خفض قيمة العملة المصرية لا علاقة له مطلقا بالحرب في أوكرانيا، التخفيض هو نتيجة مبدئية لفشل الإدارة المصرية في الجوانب التالية:
- سوء استخدام الموارد الدولارية التى أتيحت للادارة المصرية بغزارة غير مسبوقة و ضخ الأموال في أصول عقيمة، لا ينتج عن امتلاكها عوائد حقيقية، و الإغراق في الاستثمارات الريعية دون الإنتاجية، و تحميل الخزانة المصرية بديون ثقيلة تستهلك خدمتها (فوائدها و أقساطها)، وأغلب الدخل القومى الذى لم يرتفع بنفس نسبة ارتفاع الديون.
- التخلي عن ملكية صناعات إنتاجية تصديريه كانت تدر على البلاد إيرادات بالعمله الصعبه أو توفر عليها الاستيراد من الخارج، مثل سماد اسكندريه و الحديد و الصلب بعد الفشل فى إصلاح إدارة تلك الشركات، و التخلى عنها للقطاع الخاص الذي يفضل الاستيراد من الخارج عن الإنفاق داخليا للإصلاح، و استمرار تعطل أصول إنتاجية عن العمل بالطاقة القصوى بسبب غموض موقف الدولة من الشركات الإنتاجية، فهل سيتم إصلاحها أم بيعها و تقسيم أرضها ؟.
- توقف جزء من الموارد الدولارية المعتادة للحكومة (الاقتراض من الخارج) بل و هروب الأجانب من الاستثمار في الديون المصرية، سواء لأسباب ضعف التأثير السياسى لمصر، أو فقدان جاذبية التعاون معها لعدم وضوح الرؤية في إدارتها، والتردد فى الانحيازات والاختيارات.
- فشل إدارة سوق الأوراق المالية في تنشيط السوق أو حتى الحفاظ على مستوى نشاطه الطبيعى و العجز عن اجتذاب أى استثمارات جديدة والتخلي التام عن شفافية مناخ الاستثمار و ترك المعلومات للشائعات والأخبار المتطايرة لعدم وجود مصدر إعلامي موثوق به يقدم مصر للعالم.
- تسميم مناخ الاستثمار فى مصر برسوم و قوانين مجحفة غير جذابه للمستثمر أولا، ثم بشروع بعض الجهات فى فرض رسوم بدون قوانين (و أحيانا بدون فواتير) و مؤخرا بقيام البرلمان بتعديل قانون المخابرات العامة ليتيح للجهاز المنافسة فى مجال الاستثمار، و هذا القانون تحديدا أراه ضربة قاضية للاستثمار الأجنبى فى مصر، فمن هو المستثمر الذي سينافس جهه سياديه مسيطره يخدمها برلمان كامل، وماذا يضمن للمستثمر المنافس لجهاز المخابرات أن البرلمان لن يغير القوانين فى أى لحظه لتمكين الجهاز من الاستحواذ على استثماره ؟
- انحسار قوة التأثير المصريه و فقدان جاذبية السوق ليس فقط بتقزيم القوة الناعمة إعلاميا وثقافيا، بل بما يصرح به رئيس الجمهورية نفسه من أنه (مش لاقى أكل ولا أعلم و لا أعالج ) و هو ما يعتبر تقزيم لصورة المجتمع المصرى الجذاب سابقا، و إفشال لفكرة ( توطين ) الصناعة فى مصر، فمن الصناعي الذي سيوطن صناعته فى بلد ( مش لاقيه تاكل و لا تتعلم و لا تتعالج )، مقابل ظهور مراكز استثمار بالغة الجاذبية فى الإقليم، سواء فى تركيا أو إسرائيل ( التى طبعت مع الخليج تماما ) أو سوريا العائده مؤخرا بكتلة مشروعات هائلة أقلها إعادة الإعمار.
الأزمه الحقيقية تكمن في غياب الرؤية، و تجنب مناقشة أهل الخبرة والانصياع التام لأهل الثقة الذين ثبت بالدليل القاطع أن إدارتهم لشؤون البلاد ستورد الجميع مورد الهلاك، ولا قوة إلا بالله.
- فى ظل تحجر الحالة السياسية فى مصر، ووضوح تلف المؤسسات المصرية، بدءا من البرلمان، فالإعلام، ثم وزارة الاستثمار (ليس لدينا وزير استثمار.. ولا وزير صحة) و غموض مريب لـ(مستقبل) الحالة السياسية فى مصر.. فسؤال (ماذا بعد السيسي؟) يدور فى عقول كل مستثمر يفكر فى القدوم لمصر كما يدور فى عقولنا نحن أيضا، و بالتالى فحالة عدم اليقين تتعمق فى الأذهان و تشكل عنصر طارد تماما لأى استثمار.
نظرا لعجز الموارد المشار إليها بدأت المضاربات على سعر الدولار خارج القطاع الرسمي، و بالتالى يتهدد المورد الأول للدولار فى مصر المتمثل فى تحويلات المصريين فى الخارج، و بداية ظهور سوق سوداء تجتذب تلك التحويلات، تحتم على الحكومة (الإنصياع) لضغوط، ومغريات المضاربين، و تقيم سعر يعادل سعر السوق السوداء للحفاظ على ما تبقى من مصادر عمله حرة تدخل مصر.
ارتفاع سعر الدولار لا علاقة له مطلقا بالحرب في أوكرانيا، و لا حتى بارتفاع أسعار السلع، فلو كان لدينا إنتاج كافى للتصدير، لأصبح دخلنا بالدولار مثل إنفاقنا، و لم نتأثر بارتفاع السعر، لكن الإغراق في الاستثمارات الريعية الغير مدره لأى عوائد تذكر، و إهمال الإنتاج، فضلا عن الملابسات المشار إليها أعلاه، هي السبب المباشر لما نراه من (اضطرار) لخفض قيمة الجنيه المصرى، فالأزمه الحقيقية تكمن في غياب الرؤية، و تجنب مناقشة أهل الخبرة والانصياع التام لأهل الثقة الذين ثبت بالدليل القاطع أن إدارتهم لشؤون البلاد ستورد الجميع مورد الهلاك، ولا قوة إلا بالله.