سياسة عربية

نقاط لافتة بإعدامات السعودية.. هل يأتي الدور على الدعاة؟

عبد الله العودة قال إن "العديد من التهم المسندة لا تستحق عقوبة الإعدام بموجب القانون السعودي"- واس

نفّذت وزارة الداخلية السعودية قبل أيام، أكبر وجبة إعدامات جماعية في تاريخها الحديث، طالت 81 شخصا أدينوا بقضايا متعلقة بالإرهاب.

 

ورصدت "عربي21" عددا من النقاط اللافتة في الإعدامات التي طالت 73 سعوديا بينهم 41 مواطنا من الطائفة الشيعية، بالإضافة إلى 7 يمنيين، وسوري واحد، إذ تجاهلت وزارة الداخلية لأول مرة تفصيل نوع أحكام القتل فيها، بخلاف الإعدامات السابقة.

 

ففي إعدامات العام 2016 التي طالت 47 شخصا، أوضحت الداخلية أن إعدام جل المتهمين بمن فيهم رجل الدين الشيعي نمر النمر، والمنظر الجهادي فارس آل شويل الزهراني، كان "تعزيرا"، فيما أقيم حد القتل "حرابة" على عدد من المتهمين حينها.

 

وفي العام 2019، نفذت السعودية إعدامات جماعية أيضا طالت 37 شخصا، وأوضحت وزارة الداخلية حينها أنها نفذت حد الحرابة بعدد منهم، وصلبت المواطن خالد بن عبد الكريم التويجري الذي أدين بقتل خاله اللواء في المباحث العامة ناصر العثمان، والتمثيل بجثته.

 

 

29 بالمئة مدانون بالقتل

 

بحسب بيان وزارة الداخلية، فإن الأشخاص الذين تم إعدامهم قبل أيام، أدين 23 منهم فقط بارتكاب جرائم قتل من أصل 81، أي بنسبة لا تتجاوز 29 بالمئة.

 

فيما تم إعدام 58 آخرين، وهم 53 سعوديا بينهم 37 من الطائفة الشيعية، و4 يمنيين، وسوري، لتهم عديدة، تدور حول تشكيل خلايا إرهابية، واستهداف رجال الأمن، والسطو، والاغتصاب، والتخابر، وغيرها، وهي تهم شكك فيها حقوقيون.

 

وفي مقال له بشبكة "إن بي سي" الأمريكية، قال عبد الله العودة، نجل الداعية المعتقل سلمان العودة، إنه "على الرغم من الخطاب التحريضي الذي استخدمته الحكومة لتبرير هذه الإعدامات، فإن العديد من التهم المسندة لا تستحق عقوبة الإعدام بموجب القانون السعودي".

 

وأضاف: "في كثير من الأحيان لا تستحق حتى الاعتقال. ووجهت بعض الاتهامات لأفعال مثل حضور مظاهرات سلمية".

 

نقاط لافتة

 

بحسب تفاصيل القضايا المنشورة، فإن عددا ممن تم إعدامهم لم ترد أسماؤهم في بيانات سابقة لوزارة الداخلية، مثل خليل الزهراني، وحسن آل مسبح، ومعدي بن عيد العتيبي، وطارق بن مساعد المطيري.

 

وبحسب ما رصدت "عربي21"، فإن الدفعة الأكبر ممن تم إعدامهم قسموا بحسب بيان وزارة الداخلية إلى قضيتين، ضمت الأولى 37 سعوديا شيعيا، والثانية 13 سعوديا (محسوبين على تنظيمي داعش والقاعدة)، بالإضافة إلى مواطن سوري.

 

وكان لافتا أن المجموعة الثانية التي اتهم أفرادها بـ"تشكيل خلية إرهابية مرتبطة بداعش وتنظيمات أخرى، واستهداف علماء ورجال أمن وإيواء مطلوبين"، وغيرها، ضمت معتقلين منذ نحو 18 عاما، ومعتقلين لم يمض على اعتقالهم أكثر من 5 سنوات.

 

إذ ورد في بيان الداخلية اسم المعتقلين عيسى اللقماني، وعقيل العقيل، علما أن الأول اعتقل في العام 2004، وصدر حكم بإعدامه بعد 10 سنوات كاملة، قبل أن يتم تنفيذه ضمن مجموعة الـ81، فيما اعتقل العقيل في العام 2007، وبدأت محاكمته بعد خمس سنوات كاملة من التوقيف، في العام 2012، بحسب ما رصدت "عربي21".

