بلدة ضاربة بجذورها في التاريخ لارتباطها بمدينة القدس التي كانت وجهة للمؤمنين وللطامحين وللطامعين، وكانت الجيوش الفاتحة أو الغازية القادمة لمدينة القدس تمر بها.
تعد بلدة أبو ديس خاصرة القدس وبوابتها الشرقية الجنوبية وإحدى ضواحيها، ونقطة التقاء بين شمال الضفة الغربية وجنوبها ومنطقة أريحا والاتصال مع الأردن، وقد عسكر فيها الناصر صلاح الدين الأيوبي عندما أطبق بجنده على القدس ليحررها من أيدي الصليبيين، ويقال إن مسجد صلاح الدين، الرئيسي في البلدة، مبني على المكان الذي عسكر وجلس فيه صلاح الدين الأيوبي.
وتبلغ مساحة أبو ديس قرابة الـ36 ألف دونم وتصل حدودها إلى البحر الميت، ويسكنها اليوم قرابة الثلاثين ألف نسمة.
البلدة عبارة عن سلسلة من الجبال والوديان الخصبة التي تشكل قيعانا صالحة للزراعة الشتوية والصيفية وتشتهر باللوزيات والزيتون وتعتمد على مياه الأمطار اعتمادا شبه كلي. يحدها من الشمال جبل الزيتون وبلدة العيزرية، ومن الغرب رأس العامود وسلوان والمسجد الأقصى، ومن الشرق مستوطنة معاليه أدوميم المقامة على أراضي البلدة، والخان الأحمر حتى تتصل إلى البحر الميت، ومن الجنوب السواحرة الشرقية، ومن الجنوب الغربي السواحرة الغربية وجبل المكبر وسلوان.
أبو ديس والعيزرية و جبل الزيتون عام 1940
وتتعدد الروايات حول تسميتها بهذا الاسم وغالبيتها روايات شفوية، ويقول أهالي بلدة أبو ديس إن سبب تسمية بلدتهم بهذا الاسم له صلة وثيقة بعمل سكان البلدة، فكلمة ديس كلمة تركية الأصل تعني قش، وقد كان السكان قديما يأتون بالقش من مشارف البحر الميت، ومن غور الأردن، ويعملون منه الحصر الشعبية والتي كانت أجود من تلك التي كانت تصنع من سعف النخيل في بيت دجن، ويقول أصحاب هذا القول إن صناعة الحصر المصنوعة من هذا القش قد ازدهرت، حيث كان لها مصنع يقع في مغارة الحصر في وسط أبو ديس وبهذا يكون معنى أبو ديس، أبو القش.
ويقال إن قرية أبو ديس تقوم على بقعة قرية كانت تسمى "بيتا بوديسون" في العهد الروماني، ومنها أخذت البلدة اسمها الحالي، وقال آخرون إن أبو ديس من أصل لاتيني "بودني س" ومعناه خجول أو متواضع. وقال البعض إنها مشتقة من الكلمة اليونانية (ديسا ومعناها أم القرى العشرة نسبة إلى الخرب العشرة التي قامت أبوديس عليها .
وتقام على أراضيها العديد من المؤسسات الفلسطينية المهمة مثل: جامعة القدس، ومدرسة المعهد العربي، ومؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية، وهي أكبر دار من دور الأرشيف المختصة في تراث وتاريخ فلسطين بشكل عام والقدس بشكل خاص، ونادي شباب ابوديس، وجمعية الشبان المسلمين سابقا، وجمعية إنعاش القرية، والمجلس التشريعي الفلسطيني (غير كامل البناء منذ 1996)، وقيادة الشرطة الفلسطينية لمحافظة القدس، وعدة جمعيات، وعدد من الوزارات الحكومية.
الموقع الجغرافي الفريد للبلدة كضاحية من ضواحي القدس، والمكانة الروحية الكبيرة، أوجد لها مكانة خاصة لدى الفلسطينيين، إضافة إلى كونها جزءا من الضفة الغربية التي احتلت عام 1967 وجزءا من أي عملية مؤثرة بالقدس كعاصمة للدولة الفلسطينية.
جدار الفصل العنصري يقسم أبو ديس
وتسبب الجدار العازل، جدرا الفصل العنصري، في فصل أبوديس عن القدس، حيث يحرم أهلها الذين يرون منها قبة الصخرة المشرفة، ويسمعون من بيوتهم صوت الأذان في المسجد الأقصى من الصلاة في أولى القبلتين، بل إن الجدار اخترقها وقسم العائلات إلى قسمين واحد خلف الجدار والثاني أمام الجدار.
