر المتوسط، ويتمتع بإرث تاريخي وحضاري منذ عشرات السنين قبل أن تمنع دولة الاحتلال سريانه وتدفقه من صحراء النقب إلى قطاع غزة.
من جبال النقب والخليل ينبع "وادي غزة" الذي يصل طوله إلى 90 كلم منها 9 كلم في قطاع غزة ليشق طريقه باتجاه قطاع غزة ليسير في منطقة فريدة من نوعها من الناحية البيئة والحيوية وليربط الفلسطينيين ببعضهم البعض على مدار سنوات طويلة، وليدرج الوادي ضمن قائمة اليونسكو الأولية لمواقع التراث العالمي كونه لا يزال يحمل مقومات المحمية الطبيعية، وذلك مع عودة جريان المياه النظيفة من الأمطار فيه.
وكان "وادي غزة" حتى عام 1970م يتميز بتنوع حيوي كبير قبل انخفاض تدفق المياه بداخله مع وضع الاحتلال سدودا لمنع تدفق المياه له لتجفيفه، لتعلن سلطة جودة البيئة الفلسطينية في العام 2000م عنه كمحمية طبيعية.
وخلال السنوات الماضية تحول الوادي لمشكلة صحية نتيجة ضح المياه العادمة واستخدام مناطق واسعة منه كمكب للنفايات، إلا أنه وفي العام 2021م تم تأسيس "مجلس الخدمات المشترك للتخطيط والتطوير ـ وادي غزة" بهدف تطوير وحماية وادي غزة كمحمية طبيعية، من أجل إنقاذ الوادي بتكاتف الجهود الدولية والوطنية مع الالتزام المحلي بوقف التلوث الحاصل في الوادي.
وأكد إياد المغاري، رئيس المجلس، ورئيس بلدية النصيرات على أن "وادي غزة" يمثل جزءا هاما من التاريخ الجيولوجي الفلسطيني، ويعتبر موطنا هاما لكثير من أنواع الطيور والحيوانات والزواحف.
وقال المغاري لـ "عربي21": "إن المجلس الذي تم تأسيسه لإنقاذ الوادي بهدف تطوير وحماية وادي غزة كمحمية طبيعية، هو بمشاركة البلديات المطلة على المحمية وهي : بلدية النصيرات، بلدية البريج، بلدية المغراقة، بلدية الزهراء، وبلدية وادي غزة، حيث ستتركز مهام المجلس الأساسية على حماية وصيانة وتطوير المحمية".
إياد المغاري، رئيس المجلس، ورئيس بلدية النصيرات
وأضاف: "إن فكرة إنشاء المجلس جاءت بناءً على مخرجات الخطة الهيكلية التي تم إعدادها في العام 2019 وذلك بعد مشاورات مكثفة مع المؤسسات الحكومية والأهلية ذات العلاقة من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP وبدعم من الحكومة النرويجية".
وأوضح أن المجلس المشترك سيقوم بإدارة وتشغيل وصيانة كافة الخدمات والمرافق ضمن منطقة حرم وادي غزة بما يشمل الأنشطة المتعلقة بمشاريع البنية التحتية، والمشاريع الثقافية والتعليمية وتشمل المتاحف والمتنزهات، وتطوير المرافق الترفيهية، وكذلك تطبيق سياسات التخلص الآمن من النفايات، بما في ذلك تنظيف الوادي وفرض منع التلوث في المستقبل.
وشدد المغاري على أن إنشاء المجلس جاء بناء على قرار صادق عليه وزير الحكم المحلي الفلسطيني مجدي الصالح في الرابع من تشرين ثاني/ نوفمبر2021م، مؤكدا أن أهدافه تتضمن العمل على تنفيذ مشاريع البنية التحتية، الأنشطة الثقافية والتعليمية والترفيهية، والعمل على حل أي منازعات متعلقة باستخدام الأراضي، والبحث عن سبل التمويل اللازمة ومشاركة المانحين ذوي العلاقة لضمان الإدارة طويلة الأجل للوادي والعمل على إنشاء مناطق ترفيهية وسياحية على طول الوادي، فضلا عن خلق فرص عمل للشباب والمجتمع المحلي في المنطقة.
وأشار إلى أن من مهام المجلس كذلك تطبيق سياسات التخلص الآمن من النفايات وتنظيف الوادي، وحماية الصحة العامة لقطاع غزة وموارده الطبيعية من خلال إعادة تأهيل وادي غزة كمحمية طبيعية معترف بها، وتعزيز سبل العيش لسكان المناطق المجاورة من خلال تطوير المناطق الترفيهية وخلق فرص عمل مستدامة.
وأكد على أن منطقة الوادي محمية ضد أي مخالفات أو أنشطة بيئية غير قانونية من خلال الإطار القانوني، والعمل على وقف أو إبطاء تدهور الموارد الطبيعية والأنظمة البيولوجية.
