دعا دبلوماسيون وأكاديميون أمريكيون، إدارة جو بايدن إلى الضغط على الرئيس التونسي قيس سعيّد، لـ"عكس تحركاته الاستبدادية، ولإعادة تونس إلى الحكم الديمقراطي، في مهد انتفاضة الربيع العربي"، معتبرين أن تراجع سعيّد عن الديمقراطية يهدد أسس العلاقة القوية بين واشنطن وتونس بعد عام 2011.
جاء ذلك في رسالة بعثتها مجموعة من 50 دبلوماسيا وخبيرا سابقا، من بينهم ثلاثة مبعوثين سابقين إلى تونس، إلى الرئيس الأمريكي بايدن؛ للضغط على سعيّد "لاتخاذ خطوات ملموسة لإعادة تونس إلى الحكم الديمقراطي".
وجاء في الرسالة التي يقودها مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط (بوميد) أن "إنقاذ الديمقراطية في تونس يعود في النهاية إلى التونسيين، لكن على الولايات المتحدة أن تفعل كل ما في وسعها للمساعدة، لحماية مصالح الولايات المتحدة، ودعم القيم الديمقراطية".
وقال الموقعون على الرسالة: "في وقت سابق، عزز سعيد قبضته على السلطة من خلال حل مجلس القضاء الأعلى -الهيئة التي تعمل على استقلال القضاء- ومنح نفسه السيطرة على اختيار القضاة وترقيتهم.
وتابعوا: "تأتي هذه الخطوة بعد شهور من تعليقه البرلمان وتوليه سلطات تنفيذية، في خطوة اعتبرها منتقدون انقلاباً. بالإضافة إلى تجميد البرلمان، قام سعيّد أيضا بإغلاق الهيئة الوطنية المستقلة لمكافحة الفساد في البلاد، وتهميش الهيئة العليا المستقلة للانتخابات".
وفي الوقت الذي ينتقد فيه العديد من المشرعين الأمريكيين تحركات سعيّد، ودعوا بايدن للتنديد بها، كان رد الإدارة الأمريكية حتى اللحظة مليئا بالغموض، إذ حثت واشنطن سعيّد على استعادة الديمقراطية البرلمانية في البلاد، لكنها لم تصل إلى حد وصف انتزاع السلطة بانقلاب، فيما دعا المشرعون الأمريكيون بايدن لتحديد ما إذا كانت الأزمة التونسية تشكل انقلابًا
وأشار الخبراء في رسالتهم إلى أن خارطة الطريق التي أعلن عنها قيس سعيّد في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي تفتقر إلى التفاصيل والشفافية أو مدخلات الفاعلين السياسيين التونسيين الآخرين.
وقالوا: "بعيدًا عن أن تكون طريقا للعودة إلى الديمقراطية، فإن خارطة الطريق توسع قوة سعيّد التي لا رادع لها حتى نهاية هذا العام على الأقل. إن تراجع سعيد عن المكاسب الديمقراطية التي حققتها تونس بشق الأنفس يهدد أسس العلاقة القوية بين الولايات المتحدة وتونس بعد عام 2011".
وورد في المراسلة: "لسوء الحظ، نخشى أن يكون غياب رد فعل أمريكي قوي على هجوم سعيّد على الديمقراطية قد شجعه على المضي قدما في طريقه المدمر".
وأضافت: "نحث إدارتكم (إدارة بايدن) على الضغط على الرئيس سعيّد لاتخاذ خطوات ملموسة لإعادة تونس إلى الحكم الدّيمقراطي".
وتابعت: "كما نوصي بأن توفر إدارتكم الدعم الاقتصادي الإضافي لتونس فقط عند استكمال تلك الخطوات".
وشددت المراسلة على ضرورة "العودة السريعة لهيئة تشريعية منتخبة، وإعادة الهيئات المستقلة، بما في ذلك المجلس الأعلى للقضاء والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وحماية التعددية السياسية، وحرية التعبير التي أصبحت مهددة".
كما دعت الرئيس التونسي إلى "تقديم خطة جادة لمعالجة الأزمة الاقتصادية، وعدم تهديد الحقوق والحريات بإنهاء محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية".
ومن بين أبرز الموقعين على المراسلة: سفراء الولايات المتحدة السابقين في تونس جيك واليس (2012-2015) ، وروبن رافيل (1998-2000)، وجون مكارثي (1991-1994)، وسفيرها السابق في الجزائر كاميرون هيوم، ومدير وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية مارك لاجون، وعضو الكونجرس الأمريكي السابق كارل غيرشمان، وجون اسبوزيتو الأكاديمي بجامعة "جورج تاون" في واشنطن.
ضعف المشاركة
إلى ذلك، أثار التلفزيون التونسي الرسمي موجة انتقاد لاذعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن دعا البرنامج الديني "الدين القيم " التونسيين إلى المشاركة في الاستشارة الإلكترونية التي أطلقها الرئيس سعيّد مع بداية السنة الجارية.
وانتقد نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي استغلال وتوظيف المرفق العمومي للإشهار السياسي، مطالين الهيئة العليا للسمعي البصري بالتدخل لإيقاف السياسة التي تنتهجها القناة العمومية.
