أعلن الرئيس
التونسي قيس
سعيد، الإثنين
4 نيسان/ أبريل الجاري، عزمه تنظيم
حوار وطني، جاء ذلك خلال استقباله ممثلين عن
الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية واتحاد
المرأة وعمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
ويختلف التونسيون حول نظرتهم لهذا
الحوار بين من يعتبره مناورة لكسب الوقت من قبل سعيد، ومن يعتبره خطوة حقيقية
أملتها مصلحة البلاد.
أرضية الحوار
ويرى سعيد أن ينطلق الحوار من نتائج
الاستشارة الإلكترونية التي أطلقها في كانون الثاني/ يناير الماضي.
وكان وزير تكنولوجيا الاتصال نزار بن
ناجي قد كشف عن نتائج الاستشارة، حيث أعلن أن 86.4 بالمئة من المشاركين فيها
لهم رغبة في التحول إلى نظام رئاسي، و8 بالمئة فضلوا النظام المختلط (رئاسي
وبرلماني)، فيما اختار 3.1 بالمئة النظام البرلماني.
كما كشفت عن تأييد 92.9 بالمئة من
المشاركين، سحب الوكالة عن النائب الذي لم يعد يتمتع بثقة الأغلبية قبل انتهاء
الفترة النيابية.
واختار 70.7 بالمئة من المشاركين في
الاستشارة نظام الاقتراع على الأفراد، في حين فضل 21.8 بالمئة نظام الاقتراع على
القوائم.
أما الإصلاحات التي يراها التونسيون
ضرورية لتطوير الحياة السياسية، فاختار 60.8 بالمئة تعديل القانون الانتخابي،
و44.4 بالمئة تعديل قانون الأحزاب.
وعبر 38 المئة من المشاركين في
الاستشارة عن رغبتهم في تعديل الدستور، مقابل 36.5 بالمائة صوّتوا لوضع دستور
جديد.
ويذكر أن الاستشارة عرفت حملة من
التشكيك؛ نظرا لضعف عدد المشاركين فيها الذي لم يتجاوز 535 ألف.
بالإضافة إلى اعتبار نتائج الاستشارة
أرضية لانطلاق حواره، يشترط قيس سعيد بألا يشارك في الحوار من يعتبرهم
"
الانقلابيين"، في إشارة إلى الأطراف التي شاركت في جلسة مجلس النواب
الافتراضية بتاريخ الأربعاء 29 آذار/ مارس الماضي.
الحوار مطلب تونسي ودولي
وطالبت عديد الأطراف التونسية والدولية
الرئيس التونسي بضرورة إنجاز حوار شامل؛ بهدف الخروج من الأزمة التي تعرفها البلاد
وتجنب سيناريوهات أسوأ.
حيث جاء في بيان صادر عن حركة النهضة نهاية
الشهر الماضي، "أنّ اشتداد الأزمة السياسية والاقتصادية وتهديد التونسيين في
قوتهم، يزيد من الحاجة إلى حوار وطني شامل لا يقصي أحدا يضفي إلى حكومة إنقاذ
اقتصادي، ويهيئ البلاد لانتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة، تخرج بلادنا من الأزمة
الخانقة والعزلة التي تردّت فيها منذ 25 تموز/جويلية 2021".
من جهته، اعتبر الحزب الجمهوري بأنه لا
"بديل عن الحوار الوطني الجامع بين كل القوى السياسية والمدنية، لرسم ملامح
الخروج من أزمة آخذة في الاستفحال يوما بعد يوم، في ظل غياب أي رؤية أو قدرة على
التصدي لها و معالجتها".
وكان الاتحاد العام التونسي للشغل قد
طالب في أكثر من مرة بضرورة عقد حوار وطني جامع، للخروج من الأزمة السياسية
والاقتصادية المتزايدة التي تمر بها البلاد.
دوليا، طالبت أطراف عديدة بضرورة إجراء
حوار بين مختلف الفاعلين في تونس.
وفي هذا السياق، دعت فرنسا جميع القوى
السياسية في تونس إلى الشروع في عقد حوار جامع، وإلى تجنب العنف بكل أوجهه وصون
المكتسبات الديمقراطية في تونس.
