أفكَار

في عوامل الضعف الذي أصاب حياة المسلمين الدعوية والسياسية

عبد الله جاب الله: الإسلام تحدث عن الواجبات والتكاليف والمسؤوليات (فيسبوك)

عوامل الضعف الذي أصاب الحياة الدعوية والسياسية على نوعين: 

النوع الأول: الأمراض والأخطاء والمعوقات الداخلية:

إنّ الدعوة إلى الله تعالى عامة والعمل السياسي خاصة عمل عظيم لذا تقف في طريقهما جملة من المعوقات الداخلية تحاول عرقلة مسيرتهما أو تحريفهما أو تشويههما وتشويه رجالهما أو تمييعهما، وعلى الدعاة إلى الله تعالى أن يتفطنوا لذلك، فلا يستهينوا بها ولا يغفلوا أو يقصروا في معالجتها.

وأعني بالأمراض والمعوقات الداخلية؛ ما صدر من الدعاة أنفسهم أو من أتباعهم أو تنظيماتهم، وهي كثيرة، وأخطرها:

1 ـ الجهل بالدين

إنّ من أسباب شيوع مثل هذه الأمراض هو الجهل بالدّين، لأنّه لو حصل لعلم هؤلاء أنّ الدين منهج حياة واقعية بتشكيلاتها وتطبيقاتها وأوضاعها وقيمها وأخلاقها وآدابها وعباداتها وشرائعها، وهذا كله يقضي أن يكون للدين سلطان يحقق المنهج وتخضع له النفوس خضوع طاعة وتنفيذ، ولعلموا أن التصورات المنبثقة عن العقيدة الإسلامية في التشريع المنظم للحياة والسلوك هي التصورات الوحيدة الصحيحة والنافعة للإنسان، وأما التصورات الأخرى المنبثقة عن العقائد الأخرى في التشريع المنظم للحياة والسلوك فهي تصورات باطلة وضارة، ولعلموا أنّ مسألة الحكم والتشريع هي أعظم مسائل هذه الحياة، لأن صلاح دنيا الناس وآخرتهم منوط بها، ولذلك لم يتركها الله تعالى للبشر يجتهدون فيها بأهوائهم، ولعلموا أن التشريع المنظم لحياة البشر والراعي لمصالحهم في الدنيا والآخرة هو جوهر رسالة الإسلام، وهو أبرز حق لله تعالى على خلقه، فلا يتركه للبشر يتلاعبون به كيفما شاؤوا.

فالجهل بالدّين هو السبب، لأنّه لو حصل العلم لعلموا أن كتاب الله تعالى قد جاء تبيانا لكل شيء، فكل ما يسمى "شيء" فبيانه في كتاب الله تعالى ـ سواء تعلق بالفرد أو الجماعة أو المؤسسة أو الدولة أو المجتمع الدولي أو المنظمات الدولية ـ فجميع أنواع حياتهم وعلاقاتهم بجميع ظروفها وأحوالها ما كان منها في دائرة ما تتناوله الشرائع إلاّ وبيانه في كتاب الله تعالى إما بالعبارة وإما بالإشارة.
 
ولعلموا أن منشأ الحقوق في الإسلام هو شرع الله تعالى نفسه، وأنّ كل حق طلبه المسلم يجب أن يسأل عن حكم الشرع فيه، وكذلك الحال بالنسبة للمصالح، فمصدرها هو الشرع نفسه، ولو حصل هذا العلم لعلموا أن التشريع الإسلامي قد قرر الحقوق بأحكام الشرع التكليفية، فالإنسان هو إنسان التكليف والمسؤولية قبل أن يكون إنسان الحق والحرية..
 