وتعرف الاستشارة التي أطلقها سعيّد منتصف شهر كانون الثاني/ يناير الماضي قبولا ضعيفا من قبل التونسيين، في وقت تعاني فيه البلاد أزمة شح كبير في العديد من المواد الغذائية الأساسية، مثل الزيت النباتي والسميد والسكر والأرز، فضلا عن ارتفاع أسعار الكهرباء والمحروقات.
وأمام عزوف التونسيين عن المشاركة، التجأت السلطات التونسية إلى شتى الطرق من أجل الترويج للاستشارة، عبر تخصيص الصفحات الرسمية للوزارات على "فيسبوك" للدعاية لها.
كما عرفت بعض المناطق بالبلاد حلقات تواصل مباشرة في المدارس الثانوية والأسواق والساحات العامة؛ من أجل تشجيع التونسيين على المشاركة في الاستشارة.
ورغم التحشيد، بلغ عدد المشاركين في الاستشارة 248 ألفا و697 شخصا من داخل تونس وخارجها إلى حدود صباح السبت، علما أن الاستشارة تنتهي يوم 20 آذار/ مارس المقبل.
وأطلق سعيّد منتصف الشهر الجاري الاستشارة الوطنية عبر الإنترنت، على أن تستمر إلى حدود 20 آذار/ مارس المقبل، تاريخ استقلال تونس عن فرنسا، على أن يتم تجميع المقترحات وعرضها على الاستفتاء في 25 تموز/ يوليو المقبل.
وتشمل الاستشارة الوطنية 6 ملفات، تتمثل في: الشأن السياسي والانتخابي، والشأن الاقتصادي والمالي، والصحة وجودة الحياة، والشأن الاجتماعي، والتنمية والانتقال الرقمي، والشأن التعليمي والثقافي.
ويوجد أمام التونسيين 5 اختيارات في كل ملف مع ترك مساحة للتعبير الحر.
وبحسب سعيّد، فإنها تتولى لجنة من خبراء القانون الدستوري لاحقا ترجمة المقترحات إلى مشاريع قوانين يتم التصويت عليها عبر الاستفتاء الشعبي في 25 تموز/ يوليو المقبل.
ويعتزم رئيس البلاد من خلال هذا الاستفتاء تغيير النظامين السياسي والانتخابي، مع تلميحاته السابقة بأن "دستور 2014 لم يعد صالحا، ولا يمكن أن يتواصل العمل به لأنه لا مشروعية له"، على أن يتم التوجه نحو انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022، بالاعتماد على نظام سياسي وقانون انتخابي جديدين.
ودعت عديد الأحزاب منها "النهضة" و"التيار الديمقراطي" و"الجمهوري" و"التكتل" إلى مقاطعة الاستشارة الوطنية التي أطلقها سعيّد.
"فهم خاطئ"
وفي تعليق، اعتبر وزير الشباب والرياضة التونسي، الجمعة، أن ضعف عدد المشاركين في الاستشارة الإلكترونية يعود لأسباب تقنية، ولوجود فهم خاطئ للاستشارة والخلط بينها.
وأضاف كمال دقيش قائلا: "بان بالكاشف وجود أطراف ذات انتماءات سياسية رافضة لقرارات 25 تموز/ يوليو تسعى لإفشال الاستشارة الإلكترونية"، بحسب تعبيره.
وفي تصريح سابق، أرجع وزير الشباب و الرياضة سبب ضعف المشاركة في الاستشارة إلى ضعف تغطية الإنترنت في تونس.
وبدأ الرئيس التونسي قيس سعيّد سلسلة من التدابير الاستثنائية منذ 25 تموز/ يوليو الماضي، حيث أعلن تجميد اختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وعزل الحكومة وتعويضها بأخرى غير مصادق عليها من قبل البرلمان.
اقرأ أيضا: محامون بتونس يستعرضون "حصاد الانتهاكات خلال فترة الانقلاب"
وفي 22 أيلول/ سبتمبر، قرر سعيّد تعليق العمل بأغلب فصول الدستور، فضلا عن مواصلة تعليق أعمال البرلمان، وإلغاء الامتيازات الخاصة بأعضائه، وتعطيل عمل بعض الهيئات الدستورية.
وتعمقت الأزمة السياسية بتونس بعد إعلان الرئيس، في 13 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عن تنظيم انتخابات تشريعية وفق قانون انتخابي جديد يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022، وعرض مشاريع تعديلات دستورية لصياغة دستور جديد على الاستفتاء في تموز/ يوليو القادم.
وفي 10 شباط/ فبراير الماضي، أعلن سعيّد حل مجلس القضاء وتعويضه بآخر مؤقت، وأصدر مرسوما رئاسيا يسمح للرئيس بتعيين وعزل وترقية ومعاقبة القضاة، في خطوة أثارت ردود فعل غاضبة داخليا وخارجيا.
وزير تونسي سابق يقدم شكوى لضبط الرئيس سعيّد ومحاكمته
دعوة للإضراب بمحاكم تونس.. وقلق دولي من إجراءات سعيّد
"القضاة الشبان" بتونس: سندعو القضاة إلى إضراب عام مفتوح