مع اشتداد وتيرة الأزمة الأوكرانية الروسية،
تنظر الأوساط العسكرية
الإسرائيلية إلى الجوانب التسلحية في الأزمة، وأثرها على
تصاعدها أو تسكينها، لا سيما في ضوء صفقات
السلاح القائمة بين إسرائيل من جهة، وبين
روسيا وأوكرانيا من جهة أخرى.
وفي الوقت ذاته، تراقب المحافل العسكرية
الإسرائيلية "التغذية الراجعة" التي استفادت منها قوات الجيش الروسي من
خلال عملها في الأجواء والأراضي السورية منذ 2015، وكيف تترك أثرها على إمكانية أن
يقرر غزو الأراضي الأوكرانية، سواء على صعيد الأداء العملياتي، أو طبيعة السلوك
القتالي، وأين يكمن الدور الإسرائيلي في كل ذلك.
تال شنايدر الكاتبة الإسرائيلية ذكرت في مقالها
بموقع
زمن إسرائيل، ترجمته "عربي21" أن "المحافل الإسرائيلية ترصد
هبوب رياح الحرب على أوروبا الشرقية، خاصة الأداء العسكري المتوقع للقوات المسلحة
الروسية، بعد أن أصبحت أكثر انخراطا في العمليات القتالية، بعد أن خاضت الحرب في
سوريا للحفاظ على النظام السوري لعدة سنوات على مرأى ومسمع الجيش الإسرائيلي،
وهاجمت أهدافا من الجو، بينما قضت قواتهم البرية الخاصة على مختلف فصائل المعارضة
السورية المسلحة".
وأضافت أن "المعطيات الإسرائيلية المتوفرة
تتحدث عن أن التدخل العسكري الروسي في سوريا سيترك أثره المباشر على أدائه في
أوكرانيا في حال تدهورت الأزمة إلى غزو ميداني، فالجيش الروسي في سوريا زاد من
استخدام الأسلحة الموجهة بدقة، والطائرات الهجومية بدون طيار، والاستخبارات،
وتكتيكات الضربات الجوية مع الحد الأدنى من الأضرار التي لحقت بالقوة البشرية
الروسية، وتمثلت السياسة الروسية المعلنة بمعاملة سوريا على أنها "مساحة
تدريب"".
ويستذكر الإسرائيليون في هذه الأثناء حجم
مشترياته الدفاعية الجوية من إسرائيل، خاصة الطائرات بدون طيار، فضلا عن استفادة
الجيش الروسي من الطريقة التي يعمل بها نظيره الإسرائيلي في قتاله ضد المنظمات
المسلحة شبه العسكرية مثل حماس وحزب الله، لأن الجيوش الأجنبية ليست دائمًا ماهرة
في هذا الميدان، وهذه هي الطريقة التي يُتوقع أن يعمل بها الجيش الروسي في
أوكرانيا أيضًا، ولعل روسيا استخدمت سوريا كأرض تدريب فعالة من حيث التكلفة
المنخفضة بالنسبة لها، ومجال ممتاز لفحص ميادين إطلاق النار من الأسلحة ونظريات
القتال.
القراءة الإسرائيلية تركز على استخدام الروس
للقوات التي تم بناؤها في اللاذقية وطرطوس، باعتبارها قواعد للتدريب والمناورة،
مما جعل ملعبهم في الشرق الأوسط أكثر راحة بالنسبة لهم، وكذلك بالنسبة لعلاقاتهم
العسكرية والاستراتيجية مع مصر، والتدخل في ليبيا، وهذا بدوره يعني أن تواجد روسيا
في الشرق الأوسط يزيد من نفوذها، وإبرام المزيد من صفقات الأسلحة لمواجهة الوجود
الأمريكي، وهذا ما تراقبه إسرائيل عن كثب.
دأبت الأوساط العسكرية الإسرائيلية على تدوين
وتوثيق حركة سلاح الجو الروسي في الأجواء السورية، بما في ذلك مرتفعات الجولان على
الحدود مع إسرائيل، بمشاركة طائرات سوخوي 34 و35 وميغ 23 و29، وتمارين غير
مسبوقة في البحر والجو والبر من المحيط الأطلسي إلى البحر المتوسط، وكل ذلك يعني
أن الروس طوروا في العقد الماضي خلال تواجدهم في سوريا قدرات عسكرية في مجالات كان
لديهم ضعف فيها مثل أنظمة اعتراض الصواريخ، رغم امتلاكهم جيشا بريا مع وحدات
ماهرة، ولكن في مجالات أخرى فإن لديهم فجوة لافتة أمام الغرب والولايات المتحدة،
وهو ما تدركه إسرائيل جيدا.
تسعى المحافل العسكرية الإسرائيلية لتقديم ما
يمكن وصفها بأنها محاكاة لإمكانية غزو الجيش الروسي لأوكرانيا، وتزامن ذلك مع
تشغيل أنظمة الدفاع الجوي، رغم أن أوكرانيا لديها جيش قوامه 250 ألف جندي، و900
ألف احتياط، وهي قوة كبيرة بما يكفي لتشكل تحديًا كبيرًا للروس، صحيح أنهم قد ينتصرون
عليها، لكنهم سيعانون أيضا من خسائر كثيرة، ولذلك تعتقد إسرائيل أنه لا أحد في عجلة
من أمره لخوض حرب كبيرة، لا سيما والحديث يدور عن حلف الناتو، الذي يتكون من جيوش
كثيرة.