ولعلموا أنّ الإسلام تحدث عن الواجبات والتكاليف والمسؤوليات، فالحكم الشرعي يوجب تكليفا ويقرر واجبا يقوم المسلم به سواء كان هذا التكليف فرضا واجب الأداء أو كان مندوبا أو مباحا أو كان نهيا واجب الترك أو مكروها، ولعلموا أن المسلم لا يستطيع ترك المندوب أو المباح إذا كان في تركه ضرر بالغير راجح، ولعلموا أن المسائل التي قد يكون فيها حق العبد خالصا أو غالبا لا يستطيع أن يتصرف فيها كما يحب ويهوى، وإنّما ينظر إلى طبيعة كل حق، فالعبد مثلا ليس له أن يتصرف في جسمه وعقله ونفسه كما يحب هو، وقد جاء الوعيد الشديد فيمن يقتل نفسه، وحرم الشارع شرب الخمر لما فيه من تفويت مصلحة العقل، وحجر على مبذر المال، وفي هذا الدليل على أن ما هو حق للعبد لا يلزم أن تكون له فيه الخيرة.

ولعلموا أنّ الإسلام لم يفصل بين الصالح العام والصالح الخاص، وقد حثّ بكثير من نصوص الأمر والنهي على العناية بخدمة مصلحة الآخر، وجعل خدمة المصالح الخاصة والعامة محور تشريعه كله، ولا يقر الإسلام التناقض بين المصلحتين، وإذا وقع رفعه، وقد وضع قواعد وشروطًا ترفع التناقض إذا وقع وتعالجه، وجعل سلامة المصالح العامة ضمانا لسلامة المصالح الخاصة، ولعلموا أن الربط بين المصلحتين هو الذي يحقق العدالة، فالعدالة لا تعني فقط عدم إيقاع الضرر بالغير، وإنما تعني التوازن بين المصالح المتعارضة، ومنها المصالح الخاصة والمصالح العامة، وهذا الربط هو الذي يحقق الاستقرار الاجتماعي والتقدم الحضاري.

 

الإسلام أوجب على أتباعه المزاوجة بين النـزعة الفردية المغروسة في الإنسان وهي ميله لخدمة نفسه وتحقيق مصالحه، وبين أدائه لواجباته نحو الغير تكافلا معهم ومساهمة في خدمة مصالحهم ودفع الضرر عنهم بما شرعه من أحكام التعاون السياسي والاجتماعي وغيرهما بما يخدم مقاصد الدين وغاياته في الخلق والاجتماع.

 



الجهل بالدّين هو السبب، لأنّه لو حصل العلم لعلموا أن تأسيس الجماعات الإسلامية أو الأحزاب الإسلامية إنما هو من أجل التبشير بالإسلام والدفاع عنه وتعليم الأمة والدفاع عن حقوقها؛ وتربية فئات منها تربية إسلامية صحيحة وتفجير طاقاتهم في خدمة الدين والأمة والدفاع عنهما، وتوفير أسباب النجاح في إحياء مجد الإسلام وصون حقوق الأمة وحرياتها ومصالحها.

وهو ما استمر تأكيده والتذكير به دائما بصيغ مختلفة منها: أننا وُجدنا من أجل التعاون على نشر الإسلام والتعريف به وإحياء مجده، ورفع العدوان الواقع عليه وعلى حقوق هذه الأمّة.

وذلك واجب لا يقوم إلا بالتضحية بالمال والوقت والنفس كما جاء في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ـ وفي رواية: كلمة حق عند سلطان جائر". وأن الجهاد عطاء وتضحية كما جاء بيان ذلك في عشرات النصوص.

ولعلموا أنّ الفوز بنصر الله تعالى وعونه يحتاج إلى التزام صحيح بالإسلام وتضحية رائعة ورائدة، واحترام دقيق لسنن الله تعالى في الخلق والاجتماع، ومن ذلك حسن التقيّد بدستور الإسلام في الأخلاق، مع إخلاص في النية وصدق في العمل.

ولعلموا أن المنفعة التي يطلبون إنما تتحقق باحترام الشريعة وحسن التقيّد بها، لأنها ما جاءت إلاّ لتحقيق المصالح وتقريبها ودفع المضار والتقليل منها، كما جاءت لتحقيق أكبر المصلحتين بتفويت أدناهما ودفع أكبر المفسدتين باحتمال أدناهما، وذلك في جميع شؤون الحياة ومجالاتها، كما جاءت لتحقيق مصالح العباد في الآخرة ودرء المضار عنهم.

