نشرت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية، أول من أمس، تقريرها السنوي الخاص بانتهاك الحقوق والحريات العامة والقانون في الضفة الغربية، وخلُصت إلى أن عام 2021 يرقى لأن يوصف بالعام الأسود لقمع الحريّات، بناء على معطيات البيانات المتعلقة بالانتهاكات الموثقة.
الانتهاكات الموثقة التي بلغت 2578 انتهاكًا وفق التقرير، كانت شاملة ومتنوعة، وممتدة على مدار العام، لكنّها تكثفت بعد إلغاء الانتخابات التشريعية، وتجاوز مرسوم الحريّات الشكلي، وتوضّحت ملامحها منذ اللحظة الأولى لانتهاء معركة سيف القدس، إذ شنّت أجهزة السلطة حملة عدوان واعتقالات طالت النشطاء والفاعلين في ساحة الضفة خلال المعركة، أي الذين كان لهم دور في المظاهرات ضد الاحتلال، وبدا أنها كانت حملة انتقامية بعد أن ارتفعت أسهم مسار المقاومة وحركة حماس خلال وبعد المعركة.
أما الانتهاك الصارخ الأبرز فتمثل في اغتيال الناشط السياسي نزار بنات أواخر حزيران، وفي التسبب بقتل الشاب أمير اللداوي من أريحا الشهر الفائت، بعد ضربه وصدم سيارته خلال توجهه لاستقبال أسير محرر من سجون الاحتلال، بزعم أن السيارة كانت تحمل رايات خضراء.
أما بقية الانتهاكات فطالت جميع مظاهر وأشكال النشاط الوطني والسياسي والطلابي والنقابي في الضفة الغربية، وشملت الاعتقالات والمحاكمات السياسية الجائرة سياسيين وحقوقيين وإعلاميين ونقابيين وطلابًا، وبلغت الاعتقالات مئات الحالات، تعرّض كثير منهم للتعذيب في سجون الأجهزة الأمنية، وبلغ العدوان ذروته باستهداف مواكب استقبال الأسرى المحررين وقمع مظاهرها الاحتفالية، وصولًا إلى إطلاق النار على جنازات بعض الشهداء.
إضافة إلى هدف السلطة وحركة فتح بإدامة التفرّد في ساحة الضفة الغربية والهيمنة عليها، ومنع أي نشاط معارض لها، أو منبثق عن فصائل العمل الوطني والمقاوم الأخرى، فإن من دلالات التقرير قضية تعمّد كسر الخطوط الحمراء وتجاوزها في الانتهاكات، وعدم المبالاة أو الاكتراث بالغضب المترتب على ذلك، في أوساط عموم الناس، بل الإصرار على ترهيبهم وقمعهم وتغييب كل مظاهر النشاط الوطني، نتيجة لاطمئنان السلطة بتنظيمها وأجهزتها إلى أنها ستظلّ بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، وأن أولويتها باتت تتمثل في حيازة الرضا الإسرائيلي عن أدائها، في تأمين جبهته عبر استهداف النشاط المقاوم، وفي إبقاء ساحة الضفة الغربية مستنزفة بالملاحقات، وغير قادرة على بلورة حالة نضالية قادرة على إرساء معالم مرحلة جديدة في مواجهة الاحتلال.
وبالعودة إلى حادثة اغتيال نزار بنات، فقد شكّلت لحظة كان ينبغي أن تكون مفصلية في التعامل الجمعي لفصائل المقاومة مع هذه السلطة، فاغتيال ناشط سياسي معارض لمنهج السلطة ومرشح للانتخابات التشريعية التي تمّ إلغاؤها يعطي مؤشرًا واضحًا حول مدى التوحّش في السلوك السلطوي تجاه كل من يناوئ سياساتها، ولو بالكلام، وحول استسهالها الانقلاب على جميع تعهداتها والتزاماتها، حتى لو كانت مكتوبة وموثقة، إضافة إلى أن الثابت الوحيد لديها سيظل الحفاظ على هيمنتها وسطوتها على جميع مفاصل القرار، ومفاصل السلطة التشريعية والقضائية والأمنية والسياسية.
يترتّب على كلّ هذا ضرورة حدوث اختلاف في التعامل معها، حتى عند الاضطرار إلى محاورتها، إذ لم يعد نافعًا ولا مجديًا تكرار آليات إدارة الخلاف معها، انطلاقًا من وصف الوضع القائم بكونه انقسامًا لا يحتاج سوى إلى توافق على ضرورة تجاوزه بالتصالح والاتفاق على خطوات سياسية، هي في جوهرها تكرّس الوهم، وتنأى بالخلاف عن البحث في جذوره، وتديم حالة التيه والتوقف مجددًا عند العقبات ذاتها، أو الانزلاق معها في متاهات جديدة.
(صحيفة فلسطين أونلاين)