 

العقيل واللقماني وآخرون تم الزج بأسمائهم في قضايا بدأت وزارة الداخلية بالكشف عنها قبل نحو 5 سنوات، إذ وضع اسمهما إلى جانب مدانين ومعتقلين قالت السعودية إنهم مرتبطون بتنظيم داعش، مثل عبد الله العضيبي، الذي اعتقل مطلع العام 2017، وكان حينها مرشدا طلابيا في مدرسة حكومية بمنطقة حفر الباطن، وهو ممن تم إعدامهم أيضا.

 

 

اقرأ أيضا: الإعدامات بالسعودية تحيي الجدل بشأن الاستحواذ على نيوكاسل

أداة تثبيت الحكم

 
رأى المؤرخ والكاتب الصحفي البريطاني المهتم بشؤون الشرق الأوسط، أندرو هاموند، أن لجوء السعودية إلى الإعدامات هو "أداة لتثبيت الحكم"، بحسب ما يعتقد ولي العهد محمد بن سلمان.

 

وأضاف في حديث لـ"عربي21": "ليس لدي شك في أن الإبقاء على عقوبة الإعدام للأشخاص المتهمين بتشكيل خطر على المجتمع ليس أكثر من أداة للحكم بالقبضة الحديدية، التي يعتبرها السبيل الوحيد لإدارة وتحديث بلاده".

 

وتابع: "للأسف هناك مجموعة صغيرة من الصحفيين والمحللين، وحتى الأكاديميين السذج وعديمي الضمير، على استعداد لنشر هذا التفكير دوليا".

 

ورأى هاموند أن شرعنة الإعدامات "إهانة لشعب المملكة العربية السعودية، وسيؤدي إلى الظلم والاستبداد".

 

بدوره، قال المعارض سعد الفقيه، رئيس حركة "الإصلاح"، إن ابن سلمان يريد إرسال رسالة واحدة للسعوديين وللغرب، وهي أنه سيواصل حكمه بـ"الدم".

 

 ورأى الفقيه في تعليق لقناة "الحوار"، أن ابن سلمان استخدم الدعاة، كإمام وخطيب الحرم عبد الرحمن السديس، في تأييد الإعدامات، وإعطائها صفة شرعية.

 

الدور على الدعاة؟

 

 في مقابلته المثيرة للجدل مع مجلة "ذي أتلانتيك" مطلع آذار/ مارس الجاري، قال ابن سلمان إن "عقوبة الإعدام تخلصنا منها جميعًا ما عدا فئة واحدة وهذه الفئة مذكورة في القرآن، فإذا قتل أحدٌ شخصًا آخر، فإن لعائلة المقتول الحق - بعد الذهاب للمحكمة - في المطالبة بقتله، ما لم يعفوا عنه. أو إذا كان شخص يُهدد حياة كثير من الناس، فهذا يعني أنه يجب أن يُعاقب بالإعدام".

 

الشق الثاني من حديث ابن سلمان، أن "من يهددون حياة كثير من الناس"، يجوز إعدامهم، هو تأكيد منه على تصريح له في نيسان/ أبريل 2020، إذ قال حينها: "التطرف في كل شيء غير جائز، والرسول عليه الصلاة والسلام تكلم بأنه في يوم من الأيام سيخرج من يتطرف، فإذا خرجوا اقتلوهم"، معتبرا أن المقصود بكلامه ليس شرطا أن يكون إرهابيا بالمعنى المتعارف عليه".

 

عضو حزب التجمع الوطني المعارض، عبد الله الجريوي، قال إن قول ابن سلمان "إذا كان يهدد حياة كثير من الناس"، هي "عبارة فضفاضة لا بد أن تكون واضحة ومحددة في القانون".

 

وتابع لـ"عربي21": "أما أن يقولها هكذا فيستطيع أن يستخدمها لتبرير قتل الدكتور سلمان العودة وغيره".

 

وأضاف الجريوي: "ثم السؤال، إذا كان يهدد حياة القليل من الناس فهذا أمر مقبول لديه؟".

الأكاديمية مضاوي الرشيد، قالت إن إعدامات السعودية الأخيرة، تشير إلى أن ابن سلمان لديه قائمة طويلة يستهدف التخلص منها مستقبلا.

 

وتابعت في مقال بموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، أن ابن سلمان لا يجد مانعا في التباهي بالإعدامات بذريعة أنها حق سيادي، وهو يتقوّى بذلك باعتماد الغرب على المملكة في النفط، مشيرة إلى الاستقبال الباهت لرئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون في الرياض قبل أيام.

 

وتابعت أنه مستقبلا، في حال اعتمد الغرب على مصدري نفط آخرين كفنزويلا وإيران، فإن ابن سلمان سيفكر مرتين قبل أن يقدم على تنفيذ وجبة إعدامات جديدة.

