كشفت صحيفة
"الواشنطن بوست" في مقال لها، عن انقسام جيوسياسي عميق، حول تقييم مخاطر الغزو الروسي لأوكرانيا، بين الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة، وباقي دول أوروبا وخاصة ألمانيا من جهة أخرى.
وذكرت الصحيفة أن
الولايات المتحدة حذرت، رفقة حليفتها بريطانيا، من اندلاع صراع عسكري على
الأراضي الأوروبية، بعد تحشيد روسيا قواتها على حدود أوكرانيا، وتضيف الصحيفة: لكن
بعض الدول الأوروبية المحاذية لا تزال متشككة حتى مع وجود الخطر العسكري الروسي.
وأكدت الصحيفة
أن ألمانيا "تقاوم" القناعة السائدة في واشنطن ولندن، حيث لم تمد برلين كييف بأسلحة دفاعية حتى الآن، منوهة إلى أن طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني
تجنبت المجال الجوي الألماني، متخذة مسارا أطول فوق بحر الشمال والدنمارك، عند
تسليم أسلحة مضادة للدبابات إلى أوكرانيا.
وأكدت الخبيرة المختصة
في الشؤون الروسية في مؤسسة كوربر في برلين، ليانا فيكس، وجود العديد من الأسباب
للانقسام، لكنها لاحظت اختلافا رئيسيا واحدا في وجهات نظر الرئيس الروسي ونواياه، مشيرة
إلى أن الكثير من الأوروبيين يعتقدون أن فلاديمير بوتين "مخادع"، بحسب
ما نشرته الصحيفة.
وأضافت فيكس، أن
"التصور في أوروبا ينحصر في تبني روسيا التهديد العسكري للحصول على تنازلات..
بينما، يبدو أن التصور الواقعي هو أن التصعيد العسكري ربما يكون المسار الأكثر
احتمالية في المستقبل".
وذكرت الواشنطن
بوست أنه تم تسليط الضوء على الاختلاف الصارخ في وجهات النظر الأوروبية في تصريحات
قائد بالبحرية الألمانية، الجمعة الماضية، الذي أجاب عن سؤال لجنة فكرية في نيودلهي حول تصور سعي روسيا السيطرة
على البعض من الأراضي الأوكرانية؟
وقال نائب
الأدميرال كاي أكيم شونباخ: "لا، هذا هراء"، مضيفا أن "بوتين ربما
يضغط علينا لأنه يستطيع فعل ذلك"، مضيفا أنه
"يجب على الدول الغربية الرد من خلال منح الزعيم الروسي الاحترام الذي يتوق
إليه ويستحقه"، بحسب ما ذكرته
الواشنطن بوست.
والسبت، تقدم القائد
بالبحرية الألمانية باستقالته عقب احتجاج دولي.
وقالت الصحيفة
الأمريكية، إن مثل هذه الآراء ليست معزولة، فهناك الكثير من المسؤولين والخبراء
الذين يعتقدون أن روسيا لا تسعى إلى الصراع المسلح، كما أن حشدها العسكري هو حيلة
مصممة لتحصيل تنازلات من الغرب.
وأكدت وجود خلاف
حول وجوب تلبية مطالب روسيا، التي تشمل إنهاء توسع حلف الناتو العسكري بشرق أوروبا.
اقرأ أيضا: صحيفة: أوكرانيا "ساحة صراع" موسكو وبكين ضد واشنطن
فيما، قال المؤرخ
والاستراتيجي العسكري إدوارد لوتواك في تغريدة على تويتر، الأسبوع الماضي، إن بوتين
كان "يخادع" بشأن أوكرانيا؛ لأن غزو البلاد سيشعل حربا "لا تستطيع روسيا
خوضها".
وأضاف: "إن
غزو أكبر دولة في أوروبا بأقل من 200 ألف جندي لن ينهي الأزمة بانتصار
لروسيا"، مضيفا أنه حتى في حال إرسال أي دولة أوروبية قوات عسكرية،
"فإنها سترسل أسلحة".
وتابعت الصحيفة
الأمريكية بأن روسيا في عهد بوتين قد فاجأت الجميع من قبل، عندما شنت حربا على
الشيشان في عام 1999، وجورجيا في عام 2008، وتشارك في حرب سوريا منذ عام 2015 وحتى
بشكل غير خفي في المناطق الانفصالية في أوكرانيا منذ عام 2014 - ولا تزال تشارك
كثيرا في أعمال دولية على مستوى أدنى.
واستطردت
الصحيفة بالقول إن غزو واسع النطاق لدولة كبرى، على حدود الاتحاد الأوروبي، قد
تكون فكرة مختلفة تماما.
وأوضح المقال أن
المسؤولين الروس استغلوا حالة عدم اليقين، متهمين واشنطن وحلفاءها بـ"الهستيريا"، حيث قال نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، الأسبوع الماضي، إن روسيا لن تتخذ أي إجراءات عدوانية على الإطلاق.
وأفاد ريابكوف
لوسائل إعلام روسية: "لن نهاجم أوكرانيا أو نداهمها أو نغزوها".
ويبدو أن لدى
بعض المسؤولين الأوروبيين شكوكا بشأن حسابات أمريكا والمملكة المتحدة أيضا، بحسب الواشنطن بوست.
بينما، أفاد مسؤول
السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوسيب بوريل، عقب اجتماعه مع وزير الخارجية
أنطوني بلينكين، بأن الدول بحاجة إلى تجنب "الانهيار العصبي" في ردود فعلها على الوضع.
