اقتصاد دولي

سيناريوهات الاقتصاد في 2022: بايدن والديمقراطيون بمهب الريح

الحزب الديمقراطي يحتاج إلى خفض معدل التضخم الذي وصل إلى 7 بالمائة وهو الأعلى منذ أربعين عاما- جيتي
يعتبر عام 2022 عامًا مؤثرًا في اقتصاد الولايات المتحدة بعد وصول معدل التضخم إلى مستويات قياسية ورفع أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي (البنك المركزي) ما أدى إلى انشغال الاقتصاديين ومحللي وول ستريت بإعادة النظر في توقعاتهم لبقية العام.

وأوضح مقال نشرته صحيفة "نيويوركر" الأمريكية للصحفي، جون كاسيدي، أن عملية التنبؤ حول الاقتصاد الأمريكي، الذي تبلغ قيمته 24 تريليون دولار، ليست سهلة خاصة في ظل جائحة كوفيد 19 التي جعلت عملية التنبؤ بما هو قادم أكثر صعوبة مع كثرة المتغيرات التي تفرضها، مشيرًا إلى وجود 3 سيناريوهات يمكن أن ترسم شكل الاقتصاد الأمريكي في سنة 2022 كلها تؤثر على المستقبل السياسي للرئيس الأمريكي جو بايدن في سنته الثانية في البيت الأبيض، وستؤثر أيضًا على انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي المقررة في نهاية السنة.

وبينت الصحيفة أن السيناريو الأول سيكون إيجابيًّا بالنسبة للرئيس والانتخابات؛ حيث سيستأنف النمو الاقتصادي القوي للاقتصاد الأمريكي صعوده بعد الضربة التي وجهها له انتشار متحور أوميكرون من فيروس كورونا، متزامنًا مع تراجع التضخم بشكل تدريجي بسبب انخفاض اضطرابات سلاسل التوريد خاصة المتعلقة بقطع غيار السيارات وأسعار الشحن.

وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى أن وزارة التجارة الأمريكية قالت الأسبوع الماضي إن الناتج المحلي الإجمالي، الذي يقيس أسعار السلع والخدمات ويتغير حسب معدل التضخم، قد ارتفع بنسبة 6.9 بالمائة على أساس سنوي في قياسات الربع الأخير من سنة 2021، وذلك بسبب الإنفاق الاستهلاكي القوي، والاستثمار في مجال الصحة، وبناء الشركات لمخزوناتها من السلع التي كانت قد استنفدت بسبب الجائحة، غير أنه – بحسب الصحيفة – من المتوقع أن تنخفض مؤشرات الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من سنة 2022 وبشكل حاد بسبب انتشار متحور أوميكرون في الولايات المتحدة.

ولفتت الصحيفة إلى أن صندوق النقد الدولي، الذي يراقب عن كثب الآفاق الاقتصادية العالمية، توقع أن الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي سوف يرتفع بنسبة 4 بالمائة في سنة 2022، وهو ما سيمثل أعلى معدل في المؤشر منذ فقاعة دوت كوم نهاية التسعينيات من القرن الماضي، باستثناء السنة الماضية التي قفز الناتج المحلي الإجمالي فيها إلى نسبة 5.7 بالمائة، وهي الأعلى منذ عام 1984، حيث زاد بنحو ستمائة مليار دولار عن الربع الأخير من سنة 2019 الذي كان قبل وباء كورونا مباشرة.

واستطردت الصحيفة قائلة إن الانتعاش كان على شكل حرف V، أي أنه حدث انخفاض حاد ثم ارتفاع حاد، وذلك نتيجة للاستجابة السياسية القوية في عامي 2020 و2021 من الكونجرس ومجلس الاحتياطي الفيدرالي، بما في ذلك قانون خطة الإنقاذ الأمريكية، الذي وقعه بايدن ليصبح قانونًا في فبراير الماضي، مشيرة إلى أن النمو القوي في الناتج المحلي الإجمالي سيمنح الديمقراطيين نقطة قوة في حملاتهم الانتخابية في التجديد النصفي للكونجرس.

ومع ذلك؛ فقد حذرت الصحيفة من أن الحزب الديمقراطي يحتاج إلى خفض معدل التضخم الذي وصل إلى 7 بالمائة وهو الأعلى منذ أربعين عاما؛ مشيرة إلى ما قاله استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوجوف؛ حيث أوضح أن 46 بالمائة من المشاركين أكدوا أن التضخم هو المشكلة الأهم في الاقتصاد الأمريكي، موضحة أن صندوق النقد الدولي توقع مشهدًا متفائلا للاقتصاد الأمريكي خلال سنة 2022؛ حيث يزيد الناتج المحلي الإجمالي وينخفض التضخم، وذلك بسبب انخفاض "اختلالات العرض والطلب"، إضافة إلى تباطؤ الزيادات في أسعار الطاقة والغذاء؛ حيث تتوقع جيتا حوبيناث، النائب الأول للعضو المنتدب لصندوق النقد الدولي أن يهدأ التضخم في 2023، فيما قالت الصحيفة إن هذا الانخفاض كلما كان أسرع كلما كان أفضل بالنسبة للرئيس وللديمقراطيين.