وجاء في تقرير لمنظمة الأزمات الدولية، حاجة تونس إجراء حوار وطني بهدف تجنب التوترات، حيث أشار التقرير إلى "أنّ
الحوار يجب أن يشمل نطاقا واسعا من التنظيمات، بما فيها الأحزاب السياسية،
والنقابات والجمعيات، وأنّه ينبغي أن يتم إجراء هذا الحوار الشامل والتشاركي قبل
الاستفتاء الدستوري الذي يزمع سعّيد إجراءه في 25 تموز/جويلية 2022، بحيث يتم تقريب
الرئيس من الجهات الفاعلة على الأرض والمساعدة في منع حدوث توترات محلية".
أزمة اقتصادية متصاعدة
وتعيش تونس في الأثناء أزمة اقتصادية
متصاعدة، حيث تشير أرقام المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) إلى ارتفاع في مستوى
البطالة إلى 18.4 بالمائة خلال الثلاثية الثالثة من سنة 2021، بعد أن كانت 17.8
خلال الثلاثية الأولى من السنة نفسها، وبلغ معدل التضخم حسب المصدر نفسه 7.2 بالمائة
في شهر آذار/ مارس الماضي، بعد أن كان في حدود 6 بالمائة في شهر كانون الثاني/ يناير
من السنة نفسها.
وشهدت الأسعار خلال الاستهلاك ارتفاعا
بنسبة 0.8 بالمائة خلال شهر آذار/ مارس مقارنة بشهر شباط/ فبراير الماضي.
ويعود هذا الارتفاع حسب بيان صادر عن
المعهد الوطني للإحصاء بتاريخ 4 نيسان/ أبريل الجاري، إلى الارتفاع المسجل في أسعار
المواد الغذائية بنسبة 1,1%، و أسعار المشروبات الكحولية والـتـبـغ بنسبة 1,4%، وأسعار الملابس والأحذية بنسبة 1,3%، وكذلك أسعار النقل بنسبة 1%.
حوار سعيد مناورة شكلية أم خطوة جدية؟
يعتبر البعض أن الأزمة الاقتصادية
الحادة التي تعرفها البلاد بالإضافة إلى الضغوط المحلية والدولية، هي التي دفعت قيس
سعيد نحو إقرار الحوار كخطوة جدية؛ بحثا عن حلول حقيقية بطريقة تشاركية.
وفي هذا الاتجاه، يقول أسامة عويدات مسؤول
الإعلام بحركة الشعب الداعمة لسعيّد في تصريح لـ"عربي21"؛ إن "خطوة
الرئيس في اتجاه تنظيم حوار وطني، هي خطوة جدية".
مضيفا أن "التوجه إلى الحوار هو
الحل للخروج من الأزمة التي تعرفها البلاد، حيث يمكن هذا الحوار التونسيين من
الاتفاق على برنامج إنقاذ اقتصادي واجتماعي وسياسي".
في المقابل، قال عبد الحميد الجلاصي
رئيس منتدى آفاق مستقبلية في تصريح لـ"عربي21": "لقد تراكم ما يكفي
من الخبرة التي تعين على فهم شخصية سعيد وتوقع سلوكه وتفكيك شفرة خطابه؛ إذ إنه
يستعمل قاموسا خاصا به، مختلفا عما تواضع عليه الناس من دلالات للألفاظ".
ويضيف الجلاصي: "سعيد يرى نفسه
إنسانا كاملا، والكامل لا يحتاج إلى حوار؛ لأن الحوار هو إقرار بالنقص وسعي إلى
تداركه بالتفاعل مع الآخرين".
وتابع: لذلك فهو "لن يحاور أحدا،
ولن يحاور بالطبع خصومه ومن يتصورهم كذلك، ولن يتحاور أيضا مع من يضعون أنفسهم
على ذمته"، حسب الجلاصي.
ويذكر أن الأمين العام للاتحاد العام
التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، صرح بأن "الاتحاد لن يقبل بأيّ حوار
تُستثنى منه القوى الوطنية من جمعيات وأحزاب".