والاثنين، قال بوريل: "نحن نعلم جيدا درجة التهديدات والطريقة التي يجب أن نرد بها، ولا شك في
أننا يجب أن نتجنب ردود الفعل المثيرة للقلق".
اقرأ أيضا: أمريكا ترسل طائرات مسيرة إلى أوكرانيا.. ما علاقة الإمارات؟
لكن البعض الآخر
يعتقد العكس تماما، حيث يرون أن الخدعة هي عروض الدبلوماسية، وليس التهديد بالحرب، حيث أوضح مدير
برنامج الدراسات الروسية في مركز أبحاث" سي إن أي"، مايكل كوفمان، الاثنين، أن مطالب روسيا لا يمكن
تلبيتها من قبل أمريكا وحلفائها في الناتو.
وقال كوفمان: "من خلال الإعلان عن [حزمة] مطالبها، ورفض تفكيكها بطرق قد تؤدي إلى حل
وسط، جعلت روسيا جهودها الدبلوماسية تبدو أكثر نظرية من كونها حقيقية"، مضيفا: "ربما تكون موسكو تسعى للحصول على ما يمكنها الحصول عليه، لكن المطالب
السياسية لا تتماشى مع الجانب العسكري من المعادلة".
وأشار مسؤولون
أمريكيون، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إلى مؤشرات باستعداد روسيا لهجوم عسكري
على أوكرانيا يشارك فيه ما يصل إلى 175 ألف جندي.
ومنذ ذلك الحين،
تحركت قوات روسية عبر بيلاروسيا المجاورة، بينما حذرت بريطانيا من خطط موسكو
لتنصيب حكومة موالية لها في كييف.
وقالت السكرتيرة
الصحفية للبيت الأبيض جين بساكي في إفادة صحفية، الاثنين: "بينما لا يمكننا
أن ندخل في ذهن الرئيس بوتين، فإننا نشهد الاستعدادات التي يقومون بها على الحدود".
على الرغم من
نفيها أنها كانت تخطط لأي عمل عسكري، فقد تقدمت بسلسلة من المطالب أحادية الجانب، التي من شأنها أن تمنع أوكرانيا من دخول الناتو، وتقصر قوات الناتو فعليا على حدود
الكتلة العسكرية لعام 1997، قبل توسعها شرقا.
هذا، وصاغت روسيا اتفاقيات مع أمريكا وحلف شمال
الأطلسي، حيث قال نائب وزير الخارجية ريابكوف، الاثنين، إن المطالب لم تكن قائمة
مطعم يمكن الاختيار من بينها.
بينما تشير تلك
المسودات إلى الافتقار إلى الجدية بالنسبة لكثيرين، بحسب الواشنطن بوست.
إلى ذلك، كتب
السفير الأمريكي السابق لدى موسكو، مايكل ماكفول، مؤخرا لصحيفة واشنطن بوست: "القليل من المفاوضات الجادة
تبدأ بصياغة جانب واحد، ناهيك عن النشر، لاتفاقية كاملة"، مضيفا أن بوتين لا
يبدو أنه يتفاوض، لكنه يقدم إنذارا "والإنذارات، كما نعلم من التاريخ، غالبا
ما تكون ذرائع للضم أو الحرب".
من جانب آخر، كتب
المؤرخ البريطاني تيموثي آش لمدونات أتلانتيك كاونسل هذا الأسبوع: "من خلال
التراجع عن التصعيد العسكري، يخاطر بوتين بالاتهام بالفشل في تأمين تنازلات جدية
بشأن أوكرانيا أو من الناتو.. سيُنظر إليه على أنه رجل يتحدث كثيرا ويهدد، لكن
عندما يواجه ردا صارما من الجانب الآخر، يتراجع في النهاية".
فيما، قالت المسؤولة
المختصة بالشأن الروسي سابقا في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس دونالد ترامب، فيونا
هيل، الشيء نفسه تقريبا، حيث قالت لـ"بيوك نيوز" إن "بوتين يعتقد
أن بإمكانه انتزاع تنازلات من بايدن؛ لأنه يهتم بشدة بأوكرانيا أكثر من ترامب".
وأضافت هيل: "إذا تحدينا خدعته، فعليه أن
يفعل شيئا، وإلا فلن تكون أي من تهديداته ذات مصداقية".
من جانبه، قال
بايدن خلال مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي: "أظن أنه سيدخل [أوكرانيا].. عليه أن
يفعل شيئا".
بينما قال
النائب الديمقراطي، رو خانا، في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأيام
الماضية: "لن يُبتز رئيس الولايات المتحدة.. لو حصل ذلك، ستبدأ كل دولة أخرى
في محاولة ابتزاز الرئيس".
وختمت الواشنطن
بوست مقالها بالقول إنه في حال حدث هجوم روسي على أوكرانيا، فإن أولئك الذين
اعتقدوا أن بوتين كان يخادع سيظهرون على خطأ.
وتابعت، تاريخيا،
كانت دول، على غرار ألمانيا، تأمل في أن يؤدي التكامل الاقتصادي والحوار الأوثق مع
روسيا إلى ضمان السلام.
كيف تجر واشنطن الخليج العربي إلى الأزمة الأوكرانية؟
مستشارة لبوش وأوباما: بوتين يريد طرد أمريكا من أوروبا
FP: حرب أوكرانيا-روسيا ستعرض الأمن الغذائي العالمي للخطر