وشدد على أهمية بدء مشاريع تجريبية صغيرة الحجم لخلق وإنشاء حلول البنية التحتية المائية والخضراء، ومتابعة المناطق البرية لمنع أي تدخل غير قانوني داخل المحمية، والحفاظ على معايير الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، وتشجيع الأنشطة الزراعية حول الوادي ودعم المزارعين بالتعاون مع المؤسسات الشريكة، ووضع سياسات العمل والخطط اللازمة لتنفيذها.
وقال المغاري: "يشهد وادي غزة اهتماماً منذ عامين، عبر خطة شاملة للتنمية فيه، واستهداف البنية التحتية والبيئية الحيوية بمحيطه، مما يساهم في تحسين المشهد العام للوادي وللمنطقة، وخلق فرص عمل للمواطنين، وأماكن ترفيهية للزوار".
وأضاف: "إن مشروع تطوير الوادي جاء بعد تدهور منطقة الوادي والمحمية الطبيعية منذ أكثر من 10 سنوات، وانه سيتم العمل عليه بثلاث مراحل لإعادة تأهيله تدريجياً، وستستمر فترة تنفيذ مشروع تحويل وادي غزة من مكرهة صحية إلى محمية طبيعية، إلى فترة زمنية تصل إلى 10 سنوات، حيث سيكلف المشروع 66 مليون دولار".
وتابع: "حسب الخطة والتصاميم فإن الوادي سيضم مساحات خضراء وأندية رياضية، ومتاحف ومطاعم، وقد بدأت المرحلة الأولى من المشروع في شهر آذار/ مارس الماضي".
ومن جهته عرّف استشاري التوعية البيئية، ورئيس المعهد الوطني للبيئة والتنمية الدكتور أحمد هشام حلس "وادي غزة" بأنه "محمية طبيعية في الأساس هو منطقة فريدة بيئة بما فيها من مواصفات لا تتكرر في كثير من المناطق في العالم".
واستعرض حلس في حديثه لـ "عربي21" التنوع الحيوي والبيئات المختلفة التي تتداخل في وادي غزة من بيئة مالحة من ماء البحر والمنطقة الساحلية والسوافي الرملية والبيئة الرطبة والتربة الطينية والتنوع النباتي.
أحمد هشام حلس.. خبير بيئي فلسطيني
وقال: "أكثر من 250 نوعا من أنواع الطيور بالإضافة إلى 120 نوعا من أنواع الحيوانات وأكثر من 140 نوعا خاصا بالطيور كانت تهاجر وتتنقل إلى الوادي بشكل خاص للتعشيش عابر آلاف الكيلومترات من بيئات مختلفة".
وأضاف: "هذا الخليط من مياه عذبة كانت تأتي من شمال فلسطين من منطقة السموع ومن حوض النقب الشرقي، والتي تقطع 3500 كيلومتر مربع في طرقها لغزة وهي تجمع مياه الأمطار طوال فصل الشتاء، لتمشي أكثر من 25 مليون متر مكعب من المياه العذبة في هذا الوادي الذي يمتد 9 كيلومترات عبر قطاع غزة ليغذي الخزان الجوفي بالمياه العذبة ويثري ويغني الحياة البرية والبيئة بالإضافة للتنوع الحيواني".
وتابع: "كل ذلك جعل من وادي غزة محمية طبيعية فريدة ذات مورث ثقافي تعليمي وحيوي بيئي واكتسب من خلالها وادي غزة هذه السمعة الطيبة".
وأوضح حلس انه خلال السنوات الماضية وبسبب الحصار والحروب والواقع الذي يعيشه قطاع غزة تدفقت آلاف الأمتار المكعبة من المياه العادة بالجاذبية إلى البحر والتي تقدر بأكثر من أكثر من 23 ألف متر مكعب كانت من الصرف الصحي الخام كانت كل يوم تمشي في الوادي مما أدى إلى تدمير هذه البيئة الطبيعية وجعله مكرهة بيئة تؤثر على جيرانه.
وأشار إلى أن أكثر من 6 آلاف نسمة يعيشون في 7 مناطق محيطة في الوادي كانوا يشعروا بالأسى والألم وهاجروا من بيوتهم بسبب التلوث البيئي المتراكم في وادي غزة.
وأوضح أن وادي يمتد من شرق القطاع إلى ساحل البحر عبر 9 كيلو متر من المناطق الشرقية يكون بعرض 40 مترا يصل إلى 400 متر عرضه في منطقة الساحل الغربية.
وقال الخبير البيئي: "بعد كل هذا الأذى والتلوث البيئي الشديد الذي دمر البيئة في وادي غزة عبر عشرات السنيين اليوم هناك بارقة أمل للتغيير الايجابي يتم تنفيذه على ارض الواقع من خلال الجهات ذات العلاقة ومن خلال المؤسسات المحترمة في غزة لإنقاذ هذا الوادي".
