ملفات وتقارير

مصر تلجأ لبيع أصول حكومية للإمارات..هل ترهن اقتصادها؟

شملت الصفقة مع أبوظبي شراء حصص مملوكة للدولة في أكبر بنك تجاري خاص مدرج في البورصة المصرية- عربي21

في خطوة تكشف عن الحاجة الملحة للنقد الأجنبي في مصر، اتفق صندوق الثروة السيادي في أبوظبي مع الحكومة المصرية على استثمار حوالي ملياري دولار عن طريق شراء حصص أصول مملوكة للدولة في بعض الشركات، بما في ذلك أكبر بنك خاص مدرج في البورصة المصرية، وفقًا لأشخاص مطلعين على الصفقة بحسب وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية.

وتأتي الخطوة، إلى جانب خفض الجنيه مقابل العملات الأجنبية قبل يومين، كأحد آليات توفير النقد الأجنبي الذي تعاني مصر من النقص فيه بشكل حاد بعد هروب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة من الأسواق الناشئة نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية التي تسببت فيها الحرب الروسية الأوكرانية.

وتشمل الصفقة، بحسب مصادر خاصة للوكالة، شراء حصص مملوكة للدولة في بعض الشركات والبنوك، منها 18% من البنك التجاري الدولي إلى جانب حصص حكومية في أربع شركات مدرجة بالبورصة، من بينها "فوري للخدمات المصرفية وتكنولوجيا الدفع".

 

وأضافت مصادر الوكالة، مفضلة عدم الكشف عن هويتها، بأن جزءا من الاتفاق يتضمن شراء نحو 18 في المئة من البنك التجاري الدولي، إضافة إلى شراء صندوق ثروة أبوظبي حصصا في أربع شركات أخرى مدرجة بسوق الأوراق المالية في مصر.

ومن ضمن ذلك، شركة "فوري" للخدمات المصرفية وتكنولوجيا الدفع ش.م.م، ولم يتسن الحصول على تعليق من صندوق ثروة أبوظبي، فيما رفضت "فوري" التعليق أيضا.
 
وتفوق أداء "فوري" و"البنك التجاري الدولي" على مؤشر "EGX 30" للتحليل الفني لمؤشر البورصة، وهو أعلى مستوى له منذ كانون الثاني/ يناير.

وبعد الأنباء عن الصفقة الإماراتية المصرية، قفزت "فوري" بما يصل إلى 11٪ ، ما يعد الأكبر لها منذ أيار/ مايو 2021.

وارتفع سهم البنك التجاري الدولي بما يصل إلى 6.3٪ أيضا.

ونقل موقع "إنتربرايز" الاقتصادي عن مصادر حكومية أنه من غير المتوقع أن تلجأ الحكومة المصرية إلى الحصول على ودائع جديدة من دول مجلس التعاون الخليجي، لكنها أشارت إلى وجود رغبة بين صانعي السياسات لتمديد الودائع الخليجية في البنك المركزي المصري، والتي يعتقد أنها تبلغ نحو 15 مليار دولار.

وبدلا من ذلك، سيعمل صناع السياسة على تسريع عملية عرض أصول الدولة الجذابة للبيع للمشترين الخليجيين من خلال طرح أصول جديدة في السوق، وبيع حصص إضافية في شركات مدرجة بالفعل وتسيطر عليها الحكومة.

أزمة سيولة كبيرة

وقبل أسبوعين، أخفقت الحكومة في الحصول على أموال من البنوك المحلية بعد أن رفضت عطاءات بنكية لتغطية طروحات أذون دين بقيمة 500 مليون جنيه وسندات بقيمة 1.5 مليار جنيه؛ لارتفاع عوائد العروض المقدمة، وتراوحت حينها بين 14.5% و17.5%، ولم تقبل القروض الأعلى من 14.715%، ولكن الوضع قد تغير الآن بعد رفع أسعار الفائدة.