فالمصالح المعتبرة في تشريع الأحكام هي مدار التكليف خدمة لمقاصد الشارع في الخلق، سواء كانت مصالح سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو تربوية أو خلقية أو ثقافية أو أمنية أو غير ذلك من المصالح التي يحتاج إليها العباد في دنياهم وأخراهم.

والواجب على من يسعى لتحقيق مصالح أمته أو مصالحه، هو أن يكون فاقها لأقسام المصالح عارفا بشروطها وضوابطها حتى يكون لاجتهاده اعتبار وقيمة وإلا عرّض نفسه لسخط الله تعالى وغضبه، ذلك أن الشارع الحنيف أوجب أن يكون قصد المكلف في استعمال حقه موافقا لقصد الله تعالى في تشريع ذلك الحق وإلا كان مناقضا لقصد الشارع، ومناقضة الشرع باطلة وما أدى إليه يكون باطلا، فالمقصود غير الشرعي هادم للقصد الشرعي، ومفوت للمصالح التي شرعت من أجلها الحقوق.

كما أوجب النظر في مآلات الأفعال أثناء الاجتهاد، فإذا كانت المآلات أي النتائج التي ستترتب عن الاجتهاد معقولة ولا تتعارض مع مقاصد الشرع وغاياته، كان الاجتهاد معتبرا ومشروعا، أما إذا كانت النتيجة غير معقولة ومتعارضة مع مقاصد الشرع وغاياته كان الاجتهاد غير معتبر وباطلا.

 

وضع الإسلام لكسب المال وتنميته واستعماله جملة من الضوابط والأحكام الشرعية تجعل من المال أداة رئيسة لخدمة الدين والتمكين له وخدمة الأمة ورفع الظلم الواقع عليها

 



الجهل بالدّين هو السبب، لأنّه لو حصل العلم لعلموا أن السعي في تدبير المال وتحصيله واجب، فالمال معدود من الضروريات الخمس التي عليها بصفة خاصة مدار التشريع ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾[الأعراف: 30]، ولكن الشارع الحكيم قيّده بقيود تسري عليه وعلى غيره من الشهوات؛ وهو أن يكون من الحلال الطيب، وأن كسبه واستعماله يكون ضمن الحدود الشرعية، فلا يشرع للمسلم السعي في تدبير المال وتحصيله بالطرق الحرام لأن ذلك يكون عندئذ على حساب ما جاء الإسلام لرعايته وحفظه من مقاصد أخرى، وعلى الخصوص مقصد حفظ الدين والنفس والنسل.

فالمقاصد الضرورية متفاوتة فيما بينها في القيمة، والمال في الجوهر ليس مقصدا لذاته وإنما لكونه سبيلا لخدمة المقاصد الأخرى، ولذلك وضع الإسلام لكسب المال وتنميته واستعماله جملة من الضوابط والأحكام الشرعية تجعل من المال أداة رئيسة لخدمة الدين والتمكين له وخدمة الأمة ورفع الظلم الواقع عليها، وخدمة القيم العليا الحافظة لكرامة الإنسان وقيمته في الوجود ككائن مكلف بحسن عمارة الأرض وأداء أمانات التشريع والبناء فيها، فلا يجوز استعمال المال أو السعي في تحصيله بما يلحق المهانة والذل بالنفس أو بالغير، ومن باب أولى بالجماعة أو بالمجتمع والدولة.

ولعلموا أن الإسلام أوجب على أتباعه المزاوجة بين النـزعة الفردية المغروسة في الإنسان وهي ميله لخدمة نفسه وتحقيق مصالحه، وبين أدائه لواجباته نحو الغير تكافلا معهم ومساهمة في خدمة مصالحهم ودفع الضرر عنهم بما شرعه من أحكام التعاون السياسي والاجتماعي وغيرهما بما يخدم مقاصد الدين وغاياته في الخلق والاجتماع.