وفي عام 2009 أصدرت قوات الاحتلال الصهيوني قرارا بمصادرة أكثر من 500 دونم من أراضي أبو ديس، وذلك بهدف بناء الجدار العنصري في المنطقة الشرقية من أراضي البلدة، والذي يفصل منطقة جنوب شرق القدس عن باقي مناطق الضفة، ويفصل الضفة الغربية شمالها عن جنوبها ويزيد من الخناق المفروض على المنطقة.
وصادر الاحتلال ما مجموعة 26 ألف دونم من أصل 30 ألف دونم المساحة الإجمالية لبلدة أبو ديس، وأبقى فقط على المناطق الضيقة والقائمة التي يتواجد فيها السكان.
كما نتج عن هذه القرارات إقامة عدة مستوطنات من بينها، كيدار، وكيدار1، وكيدار2، ومعاليه أدوميم، ومن ثم توسيعها.
وفي عام 2013 أعلنت سلطات الاحتلال عن وضع اليد ومصادرة المئات من الدونمات من أراضي بلدة أبو ديس شرقي القدس المحتلة بهدف توسيع حي الجهالين المقام حاليا على أراضي أبوديس.
ويهدف المشروع الاستيطاني إلى ترحيل آلاف العائلات البدوية من المناطق المحيطة بمستوطنات معاليه أدوميم، وكيدار، وميشور أدوميم، وكافة المناطق المحيطة بمدينة القدس، وكذلك ترحيل العائلات البدوية التي تسكن بالقرب من منطقة الخان الأحمر لإقامة حي استيطاني جديد في منطقة "ميشور أدوميم".
وهو مشروع بدأ الاحتلال العمل به منذ عام 1997، واستمر على مراحل عدة، تم خلالها ترحيل المئات من العائلات البدوية إلى منطقة أبوديس، وتوطينهم فيها، واعتبر القرار بتوطين البدو في أراضي أبوديس طعنة بقرار عودة اللاجئين، حيث أن هؤلاء البدو لاجئون من منطقة السبع، وكان الأجدر إعادتهم إلى أراضيهم التي هجروا منها في السابق، وليس توطينهم على أراض مملوكة ملكية خاصة.
أبوديس كما تبدو خلف الجدار العازل
وتردد اسم بلدة أبو ديس كثيرا كعاصمة للفلسطينيين وفق للخطة التي طرحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المعروفة إعلاميا باسم "صفقة القرن".
وهو ما رفضه الفلسطينيون بشكل كامل فهم معزولون تماما عن القدس، يرون كل صباح ومساء قلب المدينة، وهذا يزيدهم حسرة فهم لا يستطيعون الوصول إليها فهم من مناطقهم المحاصرة بشكل كامل، ولا تسمح لهم سلطات الاحتلال بالدخول إلى القدس سوى بتصاريح لا تصدرها لهم أصلا.
وكان من ينتقل من بلدة أبو ديس إلى البلدة القديمة في القدس لا يحتاج سوى خمس دقائق فقط للوصول إلى القدس، ولكن المنطقة أغلقها الاحتلال بشكل كامل، وأصبح الوصول إلى القدس يحتاج ساعة كاملة حيث يتعين عليه عبور الحاجز القريب من منطقة العيزرية والسير مسافات طويلة.
وعادة ما تندلع المواجهات كثيرا بين جنود الاحتلال والفلسطينيين وفي البلدة وحول الجدار الذي تسبب تغير نمط حياة أهالي البلدة الذين اعتمدوا على الزراعة كمصدر للرزق، حتى تحولت البلدة إلى مخيم ضيق لا يحتوي على مقومات المدينة والوضع الحالي الذي تعيشه في ظل الاحتلال وسياسته يمنعها من النمو والازدهار.
المراجع
ـ قرى ومدن (مهجرة ومدمرة) قضاء القدس، موقع فلسطين في الذاكرة.
ـ الاستيطان يبتلع 27 ألف دونم من أراضي أبو ديس، المركز الفلسطيني للإعلام، 21/2/2015.
ـ موقع بلدة أبو ديس، 27/9/2020.
ـ فادي العصا، هنا أبو ديس.. شاهد "عاصمة ترامب" للفلسطينيين، الجزيرة نت، 20/2/2020.
ـ نور علوان، حفصة جودة، بلدة "أبو ديس" الفلسطينية.. بين مضايقات الاحتلال ومقترح العاصمة الجديدة، نون بوست، 4/12/2017.
ـ أبو ديس.. عاصمة بعيدة الاحتمال للدولة الفلسطينية المستقبلية، صحيفة القدس العربي، 29/1/2020.