ويبدو أن قرار خفض الجنيه أمام العملات الأجنبية ليس كافيا لضمان التدفقات النقدية وتعويض النقص في الأصول الأجنبية لدى البنوك المحلية، حيث تراجعت لمستويات سالبة ما شكل ضغطًا على قيمة العملة المحلية، حيث بلغ صافي الأصول الأجنبية سالب 7.1 مليار دولار، بنهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بحسب بيانات البنك المركزي المصري.

وفي إطار تحذيرات المؤسسات المالية الدولية، حذرت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني من أن الصراع في أوكرانيا سيؤدي إلى "انخفاض تدفقات السياحة الوافدة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتحديات تمويل أكبر".

 

اقرأ أيضا: مديرة صندوق النقد الدولي: إنني أخشى على مصر

نقص الدولار.. كلمة السر

في سياق تعليقه، يقول أستاذ الاقتصاد بالجامعات الأمريكية، الدكتور مصطفى شاهين إن "خفض الجنيه جاء بعد فشل زيارة السيسي للسعودية والإمارات في الحصول على قروض جديدة أو مساعدات مالية، ولو كان حصل على مبتغاه ما كانت الحكومة المصرية قد اضطرت إلى خفض الجنيه وما ترتب عليه من إشكاليات مالية واقتصادية كبيرة للمواطنين والدولة على حد سواء".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "البديل كان هو شراء حصص من شركات الجيش والدولة في إطار تمكين دولة مثل الإمارات في تحديد أو التأثير في سياسات مصر الاقتصادية مستقبلا بعد الاستحواذ على حصص كبيرة من شركات وبنوك مملوكة للدولة المصرية مستقبلا، ويبدو أن السيسي اختار عدم التفريط في الاحتياطي النقدي البالغ 40 مليار دولار وقرر خفض الجنيه".

واعتبر شاهين أن كلمة السر في بيع حصص من أصول الدولة "هو الحصول على مليارات الدولارات بعد أن أجبرته الحاجة إلى ذلك، كما أنها ستسهل له الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد والحصول على قرض ثالث، وهذا لا يمنع استمرار إستراتيجية السيسي في ضمان وضع مفاصل الاقتصاد المصري في يد القوات المسلحة ضمن اتفاق سري بين الجيش والسيسي على هذا الأمر".

مباحثات سرية

وتجري القاهرة مباحثات سرية مع صندوق النقد الدولي؛ من أجل الحصول على قرض عاجل تواجه به تداعيات الحرب في أوكرانيا على اقتصادها المحلي، بحسب وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية المتخصصة.

ونقلت الوكالة عن مديرة صندوق النقد الدولي، كريستينا جورجيفا، قولها مؤخراً خلال حديث عن الحرب الأوكرانية: "إنني أخشى على مصر". وأضافت جورجيفا: "نحن الآن في مباحثات مع مصر حول كيفية مساعدة السكان الذين سيكونون عرضة للضرر، وكذلك الشركات المعرضة للضرر".

 

اقرأ أيضا: لماذا قدم المركزي المصري موعد رفع الفائدة وخفّض الجنيه؟

هروب نحو 16 مليار دولار

شهد سوق أدوات الدين خروج نحو 15.8 مليار دولار من مصر منذ بدء الأزمة الروسية الأوكرانية بحسب محللة الاقتصاد الكلي منى مصطفى، لذا فقد توجهت الحكومة لبيع حصصها في بعض الشركات مدفوعة بالضغط الناتج عن نقص الموارد الدولارية في ظل موجة التضخم العالمية وتداعيات الأزمة العالمية.

وقللت في تصريحات صحفية من فاعلية بيع الأصول الحكومية، وقالت إنها قد تنجح في توفير النقد الأجنبي لكن بشكل مؤقت وغير مستدام، نظرًا لأن حصيلة البيع بمثابة دفعة إنقاذ قد تُستخدم في سداد الديون، وربما استيراد السلع الأساسية، ولن تستثمر في مشروعات تدر عملات أجنبية، واصفةً هذه الآلية "بالمسكنات".