تثار التساؤلات حول مآلات التدخل الروسي في الأحداث الجارية في كازاخستان، وسط تأثير غربي محدود، واعتراض أمريكي على وصول القوات الروسية للبلاد.
ورأى معارض كازاخستاني بارز مقيم في فرنسا، أن النظام الذي حكم كازاخستان منذ سقوط الاتحاد السوفييتي شارف على نهايته في ثورة شعبية اتحد فيها الناس للمرة الأولى للتعبير عن غضبهم، معتبرا أن تدخلا عسكريا بقيادة روسية يشكل "احتلالا"، وحض الكازاخستانيين على الوقوف بوجه القوات الأجنبية.
مختار أبليازوف، وزير سابق للطاقة ورئيس مجلس إدارة بنك مطلوب في كازاخستان في عدد من الاتهامات.
وقال ألبيازوف لوكالة فرانس برس في باريس: "أعتقد أن النظام يقترب من نهايته. إنها مجرد مسألة وقت".
ويترأس ألبيازوف حزب الخيار الديمقراطي لكازاخستان، وقد عبر بصوت عال عن تأييده للاحتجاجات وذلك على مواقعه على منصات التواصل الاجتماعي.
وأضاف: "في غضون ثلاثة أيام بالضبط اندلعت ثورة وهي ثورة حقا في وجدان الناس (...) وقد أدرك الناس أنهم ليسوا ضعفاء".
تدخل غربي أو الخضوع لموسكو
وقال أبليازوف إن كازاخستان دخلت الآن معترك لعبة سياسية محذرا من أنه ما لم يتدخل الغرب فإن روسيا ستُخضعها كما كان الحال أيام الاتحاد السوفييتي السابق.
وأضاف: "إذا لم يحدث ذلك فسوف تتحول كازاخستان إلى روسيا البيضاء وسيطبق (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين برنامجه وهو إعادة إنشاء كيان على غرار الاتحاد السوفييتي".
ويصور أبليازوف نفسه على أنه زعيم احتجاجات المعارضة وقال إنه يُستشار يوميا بشأن الخطوات على الأرض في ألماتي.
وقال: "أرى نفسي زعيم المعارضة". وتابع: "يطلبني المحتجون كل يوم ويسألون: ما الذي يجب أن نفعله؟ نقف هنا.. ماذا ينبغي أن نفعل".
اقرأ أيضا: قوات روسية تصل كازاخستان.. والسلطات تعلن إنهاء الاحتجاجات
أطيحوا النظام
في إشارة إلى مشاهد تحطيم تماثيل لنزارباييف وقرار توكاييف إقالة حكومته قال أبليازوف إن "الناس يؤمنون الآن أنهم إذا اتحدوا يمكنهم تحطيم التماثيل وإجبار الحكومة على الاستقالة".
ووسط غموض بشأن مكان تواجد الرئيس السابق القوي، قال أبليازوف إنه تلقى معلومات عن أن نزارباييف وعائلته الضيقة فروا إلى أبوظبي بعد أن تم اقتحام مقره في ألماتي، كبرى مدن كازاخستان.
وأبليازوف الذي أعلن لوكالة فرانس برس رغبته في لقاء الرئيس إيمانويل ماكرون، يعد شخصية مثيرة للجدل حوكم في كازاخستان وحكم عليه غيابيا بتهمة القتل والابتزاز.
كما أنه مطلوب في روسيا وقد أوقف في فرنسا قبل أن تمنع أكبر سلطة إدارية فرنسية في 2016 تسليمه إلى روسيا معتبرة أن طلب التسليم له دوافع سياسية، ويقيم حاليا في باريس بعد منحه وضع لاجئ.
وأعلن أبليازوف الذي ترأس أحد أكبر مصارف كازاخستان بين 2005 و2009، أنه يريد أن يكون رئيسا لحكومة ذلك البلد، في نظام برلماني جديد يلغي منصب الرئيس.
وقال إن "الحكومة المؤقتة التي تطيح نظام نورسلطان نزارباييف سأقودها أنا لنصف عام قبيل انتخابات حرة".
