في إجراء يشبه الانقلاب، أُجبر الرئيس عبد ربه منصور هادي فجر السابع من نيسان/ أبريل الجاري على تسليم السلطة لمجلس قيادة رئاسي من ثمانية أعضاء، برئاسة اللواء الدكتور رشاد محمد العليمي، أربعة من هم يمثلون المحافظات الجنوبية وأربعة يمثلون المحافظات الشمالية.
دارت أحاديث عديدة حول الظروف التي أحاطت بعملية نقل السلطة، وبعض تلك الروايات سربت على ما يبدو من مكتب هادي نفسه، عبر شبكة ولاء ضيقة من المنتفعين، وركزت تحديداً حول مقاومة مزعومة من الرئيس لهذه العملية وتَمنُّعِه عن التوقيع على قرار نقل السلطة، لكن تلك الروايات لم توضح كيف ظهر الرئيس بعد ذلك ليعلن بنفسه جانباً من قرار نقل السلطة، والذي صيغ في هيئة إعلان دستوري تقريباً.
تشير تركيبة المجلس الرئاسي الجديد إلى هشاشة محتملة في موقع الرئاسة، وعلى نحو خاص بسبب وجود رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزُّبيدي الذي يجد صعوبة في القطع مع المشروع السياسي التخريبي الذي تمحور حول هدم الدولة اليمنية وتجزئتها، عبر المطالبة باستعادة الدولة الجنوبية السابقة التي كانت تعرف باسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وهو مشروع لطالما تغذى من الدعم السخي لدولتي التحالف أو أحدهما.
وفي إطلالة على أنشطة الرجل غداة توليه منصبه الجديد، في العاصمة السعودية الرياض، تعمَّدَ إعلامه إخفاء المنصب الجديد للسياسي الانفصالي، وأبقى على صفته الحركية، كرئيس للمجلس الانتقالي وقائداً للقوات الجنوبية.
وهي في تقديري إشارة بالغة السلبية، لأولئك الذين تفاءلوا بخروج هادي من السلطة، واعتقدوا أن التحالف بقيادة السعودية ربما يرغب جدياً في إجراء تعديل ضروري لمقاربته للأزمة والحرب، تستوعب على الأقل، التداعيات الخطيرة التي تركتها هذه الأزمة على الأمن الإقليمي برمته والتهديدات التي قوضت أمن المملكة العربية السعودية كما لم يحدث من قبل.
حينما يُظهرُ الزُّبيدي زهداً مقصوداً في منصب مهم على رأس الدولة اليمنية، فلأنه ربما تلقى إشارة بالاستمرار في أداء جزء من دوره السابق، وهو دور لطالما عطل وأعاق السلطة الشرعية وأفشل مهمتها في الجنوب بدعم كامل وسخي من دولتي التحالف نفسها.
لدي مخاوف وربما يشاركني فيها آخرون من أن التحالف ربما يكون متعمداً في ترك الزُّبيدي يتصرف ضمن هذا الهامش المنفلت والخطر، رغبة منه ربما في الإبقاء على المجلس الرئاسي الجديد عهدة سياسية مستديمة في الرياض، كما كان الرئيس هادي من قبله، بحيث يتعذر عودة المجلس إلى العاصمة السياسية المؤقتة عدن لأداء اليمين الدستورية أمام مجلس النواب كما هو مقرر، إذ لا يعقل أن يؤدي المجلس مهمته خارج القسم الدستوري.
فحينما يُظهرُ الزُّبيدي زهداً مقصوداً في منصب مهم على رأس الدولة اليمنية، فلأنه ربما تلقى إشارة بالاستمرار في أداء جزء من دوره السابق، وهو دور لطالما عطل وأعاق السلطة الشرعية وأفشل مهمتها في الجنوب بدعم كامل وسخي من دولتي التحالف نفسهما.
