تجدد التصعيد بين المغرب والجزائر خلال الفترة الأخيرة على خلفية إعلان موريتانيا عن مقتل مواطنين موريتانيين في منطقة تقع على حدودها مع الصحراء الغربية، في 13 نيسان/ أبريل الجاري.
واعتبرت الجزائر مقتل المواطنين الموريتانيين "عملية اغتيال موجهة باستعمال أسلحة حربية متطورة من قبل المملكة المغربية خارج حدودها المعترف بها دولياً، ضد مدنيين أبرياء من رعايا ثلاث دول في المنطقة"، هي الجزائر وموريتانيا وجبهة "بوليساريو" التي تعترف بها الجزائر كدولة.
واعتبرت الجزائر أن "هذه الممارسات العدائية والمتكررة تنطوي على مواصفات إرهاب دولة فضلا عن استيفائها لجميع خصائص عمليات الإعدام خارج نطاق القانون والقضاء، تعرض مرتكبيها للمساءلة أمام الأجهزة المختصة التابعة لمنظومة الأمم المتحدة"، محذرة في الآن ذاته من أن "تعرّض المنطقة برمتها إلى تطورات بالغة الخطورة".
في المقابل، قال وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي الموريتاني، محمد ماء العينين ولد أييه، خلال مؤتمر صحفي، إن "الحادثة وقعت خارج ترابنا الوطني"، فيما لم يصدر عن المغرب أو عن بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية "مينورسو" أي رد رسمي حولها.
وتنضاف هذه الاتهامات إلى إعلان رئاسة الجمهورية الجزائرية، في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، عن مقتل ثلاثة من رعاياها بقصف شاحناتهم في منطقة الصحراء على الحدود مع موريتانيا، مؤكدة أن "الجريمة لن تمر دون عقاب".
ونسبت الجزائر العملية إلى الجيش المغربي الذي وصفته بـ"قوات الاحتلال المغربية".
احتمالية الحرب
وعن احتمالية نشوب حرب بين البلدين على خلفية التصعيد الأخير، يقول الخبير الجزائري في الشؤون العسكرية، أحمد عظيمي، إن "إمكانية ذلك مرتبطة بمدى عزم المغرب على ذلك"، معتبرا أن "تحالفه مع إسرائيل عسكريا قد يشجعه على الإقدام على خوض هذه المغامرة".
واستدرك في حديثه لـ"فرانس24": "ليس من مصلحة الدول الأوروبية التي لديها مصالح في المنطقة، خاصة في الظرفية الحالية التي تشهد حربا في أوكرانيا، ما جعل الحاجة إلى الغاز والنفط الجزائريين ماسة أكثر من أي وقت مضى".
من جانبه، اعتبر المستشار المغربي بالمركز الفرنسي للدراسات والاستخبارات، عبد الرحمن مكاوي، أن "الجيش الجزائري في حالة تأهب، لكن لا بد له من حاضنة شعبية لاتخاذ قرار خوض الحرب، خاصة أن الشعب الجزائري ليس متحمسا لدخول بلاده حاليا في أي معركة عسكرية، بقدر ما هو مهتم بإيجاد حلول لمشاكله الداخلية".
وذكر مكاوي في حديثه لـ"فرانس24"، أن أعضاء مجلس الأمن "لا يعتبرون النزاع بين المغرب والجزائر أولوية، في الظروف الحالية على الأقل، وهذا ما يفسر استمرار دعوتهم كل الأطراف إلى ضبط النفس واستبعاد الخيار العسكري".
الدور الإسرائيلي
وقال المحلل الجزائري عظيمي إن "استنجاد المغرب بعدو الأمة العربية لتهديد الجزائر، شكل نقطة حسم فاقمت الخلاف، إضافة إلى شن الأجهزة المغربية حربا إعلامية مستمرة ضد الجزائر وسعيها لحرمان التجار الجزائريين من بلوغ السوق الموريتانية عبر تضييق الخناق على المناطق الحدودية"، وهو ما اعتبره المتحدث "دفعا للأمور في اتجاه عواقب قد تكون وخيمة".
في المقابل، تحدث عبد الرحمن مكاوي، "لفرانس24" عن "تأثير استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية على ميزان قوى البلدين"، قائلا إن "التواجد الإسرائيلي في المنطقة باعتباره ذا تأثير استراتيجي من خلال استئناف العلاقة مع المغرب لا شك سيلعب دورا في ترجيح ميزان القوى، خاصة عندما يتعلق الأمر بكل ما له علاقة بالمعلومات الاستخباراتية والتمكن من المعطيات الميدانية وتوظيف التقنية العسكرية".
تحذير سابق
وفي وقت سابق، حذر عمار بلاني المبعوث الخاص المكلف بالصحراء الغربية ودول المغرب العربي، المغرب، من احتمال امتداد الأعمال الحربية المغربية إلى الأراضي الجزائرية، حيث وعد بأن "كل الأعمال العدائية لن تمر دون نتائج".
ونقلت صحيفة "الشروق" الجزائرية اليوم الجمعة عن بلاني، وصفه مقتل ثلاثة أشخاص في المنطقة الحدودية بين موريتانيا والمغرب الأحد الماضي على يد القوات الملكية المغربية، بـ "الاغتيالات المدبرة ببرودة من قبل الحكومة المغربية"، والتي قال إنها "لن تمر دون عواقب".
وأضاف: "أي امتداد محتمل لهذه الأعمال العدائية إلى الأراضي الوطنية الجزائرية بإمكانه أن يكون ذريعة حرب.. بالرغم من أن الجزائر أكدت مرارا أنها لن تشن الحرب إلا في حالة الدفاع عن النفس".
اقرأ أيضا: مناورات عسكرية بين المغرب وفرنسا قرب الحدود مع الجزائر
ورأى الدبلوماسي الجزائري أن الرباط "تسعى بكل الطرق إلى عرقلة التجارة بين الجزائر وموريتانيا، خاصة منذ زيارة الرئيس الموريتاني للجزائر وإبرام اتفاقية بين الحكومتين تتضمن إنجاز طريق يربط الجنوب الجزائري بمدينة زويرات الموريتانية".
وأضاف: "المغرب يهدف، إذن، إلى عرقلة وإجهاض التقارب الجزائري-الموريتاني، لا سيما في مجال التجارة"، ذلك أن الرباط، وفق بلاني، تدرك جيدا "أن تعزيز التجارة بين الجزائر وموريتانيا سيمنح للأخيرة مساحة أكبر في ما يتعلق بالمسألة الاستراتيجية المتمثلة في تنويع تدفقاتها التجارية".
الجزائر تستدعي سفيرها في مدريد للتشاور