 

اقرأ أيضا: هكذا مهّدت مؤسسات السعودية الدينية لشرعنة قتل المعارضين

"تهم تستحق القتل"

 

في النصف الثاني من العام 2018، كشفت وسائل إعلام عن مطالبة النيابة العامة في السعودية، بإصدار حكم بالقتل تعزيرا ضد أبرز الدعاة المعتقلين (سلمان العودة، عوض القرني، علي العمري)، وذلك بعد توجيه لوائح تهم ضخمة لهم. 

فمن بين التهم الـ37 الموجهة للشيخ العودة: "الإفساد في الأرض بالسعي المتكرر لزعزعة بناء الوطن وإحياء الفتنة العمياء وتأليب المجتمع على الحكام".

 

بالإضافة إلى "الدعوة إلى الخلافة وتغيير الحكومة في السعودية"، والدعوة إلى "زج المملكة بالثورات الداخلية".

ولا يزال القضاء السعودي يؤخر إصدار الحكم ضد الشيخ العودة، وهو ما دفع ذويه ومنظمات حقوقية إلى القلق من الحكم المتوقع.

 

"تحريض المؤسسات الدينية"

 

تبع مطالبة النيابة بإعدام العودة وآخرين، حملات رسمية للمؤسسات الدينية في السعودية، تمهد لاحتمالية إعدامهم بالفعل.

 

ففي كانون الثاني/ يناير 2021، نشرت الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، فتوى لعضو اللجنة الدائمة للإفتاء صالح الفوزان، يقول فيها؛ إن "أصل منشأ جماعة الإخوان الإرهابية هم الخوارج، بل زاد شرّهم أشد من الخوارج"، واعتبر أن الخوارج لم يقوموا بتفجير المنازل والمتاجر، وترويع النساء والأطفال، معتبرا أن الإخوان "أشبه بالقرامطة".

وفي الشهر ذاته، أصدرت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بيانا اعتبرت فيه أن "الإخوان" من جماعات الخوارج.

وقال رئيس الهيئة عبد الرحمن السند: "نحن في هذا الزمن ابتلينا بجماعات وأحزاب هي على عقيدة الخوارج، وعلى أصول هذه الطائفة وقواعدهم التي خالفوا بها منهج أهل السنة والجماعة، فإنهم وإن تسموا بأسماء أخرى، لكنهم هم الخوارج".

وقال السند في حوار مع قناة "العربية"؛ إن "الإخوان المسلمين خوارج، كلما خرج منهم قرن قُطع حتى يخرج في عراضهم الدجال، أي حتى قيام الساعة". 

 

الفتاوى السابقة تعني بحسب هيئة كبار العلماء في السعودية أن من يدان بأنه من الخوارج يجوز قتله لكن بأمر من الحاكم، إذ يقول الفوزان في فتوى سابقة: "ليس من حق كلِّ أحدٍ أنَّه يقتل الخوارج، وإنَّما هذا من صلاحيات وُلاة الأمور، فإذا جند وليُّ الأمر جندا لقتال الخوارج، فإننا نقاتل تحت رايته".

 

 

"مخالفات للقانون السعودي"

 

نائب رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، عادل السعيد، نشر سلسلة من محاضر محاكمات عدد من المعتقلين الذين تم إعدامهم، قال إنها تثبت أن القضاء السعودي خالف حتى القوانين التي يعمل بها.

 

وتظهر إحدى الوثائق طعنا بعدم صحة الإجراءات التي اتخذت بحق أحد من تم إعدامهم، فيما يرفض الادعاء العام إحضار تسجيل الكاميرات التي تثبت تعرض المعتقل للإكراه في المصادقة على أقواله، كما توضح وضعه في السجن الانفرادي لمدة طويلة وحرمانه من حقه في توكيل محام.

 

معتقل آخر ممن تم إعدامهم، ذكر في محاضر الجلسات التي نشرها السعيد، أنه تعرض لتعذيب وحشي تسبب بكسر في عظمة الترقوة، وكسر في الساق، بالإضافة لتعذيبه بالعصي الكهربائية. 

 

ولفت معتقل آخر أن المحقق أجبره على كتابة اعترافات على أشياء لم يقم بها، تحت تهديده بإحضار زوجته، وفصل أبنائه من أعمالهم، وأضاف أن القاضي حينما سأله عما إذا كانت الاعترافات بخط يده أم لا، أجابه بنعم خوفا من المحقق، فيما لم يسمح له القاضي بطلب تفريغ كاميرات جلسات التحقيق معه، والتي تثبت أنه اعترف تحت التهديد.