وحض أيضا دول الغرب على النظر في فرض عقوبات على القيادة الكازاخستانية مشيرا إلى أنه معروف بأن النخبة فيها لديهم "الكثير من الأصول" في عواصم أوروبية مثل باريس ولندن.
وقال أبليازوف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرح بتقديم المساعدة في إطار استراتيجيته "إعادة تكوين الاتحاد السوفياتي السابق"، لكنه رأى أن على الكازاخستانيين اعتبار وجود قوات أجنبية بمثابة "احتلال".
وأضاف: "أحض الناس على تنظيم إضرابات وقطع طرق احتجاجا على تواجدهم في البلاد".
وحذر روسيا من أن كازاخستان مهددة بأن تصبح مثل أوكرانيا، حيث المشاعر المعادية لروسيا ارتفعت كثيرا في أعقاب ضم موسكو للقرم وسيطرة انفصاليين موالين لموسكو على منطقتين في 2014.
وشدد على أنه "كلما ازداد تدخل بوتين، أصبحت كازاخستان أكثر مثل أوكرانيا، دولة عدو لروسيا".
اقرأ أيضا: إعلان الطوارئ بكازاخستان وتجدد التظاهرات الغاضبة (شاهد)
الغارديان: كازاخستان قد تبدو قريبا أسوأ بكثير
صحيفة "الغارديان" اعتبرت أن الأزمة في كازاخستان قد تبدو قريبا أسوأ بكثير، لا سيما مع دعوة منظمة معاهدة الأمن الجماعي للتدخل بشكل مباشر بما يجري.
ولفتت إلى أن الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توقاييف، لا يظهر أي مؤشر على معالجة المطالب الأكثر جوهرية للإصلاح السياسي رغم إقالته رئيس مجلس الأمن واستبدال حكومته بإدارة مؤقتة.
وأضافت: "عدم وجود قادة للاحتجاج الذين قد يقبلون التفاوض هو النتيجة الحتمية لعدم تسامح النظام مع المعارضة. توقاييف، دون تقديم أدلة، يلقي باللوم على عصابات إرهابية مدربة في الخارج، في محاولة لتبرير رد فعله العقابي. لكن في حين أن القوة قد تسحق الاحتجاجات، إلا أنها ستضخم الغضب الكامن".
وذكرت الصحيفة أن "دعوة منظمة معاهدة الأمن الجماعي هي خطوة محفوفة بالمخاطر بشكل خاص، ربما تشير إلى أن توقاييف اهتز من التقارير التي تفيد بأن أفراد الأمن ينتقلون إلى جانب المتظاهرين، أو أنه قلق بشأن أجزاء أخرى من النخبة. بالإضافة إلى الاعتراف ضمنيا بضعفه، ومن المرجح أن يؤدي طلب مساعدة موسكو إلى تنفير الكثيرين في بلد يفتخر بسياسته الخارجية متعددة الاتجاهات".
وتابعت: "لم يتدخل تحالف دول ما بعد الاتحاد السوفيتي في أزمة من قبل، لكن روسيا تريد الاستقرار على حدودها ولا تريد احتجاجات الشوارع للإطاحة بحكومة أخرى في المنطقة".
وأكدت الغارديان أن الغرب له تأثير محدود لكنه لا يخلو من النفوذ، و"يتم حجز مبالغ كبيرة من الأموال الكازاخستانية في لندن، حيث يمكن مقدمو الخدمات البريطانيون النخب، في فترة ما بعد الاتحاد السوفيتي من غسل أموالهم وسمعتهم".
وشددت على أنه يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا أن يبذلوا قصارى جهدهم لحث القيادة الكازاخستانية على احترام حقوق المحتجين.
نيويورك تايمز: روسيا تسعى لاستغلال الأحداث لإعادة تأكيد نفوذها
بدورها قالت صحيفة "نيويورك تايمز"، إن روسيا تسعى لاستغلال الأحداث الجارية لإعادة تأكيد نفوذها بإرسال القوات لإخماد الاحتجاجات.