وتابعت الصحيفة قائلة إن السيناريو الثاني هو سيناريو تختلط فيه الأمور؛ فسيستمر الاقتصاد في التوسع، وسيتراجع معدل البطالة، لكن معدل التضخم سيبقى مرتفعًا، وهو ما يعني دمارًا سياسيا بالنسبة لبايدن والديموقراطيين؛ لافتة إلى أن بيانات وزارتي التجارة والعمل الأمريكيتين تقولان إنه خلال اثني عشر شهرًا ارتفعت نسبة التضخم بـ 5.8 بالمائة، كما ارتفع مؤشر تكلفة العمل، أي الأجور واستحقاقات الموظفين، بنسبة 4 بالمائة، لكن هذه الزيادة في الأجور فشلت في ملاحقة ارتفاع الأسعار، وهي الأزمة التي يحمل بعض الأمريكيين الرئيس الأمريكي مسؤوليتها بشكل جزئي.

وقالت الصحيفة إنه من غير المرجح أن يحدث تغير فوري في التضخم بناء على المعطيات الأخيرة التي تقول إن نقص المكونات الصناعية كرقائق أشباه الموصلات مستمر، وكذلك التباطؤ في موانئ التجارة الأساسية كلوس أنجلوس ولونج بيتش، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، فمثلًا في قطاع السيارات انخفض المعروض من السيارات الجديدة، فارتفعت أسعار السيارات المستعملة بأكثر من 20 بالمائة، وتوقعت شركة الوجبات السريعة ماكدونالدز ارتفاع تكلفة المواد الغذائية والورقية التي تستخدمها بنسبة 8 بالمائة، كما أعلنت شركة كرافت لمحلات السوبر ماركت أنها سترفع أسعار العشرات من المنتجات بحلول مارس المقبل.

وتبين الصحيفة أن هذا كله يفسر التعليقات المتشددة التي أدلى بها جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، في نهاية اجتماع المجلس في 26 كانون الثاني/ يناير الماضي، والذي فاجأ المستثمرين بأنه يمكن رفع أسعار الفائدة عدة مرات في خلال سنة 2022، وبنسبة تصل إلى نصف بالمائة، بدلًا من ربع بالمائة كما هو معتاد، وهو ما قد يؤدي إلى تحطيم سوق الأسهم وتدمير سوق العقارات وقتل الانتعاش الاقتصادي، وهو السيناريو الثالث والذي سيكون كارثيًّا بالنسبة للديمقراطيين.

وتقول الصحيفة إن باول وزملاءه في مجلس الاحتياطي الفيدرالي لا يريدون هذه النتيجة لكنهم يحاولون هندسة ما يسميه المحللون "الهبوط الناعم" للاقتصاد الأمريكي، مشيرة إلى أنها عملية ليست سهلة فقد فشل فيها اثنان من رؤساء الاحتياطي الفيدرالي السابقين، مؤكدة أنه إذا استمرت ضغوط التضخم لأي سبب كالإغلاق الصيني بسبب أوميكرون الذي سيجعل مشاكل التوريد أسوأ، أو الغزو الروسي لأوكرانيا الذي سيرفع أسعار الطاقة، فإن هذا سيدفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى مواصلة رفع أسعار الفائدة حتى لو أدى ذلك لضعف الاقتصاد، وهو ما سيكون خطأ سياسيًّا فادحًا قد يسبب خسارة بايدن لصناديق الاقتراع.

وأشارت الصحيفة إلى أن ملف زيادة الأجور هو حجر الزاوية في هذه الأزمة، فقد حذر باول في مؤتمره الأخير من مخاطر استمرار نمو الأجور بشكل زائد عن الإنتاج المتحقق، ما يؤدي إلى دوامة سترفع التضخم أكثر، فيما قال إيان شيبردسون، كبير الاقتصاديين في بانثيون ماكروإيكونوميكس، بحسب ما نقلت الصحيفة، إن مؤشر تكلفة التوظيف سجل ارتفاعًا أقل في الربع الأخير من سنة 2021 مما كان عليه في الربع الثالث من نفس السنة، وهو ما يعتبر خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح لخفض نسبة التضخم التي توقع أن تصل ذروتها في شباط/ فبراير 2022 بنسبة 7.3 بالمائة، لكنه توقع أيضًا أن تنخفض إلى 4 بالمائة بحلول تشرين الأول/ أكتوبر من نفس السنة.