وأضاف: "عبر مؤسسات دولية على رأسها (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP) تم تدشين وإطلاق مجلس مشترك لوادي غزة كجسم رسمي يمثل وادي غزة يرعى حقوقه ويسعى لتطويره ويستجلب له التمويل وذلك بالتعاون مع كل المؤسسات ذات العلاقة لحماية الوادي لمزيد من التدهور.
وأوضح حلس أن محطة المعالجة المركزة في مخيم البريج تعالج في اليوم أكثر من 60 ألف متر مكعب من المياه العادمة وتعيد ضخها في الوادي بعد أن حجب الاحتلال عبر سدود وبرك قام ببنائها على أطراف القطاع الشرقية فحرم القطاع من المياه العذبة التي كانت تأتي من وادي الشعرية وادي الرشاش لتغذي واد غزة.
وشدد على أن هذه المياه اليوم تعوض من خلال مياه عادمة معالجة في منطقة الشرق لتمشي في وادي غزة لتعيد الحياة للوادي وتعطي الكائنات الحية البرية النباتات وحتى الخزان الجوفي تغذيه بمياه معالجة.
ودعا حلس الجميع المشاركة للعمل على استنهاض وادي غزة مع السكان والمؤسسات والخبراء والنشطاء، مشيرا إلى أن هذه الجهود ترمي إلى حماية الوادي من أكثر من مشكلة.
وحدد الخبير البيئي المشاكل التي يسعون لحماية الوادي منها في: أولا التخلص من مياه الصرف الصحي الخام، مشيرا إلى أن هذه المشكلة وتم حلها والكل يلاحظ غياب هذه الرائحة الكريهة وغياب العوائق والرواسب بشكل عام.
وأشار إلى أن المشكلة الثانية هي تنظيف الوادي والذي يحتاج وقتا نظرا لتراكم المواد السامة عبر سنوات .
وطالب بضرورة العمل على إيقاف عملية التخلص العشوائي من النفايات الصلبة بشكل غير مسئول من قبل بعض المستهترين في البيئة عبر تسير رقابة بيئة على الوادي لتحمي الوادي من الصيد الجائر للطيور المهاجرة التي تعشعش وتنتشر وتزدهر حياتها في واد غزة في فصول مختلفة من السنة.
وشدد على ضرورة وقف إلقاء القمامة بشكل عشوائي في حرم الوادي ووقف التعدي ببناء مرافق خاصة ومنازل.
وقال حلس: "نحن بحاجة لتعاون الجميع لحماية التنوع الحيوي والبيئة الهشة التي يسعى الاحتلال إلى تدميرها ويحاصرها ونفتقر إلى كثير من البرامج والمشاريع الإستراتيجية التي يمكن من خلالها النهوض بواقعنا البيئي.
وأضاف: "هذا الأمر يعني تامين مصادر طبيعية لنا وللأجيال القادمة ما يعني صمودنا وثباتنا على أرضنا في فلسطين".
ومن جهته أكد الكاتب والصحفي حسن جبر على أن الكثير من المواطنين في غزة يجهلون القيمة الفعلية لوادي غزة عبر التاريخ.
وقال جبر في حديثه لـ "عربي21": "وادي غزة يقع بجوار المنطقة الأثرية القديمة المعرفة باسم (تل العجول) والتي طالما انتفع أجدادنا في قديم الزمان من خيرات الوادي الأمر الذي يتحتم على القائمين على مشروع إعادة إحياء الوادي باعتباره محمية طبيعية أن يوصلوا هذه القيمة التراثية المهمة للمواطنين في غزة".
ودعا إلى ضرورة التعريف بالوادي عبر وسائل الإعلام المختلفة بما يشمل وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك تنظيم زيارات ميدانية للإعلاميين على مختلف وسائل الإعلام التي يعملون بها وعدم الاكتفاء فقط بما يتم تنظيمه حاليا من مسارات شبابية رغم أهميتها، وذلك لتُمكن أهل غزة من التعرف على الحياة الطبيعية وكل ما فيها من أسماء ومفردات لطالما سمعوا بها ولم يلمسوها أو يشعروا بها على أرض الواقع.
وحث جبر على تنظيم مسابقات إعلامية لطلبة الجامعات والمدارس الثانوية حول أفضل بحث أو مقال عن وادي غزة، وكذلك تنظيم مسابقة حول أفضل السبل لاستغلال الوادي وتطويره بالتوازي مع المشروع الذي يجري العمل به حاليا.
وأشار إلى أنه أطلق على هذا وادي عدة أسماء بخلاف اسم "وادي غزة" ومنها: وادي الثلاثة، وادي شنيق، وادي ثميلة، بالإضافة لوادي الخلصة.
الحرم الإبراهيمي في الخليل.. هويته فلسطينية رغم الاحتلال
مخيم "اليرموك" للاجئين يتحول لجزء من هوية فلسطين.. مبدعات
قلنسوة.. مخزن القمح في عهد النبي يوسف