التفاوض مهارة وعلم تحكمه قواعد وأدوات ووسائل واضحة تسعى لتحقيق جملة من الأهداف النهائيّة بطرق علميّة وعبر مراحل مدروسة ودقيقة وواقعيّة بعيدة عن العبثيّة والفوضى والتخبّط.
وتقوم المفاوضات الناجحة على أساس تحقيق أغلب رغبات ومقاصد الأطراف المتفاوضة (سواء على مستوى الدول والأحزاب والجماعات وحتّى الشركات والأفراد) وبدرجات مقبولة تجعلهم جميعا يقتنعون بما حقّقوه في تلك المفاوضات.
وتعوّدنا في العراق أن نكون بعد كلّ انتخابات برلمانيّة أمام مارثون من المفاوضات الطويلة والعريضة، حيث تدخل القوى الفاعلة في مُناحرات، وليس مفاوضات، لتقسيم كعكة المكاسب، ومَنْ يظفر بالرئاسات الثلاث، وكيف تُقسّم الوزارات السياديّة وغيرها من أدوات النفوذ الرسميّ، والقائمة على حساب مصلحة الوطن والمواطن!
ومنذ نهاية انتخابات العام 2021 والقوى الكبرى تدور في دائرة مفرغة بسبب عدم التوافق على منصب رئاسة الوزراء وبالذات بعد فوز تيّار مقتدى الصدر بالمركز الأوّل، وسعي خصومه من ذات المكوّن للظفر بالمنصب بكافّة الطرق الدبلوماسيّة وغير الدبلوماسيّة.
عُقدة الخلاف بين الصدر والإطار التنسيقيّ برئاسة نوري المالكي، والتي انسحبت على تسمية رئيس الجمهوريّة، تتمثّل في النزاع على شَكل الحكومة المقبلة، وتوزيع المناصب بينهم.
منذ نهاية انتخابات العام 2021 والقوى الكبرى تدور في دائرة مفرغة بسبب عدم التوافق على منصب رئاسة الوزراء وبالذات بعد فوز تيّار مقتدى الصدر بالمركز الأوّل، وسعي خصومه من ذات المكوّن للظفر بالمنصب بكافّة الطرق الدبلوماسيّة وغير الدبلوماسيّة.
وهنالك الآن خصومات ومفاوضات غير واضحة المعالم والنهايات داخل (بيوت المكوّن الشيعيّ) لتنظيم صفوفهم، والحفاظ على مكاسب (زعماء المكوّن) حيث يصرّ أطراف الإطار على ضرورة التلاحم مع الصدريّين للحفاظ على (حقوق المكوّن) بحسب بيانهم الأخير يوم الأحد الماضي، وللظفر بمنصب رئاسة الحكومة، والذي أصبح من حصة الشيعة بموجب العرف السياسيّ!
ولكن يبدو أنّ المفاوضات بينهما سلبيّة حتّى الساعة، ولهذا سارع المالكي لاتّهام، المشروع الصدريّ، ليلة الأربعاء الماضي، بأنّه مشروع غير وطنيّ ومدعوم من الخارج!
ولم يتوقّف التناحر السياسيّ داخل أروقة المكوّن الواحد بل تجاوزتها لبقيّة المكوّنات، وهنالك منذ عدة أيّام تطوّر جديد ينذر بنهايات غير سارّة للتحالف الثلاثيّ بين الصدر والسيادة والبرزاني، ويتمثّل بالصراع القانونيّ بين رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ونائبه الأوّل حاكم الزاملي (الصدري)، وذلك عبر إلحاح الزاملي بأنّ قيادة البرلمان تتمّ عبر (هيئة رئاسة البرلمان)، وبالمقابل يصرّ الحلبوسي على أنّ البرلمان له رئيس ونائب أوّل وثان، وأنّ مصطلح (هيئة الرئاسة) لم يرد في الدستور، وأنّ إصدار الأوامر النيابيّة بتوقيعه حصراً، ولا يخوّل أحدا بذلك!
تنامي هذه الربكة القانونيّة، والتي تهدف لمشاركة رئيس البرلمان في صلاحياته، ربّما ستدفع باتّجاه مرحلة التأزّم التدميريّ التي قد تفضي لانسحاب الحلبوسي من تحالفه مع الصدر بسبب ردود الزاملي المتكرّرة على المذكرات البرلمانيّة الداخليّة للحلبوسي بهذا الخصوص!
هذه الصراعات المتداخلة ستمزّق حياة المواطنين وتدفعهم نحو المزيد من الدهاليز الغامضة، ممّا يجعلهم في حالة انهيار مستمرّ، لأنّهم ضاعوا وسط غياب التوافق السياسيّ والقانون العادل!
إنّ القيادة الرصينة هي التي تفكّر بحقوق عموم المواطنين وليس جزءا منهم، ومن هنا كانت الكارثة السياسيّة في الحالة العراقيّة، فصرنا أمام قيادات، غالبيّتها، لم تفلح في اكتساب حقوق المكوّن، ولم تنجح في تحصيل حقوق عموم المواطنين!
الدولة القويّة لا تبنى على أسس طائفيّة ومكوناتيّة لأنّ القائد يفترض أن يكون مسؤولا للجميع، وليس لطائفة أو مكوّن معيّن، وإلا فهذه دعوات تقسيميّة تهدف إلى تمهيد الطريق لإعلان الأقاليم، وبالمحصّلة تفتيت الدولة العراقيّة وتمزيق مقدّراتها وثرواتها!
فهل أنتم واعون، أيّها الساسة، لخطورة هذه الخطابات التهشيميّة والتقزيميّة أم أنّ المصالح الحزبيّة والشخصيّة جعلتكم لا تميّزون بين النافع والضارّ، والقوّة والضعف، والبناء والهدم؟
غياب ثقافة التفاوض من أكبر أسباب الوصول إلى المفاوضات السلبيّة القائمة على خسارة جميع الأطراف، ولا يمكن تصوّر مفاوضات مُثمرة دون فسح المجال للفريق المُخالف لإبداء رأيه والاستماع إليه جيّدا، بعيدا عن القرارات أو الافتراضات الجاهزة.
وتقوم المفاوضات الناجحة على مناقشة الأفكار والأهداف، ولا تعتمد على الشخصانيّة ومطاردة الأشخاص، وبالذات في حالة كون الأشخاص غير متّهمين بتهم تتعلّق بالدماء والترهيب والتخويف؛ ولهذا يفترض العمل للتوصّل إلى المفاوضات الإيجابيّة التي تحقّق طموحات كلّ القوى بحسب ثقلها السياسيّ والشعبيّ.
هذه المفاوضات (المُكوّناتيّة) جعلت الدولة العراقيّة تمرّ حاليّا في أخطر المراحل بسبب الانغلاق السياسيّ وفقدان السعي لتقديم مصلحة الوطن على المصالح الفرعيّة، ولعدم نجاح أيّ حكومة في بسط الأمن وتكبيل قوى اللادولة، وأيضا لزيادة الهشاشة في عموم دوائر الدولة، وخنق الإعلام، وزيادة معدّلات الجريمة وبقاء صور الظلم المجتمعيّ وغير ذلك من الصور المهدّدة بهلاك الدولة مع غياب البوادر الحقيقيّة والجادّة لإنقاذها!
حافظوا على العراق من الزوال والتقويض والخراب!
dr_jasemj67@
الانتخابات المحلية الفلسطينية ليست عرسا وإن حضرت الديمقراطية نسبيا
تحولات جديدة في المشهد التونسي