وذكرت الصحيفة، أن فرض موسكو لنفوذها في الدولة السوفيتية السابقة هدف طويل الأمد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لافتة إلى أن ما يجري يكشف ضعف قادة الدولة الذين تثق بهم روسيا في إدارة البلاد.
وبعد أيام من الاضطرابات العنيفة، أعلنت منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا، أنها سترسل إلى كازاخستان "قوات حفظ سلام" تلبية لطلب من رئيس كازاخستان.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قوات حفظ السلام الروسية، بالتعاون مع قوات إنفاذ القانون الكازاخستانية، تمكنت من السيطرة بشكل كامل على مطار ألما آتا.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، في بيان الجمعة: "حتى الآن، وبالتعاون مع وكالات إنفاذ القانون في جمهورية كازاخستان، تم وضع مطار ألماتي تحت السيطرة الكاملة".
وأضاف: "مهام قوات حفظ السلام الروسية تضمن أمن القنصلية العامة لروسيا الاتحادية الموجودة في ألما آتا وغيرها من المرافق المهمة".
بدورها حذرت الولايات المتحدة القوات الروسية التي نشرت في كازاخستان من السيطرة على مؤسسات كازاخستان، مشيرة إلى أن "العالم سيراقب" أي انتهاك لحقوق الإنسان.
القائم بأعمال مدير الدراسات الدولية بمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، مكسيم سوشكوف، قال إن المشهد في بلد مثل كازاخستان "يبدو كبيرا وعنيفا"، مشيرا إلى أن الاحتجاجات أظهرت أنه حال حدوث أزمة داخلية تلجأ الدول السوفيتية السابقة إلى روسيا رغم محاولتها تحقيق التوازن بين الشرق والغرب باستثناء أوكرانيا.
اقر أيضا: رئيس كازاخستان يأمر الجيش بإطلاق النار على "المسلحين"
وذكر سوشكوف أن الاضطرابات الأخيرة يمكن اعتبارها أزمة خطيرة تحاول موسكو تحويلها لفرصة لفرض نفوذها.
ويرى محللون أنه بقدر ما يسعد بوتين بالاضطرابات في أوروبا والولايات المتحدة كدليل على فشل الديمقراطية، فإنه لا يستمتع كثيرا بالاضطراب بالقرب من روسيا، بغض النظر عن الفرص قصيرة المدى لفرض النفوذ.
وكان من بين الجنود الذين تم إرسالهم إلى كازاخستان أعضاء من اللواء 45، أو النخبة "سبيتسناز" (القوة الخاصة)، وهي وحدة سيئة السمعة لعملياتها في الحربين الأولى والثانية في الشيشان، التي كانت مضطربة ولكن جرى إخماد ثورتها بوحشية.
كان اللواء 45 نشطا أيضا في أوسيتيا الجنوبية، وهي منطقة في جورجيا كانت مركز حرب تلك الدولة مع روسيا عام 2008، وفي شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا عام 2014، وفي سوريا أيضا.
إن مدى مساهمة هذا الدور الحازم يجسد هدف بوتين الطويل الأمد المتمثل في استعادة الهيمنة الروسية على جزء كبير من المجال السوفيتي السابق، كما تقول الصحيفة.
من جهته ذكر أستاذ العلوم السياسية بكلية بارنارد بجامعة كولومبيا، ألكسندر كولي، أنه من غير المرجح أن تطالب روسيا بتنازلات فورية من الرئيس الكازخستاني، لكنها اكتسبت نفوذا قويا، مما يقلل من جهود البلاد السابقة لتحقيق التوزان في علاقاتها بين موسكو وواشنطن، مشيرة إلى أن مثل هذه المساعدة الروسية نادرا ما يتم تقديمها مجانا.
رئيس كازاخستان يأمر الجيش بإطلاق النار على "المسلحين"
عشرات القتلى خلال قمع احتجاجات كازاخستان.. واشنطن تحذر موسكو
فوضى في كازاخستان.. موسكو تتهم وواشنطن تراقب