تشهد مدن الضفة والقدس المحتلتان تصاعدا كبيرا في طبيعة المواجهات مع
الاحتلال، إذ لا يخلو يوم من مواجهة
الفلسطينيين الاحتلال ومستوطنيه بكافة السبل والأدوات. هذا التطور الكبير في بيئة الضفة رغم سياسة جز العشب التي تستخدمها إسرائيل وسياسة تبادل الأدوار التي تلعبها السلطة المتنفذة في ملاحقة وتضيق الخناق على النشطاء والمقاومين، ينذر بأننا مقبلون على تطور وتصعيد دراماتيكي سيؤدي إلى انفجار الأوضاع، وهذا ما يخشاه الاحتلال ويقلق السلطة.
تعيش الضفة اليوم واقعا صعبا.. ارتفاع كبير في جرائم الاحتلال التي كان آخرها استشهاد ثلاثة شبان، أحدهم في الضفة والثاني في
القدس والثالث في النقب بالداخل المحتل. هذا الدم الذي اختلط بالأرض في المناطق الثلاث لم يأت مصادفة، تلك الجبهات الثلاث تقلق الاحتلال وتشكل صواعق قد تنفجر في أي لحظة. يحاول الاحتلال بسلوكه وأد ذلك وإضعافه من خلال بعض الإجراءات الوقائية، لكن ذلك لن يجعله بمنأى عن التصعيد الحتمي في الأيام القادمة، لا سيما أننا مقبلون على شهر رمضان المبارك.
فواقع القدس والاقتحامات اليومية للأقصى من قبل المستوطنين صاعق لانفجار حتمي، كما أن جبهة النقب والعبث فيها، خاصة في ظل الحديث عن عودة عمليات جرف أراضي المواطنين في النقب وتحريجها، الأمر نفسه الذي هب من أجله أهالي النقب قبل نحو شهرين، وسعى الاحتلال إلى قمع احتجاجاتهم، واعتقل العشرات من المحتجين، لكنه اضطر إلى وقف التجريف والتحريج خوفاً من فقدان السيطرة والتصعيد.
كما أن جبهة الداخل المحتل هي الأخرى قابلة للاشتعال، لا سيما أنها أثبتت في معركة سيف القدس في أيار/ مايو 2021 أن دولة الاحتلال أضعف مما تحاول تقديم نفسها به، وأن لدى الاحتلال نقاط ضعف يمكن للفلسطينيين استغلالها، ولديها تأثير قوي.
هذه التخوفات لدى الاحتلال دفعت مفتش عام الشرطة الصهيونية إلى إصدار قرار بمنع تنفيذ أوامر الهدم الصادرة بحق مبانٍ لفلسطينيي الداخل خلال شهر رمضان المبارك والفترة التي تسبقه، خشية التصعيد الأمني، وهو ما جاء على لسان ضابط كبير في شرطة الاحتلال الذي قال: "إن القرار معد لمنع الاحتكاكات خلال شهر رمضان".
ما تشهده الضفة اليوم من تطور على صعيد اتساع نقاط المواجهات مع الاحتلال، إضافة إلى التطور الكبير في العمل المقاوم، إذ شهدت الضفة والقدس خلال شهر شباط/ فبراير 2022 نحو 195 فعلاً مقاوماً وفق رصد مركز القدس للدراسات، يرى الاحتلال في ذلك ومع قرب شهر رمضان، إنذارا بانفجار الأوضاع على غرار سيف القدس في أيار/ مايو ٢٠٢١، وما أحدثته من خسائر تكبدها الاحتلال جراء
المقاومة وإنجازاتها الكبيرة.
إن حالة الغليان في مدن الضفة والقدس والداخل رسالة للاحتلال بأن سياسة اقتحام المدن والاعتقالات وهدم المباني أمر أصبح ليس سهلا، بل ستكون له أثمان كبيرة، واستباحة الضفة لن تكون متاحة بعد ذلك. والرسالة الأخرى للسلطة أن التنسيق الأمني ومحاولة إجهاض المقاومة وملاحقة النشطاء والمقاومين لن تجدي نفعا، وأن الضفة والقدس والداخل في طريقهم نحو الانتفاضة لا محالة، وأن سلوك السلطة المنحرف عن توجهات الفلسطينيين، لن يخمد إرادة الثائرين عن مواصلة طريقهم في مقاومة الاحتلال بكافة الأشكال.
ولا يمكن للاحتلال والسلطة اعتراض طريقهم أو الالتفاف عنها، فالفلسطينيون أصحاب إرادة فولاذية لا يمكن لأحد الوقوف أمامهم، طالما الاحتلال باق ويتمادى في جرائمه وغطرسته.