ما إن عرضت الحلقة الأولى من مسلسل الاختيار في جزئه الثّالث مع بداية رمضان حتى انطلقت سيول السخرية والضّحك على مقاطعه المتداولة كما لو أنّه أُنتج للفكاهة والإضحاك.
ولعلّ مكمن الكوميديا البائسة في المسلسل المخابراتيّ في أنّه يقوم على محورين يعمل على تكريسهما في الوعي الجمعيّ للمشاهد المصريّ والعربيّ فمنيَ بالفشل من اللّحظة الأولى وجاءت النّتائج على غير ما أريدَ له.
أنسنةُ الوحش
بذل المسلسلُ جهدَه البالغ في محاولة تحويل صورة الأجهزة الأمنيّة وأجهزة الحكم العسكريّ من صورة الوحش الكاسر الذي يبطشُ بمن أمامه من المواطنين بلا وعي ولا حساب ولا أدنى مسؤوليّة.
هذه الأجهزة التي استقرّ في الوعي الجمعيّ للشعوب المقهورة التي ترعرعت في ظلّ الاستبداد؛ بأنّها لا تنتمي إلى الإنسان ولا تمتّ إلى الإنسانيّة بصلة، فأفرادها مستعدّون للقتل دون خوف من مساءلة، وجاهزون لحبس النّاس دون تهمة، ولإذلالهم والتّنكيل بهم دون أدنى سبب؛ يحاول المسلسل جاهدًا أن يظهرهم بصورة بالغة الإغراق في اللّطف البشريّ والإنسانيّة في التّعامل مع محيطهم ومع النّاس عمومًا وحمل همومهم، والشّعور الأبويّ تجاه المظلومين والمكلومين، وهذا التّصوير عندما يراه المُشاهد البائس الذي يخاف من مجرّد المرور من أمام مباني المخابرات وإطالة النّظر في بواباتها؛ وحدَه كافٍ ليجعله ينفجر ضاحكًا كما لو أنّه يتابع مشهدًا مغرقًا في الكوميديا.
كما حرص المسلسل على أن يُظهر هذه الأجهزة وأفرادها وقياداتها بصورة الوطنيّ الإنسان، وهو الذي همّه الدّفاع عن الوطن لأجل كرامة الإنسان المصريّ، وعينه متيقّظة ساهرة لإحباط كلّ ما يحاول المساس بكرامة الإنسان، ومن ذلك تصوير هذه الأجهزة أنّها رافضة للحلول الأمنيّة في التّعامل مع المتظاهرين السّلميّين وتأكيدها أنّ الحل يجب أن يكون سياسيًا يراعي كرامة المواطن المصريّ، وهذا المشهد الذي يظهر فيه ياسر جلال وهو يبلغ الرئيس مرسي على لسان السيسي أنّ الجيش والمخابرات ترفض الحلول الأمنيّة للمظاهرات وأنّ الحل يجب أن يكون فقط سياسيًا؛ كفيلٌ بإثارة الضّحك رغم الشّعور بالغثيان من بؤسه.
لو كان السّيسي يملك ما ستكون عليه صورته بعد مسلسل الاختيار3 لأمر بوقفه فورًا، فمع أول ظهور للسيسي ستنطلق المقارنات المضحكة بين السيسي الواقعي والسيسي الذي يحاول ياسر جلال أن يوهم به النّاس، ولكن ماذا تفعل مع من جانبه التّوفيق وتاه عنه الرّشد ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا؟!
على أنّ هذه المؤسّسة الأمنيّة لم تستطع أن تخلع جلدها كاملًا في المسلسل أو أن تخفي بعض واقعها الكارثيّ؛ فظهرت وهي تزرع الكاميرات للتّجسس على الحياة اليوميّة للمواطنين المصريّين، فليسَ عندها أدنى حرج أن تزرع كاميرات مراقبة داخل منزلٍ لامرأةٍ تمارس حياتها الطّبيعيّة وتضع ثيابها حيث تظنّ أنّ بيتها يسترها بينما ضابط المخابرات يراقب كلّ سلوكها في كلّ أنحاء بيتها في انتهاك بشع لأدنى معاني الخصوصيّة وكرامة الإنسان؛ وذلك تحت ذريعة حماية أمن الوطن.