العاصمة السياسية المؤقتة عدن، تقع كما هو معلوم تحت السيطرة الكاملة للقوات الانفصالية التي تلقت تسليحاً كبيراً من التحالف، وتشكلت ابتداء تحت علم الدولة الانفصالية ووفق عقيدة قتالية مناهضة للدولة اليمنية، ومنحازة للانفصال، وهذا يعني أن مجلس القيادة الرئاسي سيدخل مبكراً مرحلة البيات السياسي والقيادي الذي هيمن على مرحلة الرئيس السابق، الذي كان يروق له ذلك ما دام رئيساً.
المخاوف إذن من شلل مبكر لمجلس القيادة الرئاسي، يجعل من الصعب اليقين بأن المجلس سينجح في مهمة السلام التي أُوكلت إليه، أو أنه سيقود معركة مفصلية ومصيرية مع جماعة الحوثي لاستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب والسيطرة على المخاطر التي تهدد شبه الجزيرة العربية برمتها.
الشعب اليمني يتأهب بجدية لاستعادة زمام المبادرة مهما بلغت الكلف المادية والنفسية والوطنية، إذا ما قُدِّرَ لهذا المجلس أن يتحول إلى بؤرة صراع خطيرة، حول ما يُفترض أنها ثوابت راسخة بُني عليها هذا التغييرُ واكتسب وجاهته منها وفي مقدمتها وحدة اليمن وسلامة دولته ونظامه الجمهوري.
لا يحتمل الشعب اليمني فقدان الأمل مرة أخرى، فيقيناً أن خروج هادي من السلطة أنعش الآمال لدى نسبة كبيرة من اليمنيين، خصوصاً أن التغيير رغم ملابساته ودوافعه غير المفهومة حتى الآن قد جرى على مسؤولية السعودية وبضمانتها، ولأن هذا التغيير يختبر نواياها التي ظلت تتخفى خلف التزام ظاهري للمملكة بمساعدة الشرعية ودعمها، والحرص على إنهاء الانقلاب واستعادة الاستقرار.
الشعب اليمني يتأهب بجدية لاستعادة زمام المبادرة مهما بلغت الكلف المادية والنفسية والوطنية، إذا ما قُدِّرَ لهذا المجلس أن يتحول إلى بؤرة صراع خطيرة، حول ما يُفترض أنها ثوابت راسخة بُني عليها هذا التغييرُ واكتسب وجاهته منها وفي مقدمتها وحدة اليمن وسلامة دولته ونظامه الجمهوري.
لقد تركت سيرة الرئيس هادي خلال السنوات العشر ونيف أثراً سيئاً لدى الناس، إلى الحد الذي جعلهم يباركون ربما خطوة إقصائه أو تنحيه من منصبه رغم قلقهم الشديد من الترتيبات اللاحقة المفتوحة على أسوأ الاحتمالات، ولأنهم يدركون أن الرجل على الرغم من أدائه الضعيف والمحبط كان يمثل إلى حد ما رمزية توافقية تستند إلى شرعية الانتخابات وإلى العدد الكبير من الأصوات التي حصدها مرشحاً توافقياً وحيداً للرئاسة في 21 شباط/ فبرايل 2012.
ومع ذلك دعونا نتفاءل ففي مجلس القيادة الرئاسي الجديد، رجال انتموا للدولة اليمنية واكتسبوا خبرة سلطوية كبيرة من عملهم فيها بمواقع قيادية متفاوتة المستويات، وحتما سيضطرون إلى مواجهة العقدة الانفصالية اضطراراً، وسيحرصون على اجتراح النجاح في مهمتهم الجديدة التي أرجو أن تكون عسكرية قبل أي شيء آخر، رغم الزخم الكبير الذي دار حول المهمة التفاوضية لهذا المجلس مع الحوثيين الذين يرفضون وسيرفضون الحوار طالما أنه سيخصم من مكاسبهم السلطوية وسيعيق مشروعهم السياسي الكهنوتي الطائفي المتخلف.
مواطن بلا ذاكرة.. المواطنة من جديد (97)
آفاق الهدنة الأمريكية الأطول في تاريخ الحرب اليمنية