كما أثبتت هذه العقليّة الأمنيّة في المسلسل ما كانت تنفيه على الدّوام من أنّها كانت تعدّ العدّة للإطاحة بحكم الرّئيس مرسي، فكلّ تعبيراتهم وكلامهم الذي أراد المسلسلُ إظهار المؤسسة الأمنية ذكيّة قادرة على استشراف خطر الإخوان على مستقبل مصر؛ قد أثبتت للمشاهد من حيث لم يريدوا أنّ هذه الأجهزة ومعها المؤسّسة العسكريّة كانت من اليوم الأوّل تخطّط للإطاحة بحكم الرّئيس مرسي بوصفه يشكّل خطرًا على المصلحة الوطنيّة المصريّة.
تعويض نقص الرّويبضة
يتجلّى في الواقع السّياسي المصري ومسلسل الاختيار3 حديث النبيّ صلى الله عليه وسلّم: "سيأتِي على الناسِ سنواتٌ خدّاعاتٌ؛ يُصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكذَّبُ فيها الصادِقُ، ويُؤتَمَنُ فيها الخائِنُ، ويخَوَّنُ فيها الأمينُ، وينطِقُ فيها الرُّويْبِضَةُ، قِيلَ: وما الرُّويْبِضةُ؟ قال: الرجُلُ التّافِهُ يتَكلَّمُ في أمرِ العامّةِ".
في مسلسل الاختيار محاولةٌ حثيثة لتصديق الكاذب وتكذيب الصّادق، واستماتةٌ في تلميع الرّويبضة وترميزه، والعجيبُ أنّ الرّويبضة عادة لا ينتبه إلى كونه تافهًا يتكلّم في أمر العامّة، غير أنّ المسلسل يثبت لنا بما لا يدعُ مجالًا للشكّ أنّ الرّويبضة هنا يعاني ممّا أسماه علماء النّفس "مركّب النّقص" أو "عقدة الدّونيّة" ويعرّفها علم النّفس أنّها: "شعور الإنسان بالنّقص أو العجز العضوي أو النّفسي أو الاجتماعي بطريقة تؤثّر على سلوكه، مما يدفع بعض الحالات إلى التّجاوز التعويضيّ بالنّبوغ وتحقيق الذّات والكينونة، أو إلى التّعصب والانكفاء والضّعة والجريمة في حالات أخرى".
ولئن كان السّلوك التّعويضيّ عند البعض يتمّ عن طريق النّبوغ وتحقيق الذّاتي فقد عمد السيسي إلى هذا التّعويض عبر تمثيل النّبوغ وتحقيق الذّات والكينونة.
فمن الواضح أنّ عنده عقدة من شكل جسده وقصر قامته، وعنده عقدة من طأطأة الرأس وانكسار النّظرة في حضرة الرّئيس مرسي، وعنده عقدة من الخوف والتّلعثم في حديثه مع المسؤولين عنه، ولأنّه لا يستطيع تحقيق ذاته بذاته في هذه القضايا فقد استعار من يوهم النّاس بتحقيق هذه الكينونة فجاء بياسر جلال الطويل العريض ليعوّض مركب النقص من قصر قامته، وأمرَ بالنّظرات الحادة الاستعلائيّة التي يوجهها للرئيس مرسي ليعوض عقدة الدونية التي كانت حاضرة بانكساره ونظره للأرض دومًا في حديثه معه، وأحضر ممثلًا يظهر الرئيس مرسي خائفًا مرتبكًا ضعيفًا ليعوّض مركب النقص الذي عانى منه في التّعامل مع رئيس قوي؛ أثبت المسلسل نفسه قوّته في حلقته الثّامنة في التّسريب الذي ظهر فيه الرئيس مرسي قبل إعلان نتيجة الانتخابات يحذّر المشير طنطاوي بكل وضوح وقوّة من التلاعب بنتائج الانتخابات.
ومن اللّافت أنّ محاولات السّيسي تعويض مركّب النّقص الذي يعاني به باءت بالفشل بل أكثر من ذلك لقد أثبتت بطريقة بالغة الإضحاك حجم شعوره بالدّونيّة، ولو كان السّيسي يملك ما ستكون عليه صورته بعد مسلسل الاختيار3 لأمر بوقفه فورًا، فمع أول ظهور للسيسي ستنطلق المقارنات المضحكة بين السيسي الواقعي والسيسي الذي يحاول ياسر جلال أن يوهم به النّاس، ولكن ماذا تفعل مع من جانبه التّوفيق وتاه عنه الرّشد ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا؟!
تسريب مرسي.. دراما تستكمل الجريمة
ما الفرق بين وحيد حامد وبين هاني سرحان؟